غالبا ما تكون صناديق الاقتراع معيارا يُقاس به مقدار الرضا والغضب الشعبى على الحكام خاصة وإن كنا نتحدث عن بلد ديمقراطى وشعوب مثقفة لا تؤثر عليها حملات انتخابية أو دعائية كاذبة. واليوم ونحن على أعتاب الاستعداد لحملات انتخابية رئاسية تُمهد الطريق إلى قصر الإليزيه أصر الناخب الفرنسى فى انتخابات البلديات-أخيرا-على معاقبة الاشتراكين ورئيسهم فرنسوا اولاند تعبيرا عما يشعرون به من حالة غضب طالت فى انتظار الوعود التى جاء بها برنامجهم الانتخابى الذى تم اختيارهم على أساسه أملا فى إصلاح ما أفسدته سياسة اليمين الجمهورى ورئيسهم نيكولا ساركوزى فى فترة رئاسية سابقة، إلا أن الرياح لم تأت بما تشتهيه السفن لتأتى نتيجة الانتخابات البلدية معبرة عن هذا السخط الشعبى العارم حيث مُنى الحزب الاشتراكى الحاكم برابع هزيمة انتخابية فى غضون عام واحد وليعيد التاريخ نفسه ويُكشف عن تعثر الاشتراكيين كسابقيهم فى تحقيق الإصلاحات المنشودة، ولتحقق المعارضة اليمينية برئاسة نيكولا ساركوزى -رئيس فرنسا السابق- نجاحا يمكن تصنيفه بالساحق. وفى تلك الأثناء وكما اعتدنا من تداعيات الانتصار والانكسار سادت الساحة حرب ملاسنات بين زعماء الأحزاب السياسية الفاعلة من الحزب الاشتراكى-الحاكم- الخاسر بفداحة، واليمينى الجمهورى"الاتحاد من أجل حركة شعبية" الفائز الأول فى تلك الانتخابات، وصولا إلى حزب الجبهة الوطنية لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن. فبالرغم من أن نتيجة الانتخابات أظهرت إخفاق الاشتراكيين، وفتحت باب التوقعات السياسية على مصراعيه مستبعدة استمرارهم لحقبة رئاسية ثانية ، ومنذرة بعودة اليمين بزعامة ساركوزى، فإنها خففت من توقعات ومخاوف صول اليمين المتطرف لرئاسة الإليزيه. وكان ساركوزى قد أرجع هزيمة الاشتراكيين لخيبة أمل الفرنسيين وعدم ثقتهم فى رئيسهم الاشتراكى فرانسوا أولاند ،ومع ذلك لايزال أولاند يصر على المضى قدما فى خطته الاقتصادية والسياسية معولا على إصلاح اقتصادى تكتمل أركانه مع انتهاء مدته الرئاسية، ومقللا من أهمية تدنى شعبيته أو فوزه بحقبة رئاسية أخرى من عدمه.. يذكر أنه قد سبق لأولاند التنويه أكثر من مرة أن همه الأكبر هو مصلحة فرنسا وليس الحفاظ على مكانه فى الإليزيه. أما زعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبن المعروف عنها كراهيتها الشديدة للهجرة وتحفظها على الاتحاد الأوروبى وعملته الموحدة (اليورو)..فقد انتهزت فرصة فشل الاشتراكيين ودعت رئيس الوزراء مانويل فالس كى يقدم استقالته واستقالة حكومته من تلقاء أنفسهم إن كانوا شرفاء لأن الصغار هم الذين يتمسكون بمقاعدهم بشتى السبل على حد تعبيرها.. ويذكر أن معسكر اليسار - الشيوعيين والخضر وجبهة اليسار والاشتراكيين – يعانى حالة تشرذم شديد أفقدتهم مالا يقل عن 40 دائرة فى الانتخابات الأخيرة، حيث انتقلت 25 دائرة انتخابية من معسكر اليسار إلى اليمين التابع لنيكولا ساركوزى، وذلك فى أول اختبار انتخابى اجتازه حزبه، مما يعد دليلا على نجاحه فى رأب الصدع الذى حدث إثر هزيمته فى الانتخابات الرئاسية الماضية أمام الاشتراكى فرانسوا أولاند فى 2012. والواقع أن هزيمة الاشتراكيين جاءت كصفعة قوية بعد أن خسر فيها أهم معاقله كإقليم كوريز(جنوب غرب) وهو معقل الرئيس فرانسوا أولاند ذاته،وكذلك معقل رئيس الوزراء مانويل فالس. وما نلمحه ويؤكده المراقبون أن الفرنسيين سئموا الانتظار والوعود التى ترددت على مسامعهم فى أثناء حملة الرئيس فرانسوا أولاند قبيل وصول الاشتراكيين إلى السلطة،تلك الوعود التى لا ترتقى إلى مستوى التنفيذ فمازالت معدلات البطالة مرتفعة ومازال المجتمع يعانى من تداعياتها من انتشار الفقر فى الضواحى وما يترتب على ذلك من استقطاب أبناء هذه المناطق تجاه الإرهاب وازدياد معدلات الجريمة وبالتالى انعدام الأمن فى المجتمع. وهو ماانتهزه ساركوزى ليخطو بحزبه خطوات واثقه ويؤكد أنه عائد إلى السلطة بلا منازع..إلا أنه لا يخفى توجسه من وعورة خوض المعترك الرئاسى فهو يعلم أن طريق العودة للإليزيه ليس سهلا ويتطلب منه خوض طريق كفاح طويل. والواقع أن نيكولا ساركوزى يعول فى رجوعه للسلطة على خطة إصلاح متكاملة سياسيا واقتصاديا-وحسب المعلن-،أهم محاورها إيجاد فرص عمل جديدة لتقليص حجم البطالة بالإضافة إلى تخفيض الضرائب المثقل بها كاهل الفرنسيين،واقتراح مشروع بديل لمكافحة الفساد والتقليل من الإنفاق فى مؤسسات الدولة.. وإن كان لا يخفى على أحد أن فترة ساركوزى الرئاسية-من2007 حتى 2012- قد شهدت العديد من التجاوزات وأثيرت خلالها العديد من قضايا الفساد التى طالت عددا من المسئولين، فضلا عن أن ساركوزى ذاته مازال يتردد على أروقة القضاء لاستجوابه فى العديد من الملفات كان آخرها مثوله منذ أيام أمام محكمة باريس فى القضية المعروفة على الساحة "ببجماليون" بسبب تجاوز سقف المصروفات المسموح بها فى حملته الانتخابية المنصرمة-2012-ذلك بعد أن رفض المجلس الدستورى اعتماد مصروفاتها إذ وصل حجم الغرامات المالية الى 400,000 يورو قدم الحزب بها فواتير مزورة من شركة بيجماليون التى تولت إعلانات حملته الانتخابية. ودون شك أن فوز حزب اليمين الجمهورى عزز من موقف الرئيس السابق نيكولا ساركوزى وقوى من موقفه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر لها 2017. وهو مايقره المراقبون باعتبار أن هذه الانتخابات تعد اختبارا لما ستكون عليه الانتخابات الرئاسية المقبلة.