يبدو أن أزمة الانقسام التى مُنى بها حزب"الجبهة الوطنية"المحسوب على التيار اليمينى المتطرف قد تعصف بآمال زعيمته مارين لوبن فى الوصول للإليزيه، ذلك رغم تحقيقها الكثير من النجاحات والحشد الشعبى فى الفترة المنصرمة. والمعروف أن مارين لوبن قد تزعمت رئاسة الجبهة الوطنية منذ 2011، خلفا لوالدها المؤسس الأول للحزب والنائب الأوروبى جان مارى لوبن المناهض للهجرة، والمدافع عن حزمة من الأفكار العنصرية المتطرفة. ففى الآونة الأخيرة بدا للساحة السياسية حالة من الخلاف الحاد بين لوبن الأب وابنته على خلفية تصريحات تفوه بها مؤسس الحزب جان مارى لوبن -مجددا- مفادها الإساءة إلى اليهود والتشكيك فى المحرقة النازية، ومع أن هذه التصريحات معتادة إلا أن الجديد فى الأمر أن من قام بالرد عليه هى ابنته ووريثته فى رئاسة الحزب -حاليا- بخلاف ما تعودنا فى الماضى بأن يأتى الرد والهجوم من الحزب الحاكم أو أحد الأحزاب المعارضة، أيا كانت يمينا أو يسارا..وتجدر الإشارة إلى أن النزاع بينهما(الأب والابنة) قد اشتعل إلى حد أن لوبن الابنة دعت والدها للتقاعد والتخلى عن السياسة، رغم أنه الرئيس الشرفى للحزب ليس إلا، كما أنها توعدته بعقد مجلس تأديب إن لم يبتعد عن الحزب، فضلا عن أنها رفضت ترشيحه على قوائم انتخابات المجالس الإقليمية المقرر له نهاية 2015.. فى حين اتهمها والدها بأنها تدعو لانفجار داخلى فى الحزب.. وشكك فى قدرتها على النجاح السياسى من دونه. فهو يرى أن سياسة ابنته أصبحت على وشك الانضمام الأيديولوجى إلى سياسة الأحزاب الكبرى المطروحة على الساحة، قاصدا اليمين الجمهوري (UMP)، واليسار الاشتراكي(PS)، بمعنى أن الحزب الذى أسسه على أفكار تميزه عن تلك الموجودة على الساحة قد يفقد هويته وشعبيته -من وجهة نظر مؤسس الحزب.
والواقع أن السيناريو برمته يبدو للساحة السياسية أنه مجرد أزمة وتناحر فى بيت آل لوبن، إلا أن الأمر يحتمل -أيضا- أنه مصطنع،خاصة أن الجبهة الوطنية(FN) لم تحقق النجاح أو الاكتساح الذى توقعته لوبن فى الانتخابات التشريعية فى 22 مارس الماضي، والتى لم يحصل نواب حزبها فيها إلا على 25% من رئاسة البلديات، فى حين كان نصيب الأسد لحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية"(UMP) التابع لليمين الجمهورى برئاسة ساركوزى كونه أكثر اعتدالا من الجبهة الوطنية. لذا فإن اصطناع مثل هذا الجدل يعيد الحديث عن الحزب ويزيد من تلميع صورة زعيمته بغية اقتناص الأصوات التى يحصدها اليمين الجمهوري، من منطلق أن لوبن الابنة الطامحة للإليزيه معتدلة عن والدها، وبعيدة عن أفكاره المتطرفة، بل ورافضة لها..
ولكن من المؤسف أن الرياح لن تأتى بما تشتهى السفن، حيث تطفو على الساحة أزمة جديدة من شأنها الإطاحة بأحلام مارين لوبن السياسية،فعلى نفس الطريقة التى يحاكم بها حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزى فى قضية الفواتير المزورة للتحايل على تخطى السقف المسموح به فى مصروفات الانتخابات الرئاسية الفائتة سيتم فتح ملف تزوير لحزب لوبن، وقد تكون من ضمن تداعياته استدعاء عائلة لوبن الأيام المقبلة فى سلسلة جلسات قضائية للتحقيق فى القضية المعروفة ب"جان" والتى يتهم فيها حزب الجبهة الوطنية المتطرف بعملية اختلاس وتزوير فى أوراق رسمية.
ولو افترضنا جدلا أن ثمة خلافات تعصف بجبهة اليمين المتطرف واعتمدنا حالة الانقسام فى بيت آل لوبن، فضلا عما ينتظر الحزب من مساءلات قضائية، فلنتخيل تداعيات ذلك على الواقع السياسى بفرنسا، خاصة أن حزب المعارضة لليمين الجمهورى المعروف ب(UMP)" الاتحاد من أجل حركة شعبية" ورئيسه نيكولا ساركوزى لديه عدد من المشكلات والقضايا، وبعض المعضلات التى قد تعوق وصوله للسلطة.
وبالطبع قد يصب ذلك فى صالح الاشتراكيين والرئيس فرانسوا أولاند على وجه الخصوص، بعد أن لاحت فى الأفق انفراجة بسيطة فى الأحوال الاقتصادية، فهناك تدن ولو طفيفا فى أسعار السلع الاستهلاكية، فضلا عن أن جل وعود أولاند الانتخابية بدأت تترجم إلى واقع،الأمر، الذى قد يؤهله لخوض سباق الرئاسة المقبلة، خاصة أن مسيرته السياسية لا يشوبها قضايا فساد كتلك التى شابت النظام السابق لنيكولا ساركوزى وحكومته التابعة للحزب اليميني(UMP).
والواقع ان تنبؤات الساحة بإعادة انتخاب الرئيس الاشتراكى فرانسوا أولاند كبيرة نظرا لإصراره على الإصلاح، بالإضافة إلى المجهودات المستميتة من اليمين المعارض بجميع اطيافه. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن أولاند أمضى أكثر من منتصف مدته الرئاسية إلا أنه لم يعلن عن رغبته فى خوض الانتخابات المقبلة، معللا ذلك بأنه يعمل لدى الفرنسيين ومن أجل مصلحة البلاد، ولا يضع نصب عينيه سوى ذلك.. وبالرغم مما تشهده الساحة السياسية من الإعلان لبعض السياسيين الكبار عن خوض السباق الرئاسى إلا أن حجم إنجازات حكومته تشير إلى أن فرانسوا أولاند على موعد مع الفرنسيين فى الانتخابات الرئاسة المقبلة 2017.
ويبقى امام أعضاء الأحزاب الفرنسية عاما من الزمان لاختيار المرشحين المقرر لهم خوض الطريق للإليزيه.