الوضع في لبنان كما يقول المثل الشعبي المصري (يصعب علي الكافر) ليس اليوم فقط، ولكن منذ عقود طويلة، ربما منذ ان تسلط النظام السوري علي مقدرات لبنان، وأخضع شعبه لشهية المخابرات والابتزاز القمعي السوري، ومن ثم وضع في (الثلاجة الايرانية)، فلم يعد لبنان وطنا (نهائيا) كما تقول شعارات السياسيين، بل أصبح ساحة أو منصة للمصالح الإقليمية، وربما لبنان من ضمن دول قليلة اختفت فيه الدولة منذ زمن بعيد، علي رأي أحد المتظاهرين في بيروت أخيرا، يقول: هل رأيتم إيرانيا يحمل في مظاهرة العلم اللبناني، انظروا كم لبنانيا يحمل العلم الإيراني ويدافع باستماتة عن الولي الفقيه!! مقاربة محقة، وتعني الكثير. رغم أن التوريث كان أحد العناصر الفاعلة في تحريك (الربيع العربي) في كل من مصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس ، بشكل أو بآخر إلا أن التوريث في لبنان ظاهرة تاريخية، فهناك اسر تقوم بتوريث الزعامة من الأب إلي الابن، وعادة ما يكون الابن رجلا عبقريا!!، بعض الأوقات يكون التوريث من الأب إلي (النسيب) كما حدث أخيرا في إطار التيار (الحر) الذي يطالب في لبنان بالديمقراطية، ويختار (النسيب) بالتوافق!! وربما لبنان البلد الوحيد أيضا في العالم الذي يستطيع ان يعيش لسنوات (بلا رأس) لأن الجميع يرغب في أن يصبح رأسا! . في الأسابيع الأخيرة انطلق في لبنانوبيروت العاصمة تحديدا حملة عنوانها (طلعت ريحتكم) بسبب تراكم أكوام (الزبالة) في عاصمة (النور) العربية، والزبالة في لبنان مثل غيرها (محاصصة) بين الفرقاء المتنفذين، توزع حسب حصص القوة والنفوذ، الحملة قررت مجموعة من القرارات ،وهي ان تكون خارج الأحزاب ، لانها كما تري، أن كل (الاحزاب فاسدة) وخارج الطوائف لأن التمترس الطائفي هو أحد أسباب بقاء تلك المجموعات السياسية علي رأس العمل العام. إلي هنا والامر طبيعي، بل ومرحب به. قام منظمو الحملة بوضع صور (الزعماء الفاسدين) في نظرهم علي لوحة كبيرة، للقول إنكم (جميعا فاسدون) ولكن، وهي لكن مهمة جدا، وضع أيضا صورة حسن نصر الله مع المجموعة، هنا قامت قائمة الحزب المُنظم (إيرانيا) وهدد الحزب، وهو الوحيد من الأحزاب التي تتمتع بطائفية، وأيضا تملك سلاحا فتاكا، قام بتهديد المنظمين من أجل رفع صورة (السيد حسن نصر الله)، وأمام ذلك الضغط، تم بالفعل رفع صورة (الزعيم المعصوم) من اللوحة الكبيرة التي تتوسط ميدان رياض الصلح! هنا الرائحة الحقيقية التي تزكم الأنوف فاحت، والتي هي أكثر من رائحة ( الزبالة) في بيروت، ان هناك قوة مسنودة من دولة إقليمية، ويجاهر بهذا الإسناد في كل من بيروتوطهران، دون خجل أو حتي تورية، إذن الدولة اللبنانية (مخطوفة) من جهة واضحة المعالم، ويظهر متحدثوها علي محطات التلفزة اللبنانية معترفين بتبعية مطلقة لطهران، بل إن الشباب اللبناني في سن التفتح يساق بالقوة كي يحارب في جرود ومناطق سوريا، فقط لان إيران قررت أن تقدم هذا الشباب اللبناني وقودا لمعركة نصرة (أول وآخر الورثة في الجمهوريات العربية) السيد بشار الأسد. الشعارات المطلبية في الحركة المدنية الأخيرة، انصبت علي المطالبة باستقالة وزيرين، حدث انهما ينتميان إلي نفس اسم الأسرة ( المشنوق) محمد ونهاد، هما وزير البيئة ووزير الداخلية علي التوالي، وإذا علمنا أنهما اثنان من أربعة من الطائفة السنية الذين يشاركون في الوزارة الحالية، يعني ذلك، إن حدثت الاستقالة، أن يتقلص نصيب السنة، وهي الأكثرية المسلمة، إلي اثنين فقط، نعرف علي أي وجه تًحرك المطالب في الخفاء، وتتسلل فكرة الاقصاء من «بوابة النفايات». الملاحظة الأخري أن المطالب لم تذهب إلي أهمية انتخاب رئيس للجمهورية،وهو المطلب المنطقي، كي تكتمل المؤسسات اللبنانية وتستطيع أن تعمل، بل ذهبت المطالب الي الدعوة لانتخابات برلمانية ، بدلا من البرلمان الذي مدد لنفسه مرتين، علي طريقة الديمقراطية اللبنانية! يعني ذلك القفز علي الدستور اللبناني، واعتباره كأن لم يكن، رغم القول إن دوافع الحراك المدني هي دوافع وطنية مطلوبة ، فإن الناظر إلي نتائجها، إن تحققت، يراها تعنى أن هناك (انقلابا) يحضر له ضد توافقات (الطائف) وتغليب تحالف جديد للتحكم في لبنان قوامه (الاصفر) حزب الله والبرتقالي (تيار ميشيل عون)، حتي يستمر لبنان في البقاء في (الثلاجة الإيرانية). لماذا كل هذا الخراب في لبنان،واضح ان السبب هو من خارج لبنان،و ان حزب الله و حليفة (التيار العوني) ومن بعدهما ايران يرغبون في استخدام مرحلة السيولة العالية في النظام العربي واللبناني الحالي،من اجل ضبط ساعة لبنان علي دقات مصالح ايران وحزب الله، لان التدهور السريع في النظام السوري، وتبدل المواقف الدولية تجاهه، يمكن أن تؤدي إلي الاطاحة بنظام الاسد، الممر الالزامي للنفوذ الايراني إلي لبنان، ومن بعد تفلت لبنان من يد طهران! فلابد والامر كذلك أن تنظم الساحة اللبنانية للافادة منها لسنوات قادمة، وإن مر الوقت دون (تنظيم) تلك الساحة للمصالح الايرانية فإن ذلك بداية الخسارة للمشروع الايراني المتغلغل في الخاصرة العربية، فهو يخسر الآن في اليمن، وفي العراق وفي سوريا ، وبالتأكيد يمكن أن يخسر في بيروت. ما يحدث في لبنان هو ليس شأنا لبنانيا صرفا، وإن بدا كذلك، وهو ساحة حرب بين المشروع الايراني العابر للأوطان مع مناصريه، وبين المشروع العربي الذي يرفع شعار (بلاد العرب للعرب)، لبنان بسبب تركيبتها السياسية، يمكن أن تكون منصة إعلامية ومكانا للتدريب ،كما كان في كثير من الأوقات، لا ترغب طهران أن تخسر المنصة وساحة التدريب! من هنا فلا يجب التقليل من أهمية معركة الحراك الشعبي اللبناني، بل وأهمية تصحيح مساره وتخليصه من (التكاذب السياسي للسياسيين)، وعلي منظمي الحراك ان يظهروا الفاسدين من أي مكان جاءوا دون انتقائية، وما خضوعهم لمطلب حزب الله بإزالة صورة حسن نصر الله من قائمة (الفاسدين) إلا إشارة إلي أنهم غير قادرين في محاربة كل الفساد، وقابلون للتنازل ،فهل هناك فساد أعظم وأكبر من أن تلتحق جماعة وطنية بدولة اخري، جهارا نهارا، وتعترف بقبولها بالتمويل المادي وباستعدادها لإرسال شبابها إلي الحروب أينما اتجهت مصالح الدولة الراعية (ايران). لقد فاحت رائحة التدخل الايراني في كل من البحرين، التي تخوض حربا منخفضة القوة ضد الارهاب، وفي سوريا، حيث يتفاوض الايرانيون مع مقاتلي المعارضة جهارا ،كما تتدخل في اليمن الذي قال رئيسها عبدربه منصور هادي أخيرا في الخرطوم، إن بلاده تحارب التدخل الايراني هناك، فهي معركة واحدة تتعدد أشكالها، وقد تكون في مراحلها الإخيرة، فقط علي الحراك اللبناني الشعبي والشبابى العابر للطوائف أن يقول دون تردد إن التدخل الايراني، وموالاة ايران من أعظم المفاسد الوطنية، ان لم تكن هي كبيرة الكبائر. لمزيد من مقالات محمد الرميحي