تتسمر قدماك أثناء مرورك أمام محله الضيق بحوارى إمبابة.. يدهشك أنه معاق من ذوى المهارات الخاصة الذين اختاروا الكفاح طريقاً فى الحياة.. فهو يفرد أمامه بنطالاً من القماش وبقدمه اليمنى يقوم بكيه بمكواة عملاقة بسرعة ومهارة فائقة. سرعان ما تتبخر فكرة الإعاقة من ذهنك أمام عضلات ذراعيه المفتولة التى يكشف عنها زيه المميز الذى يقترب من زى الشخصيات الخرافية فى قصص ألف ليلة وليلة، بشعره الطويل المجعد، وقدميه الضخمتان اللتان لا تتناسبان إطلاقاً مع جسده المتناسق. ....................................................... تشجعك ابتسامته الحاضرة على وجهه البشوش لتقترب منه وتتجاذب معه أطراف الحديث لتكتشف أن رمضان صابر الشاب الذى يبلغ الثلاثين من العمر يسير عكس عقارب الزمن، فقد اختار مهنة اندثرت أوكادت من أرض مصر المحروسة.. رمضان يعمل «مكوجى رِجل». رغم صغر سنه يمارس هذه المهنة منذ 20 عاماً .. ولا يعرف أى شخص آخر يعمل بها سواء فى منطقته أو أى منطقة أخرى، ولم يرث عمله عن والده أو أى من أقاربه.. ولكنها وسيلته الوحيدة التى يعرفها لكسب الرزق . قدمه اعتادت على المهنة فلم تعد تؤلمه من الكى لساعات طويلة كل يوم، بل تشعر أنها تضخمت مع مرور الوقت لتتمكن من تحريك المكواة العملاقة التى يتراوح وزنها من 20 إلى 25 كيلو جراما.. ليصبح مقاس حذائه 48 لكنه لا يفضل استخدام الأحذية و يرتدى باستمرار «الشباشب». يقول رمضان: « من 20 سنة كنت بكوى الحتة يقصد قطعة الملابس ب 25 قرشا، و دلوقتى بقت ب 75 قرشا، يعنى فرق 50 قرشا فى العشرين سنة كلها.. أعمل إيه؟ الناس هنا مش هتقدر تدفع أكتر من كده ولو رحت منطقة تانية من اللى الناس بتدفع فيها 2 جنيه فى الحتة، محدش هيجيلى الناس بتودى هدومها تتكوى بالبخار فى المناطق دى ». عندما سألناه ولماذا لم تفكر فى تطوير نفسك وتكوى بالبخار؟.. ابتسم رمضان وأجاب: «فكرت .. ولكني بأرجع بسرعة عن الفكرة.. المسألة تعود وأنا خلاص اتعودت على المكواة الرجل ومعرفش أشتغل غيرها» . « مكواة الرِجل » مصنوعة من الحديد المخلوط بالزهر كما يوضح رمضان، ويوجد بالمحل الذى لا يزيد طوله على متر ونصف وعرضه متر مكوتان، إحداهما يكوى بها، والأخرى يقوم بتسخينها على موقد قديم شعلته متقدة باستمرار ومتصل بخرطوم قصير بأنبوبة غاز فى ركن المحل، وهكذا بالتبادل فدائماً ما توجد مكواة على الموقد والأخرى يكوى بها وهكذا بالتبادل . ويشرح رمضان: « المكواة بتسخن نص ساعة فى بداية اليوم، وبعد كده بتسخن فى 5 أو 10 دقايق، والتسخينة ممكن تعمل 3 حتت أو حتة واحدة، حسب حجمها، ودايماً بعد ما أشيل المكواة من على النار بأكوى الهدوم اللى قماشها تقيل، عشان الخفيف ممكن يتحرق » . ويضيف: « لو الحتة قماشها خفيف بحط عليها قماشة قطن وأرش عليها ميه من فمي علشان أطريها وتتفرد معايا على طول ». ولمكواة الرجل مقبضان من الخشب يتم تركيبهما أعلى المكواة.. أحدهما عند استخدام اليد فى الكي والآخر للقدم.. فإذا شعر بالإرهاق فى قدمه يستخدم يده وهكذا، ولكنه عند استخدام يده يلف عليها بإحكام شريط من القماش يغطى كف يده ومعصمه حتى الكوع، لتجنب الإصابة بالحروق والوقاية من الحرارة المرتفعة للمكواة وهى حرارة تشعر بها فى سخونة شريط القماش عند مصافحة رمضان. عادة ما يبدأ رمضان يومه عقب صلاة الظهر مباشرة، ولا يوجد ميعاد محدد لإغلاق المحل، فهو مستمر فى العمل لحين الانتهاء من كى كل الملابس بالمحل، ومثله مثل جميع الحرفيين لديه يوم إجازة فى الأسبوع وهو يوم الإثنين. يساعد رمضان فى المحل « فهد» الذى يبلغ من العمر 18 عاماً، ولكنه يستخدم مكواة كهربائية عادية لكى القمصان فقط، فإذا سألت رمضان «انت ما بتعرفش تكوى القمصان بالمكواة الرجل؟» تأخذه فوراً العزة بنفسه، ليجيب بسرعة وحسم « أعرف أكوى أى حاجة بالمكواة الرجل.. بس هى أرزاق وده رزق فهد».