رغم المخاطر والتحديات التى تواجه الريف المصرى برجاله ونسائه وأطفاله وشيوخه فى ظل الظروف الراهنة التى ترتبت على تطبيق سياسات الخصخصة والانفتاح الاقتصادى بلا ضوابط والخضوع المطلق لتعليمات المؤسسات المالية الدولية (الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية) والتى أدت إلى اتساع مساحات الفقر والافقار فى كل من الحضر والريف مما دفع ملايين الأسر إلى تشغيل أطفالهم فى شتى مجالات العمل اليومى الشاق وبأجور متدنية وبدون ضمانات حمائية أو تأمينية. ورغم أن المواثيق الدولية والقوانين المحلية حاولت فرض سياج من الحماية للأطفال ذكوراً وإناثا فإن الممارسات الفعلية اهدرت روح وقيمة النصوص القانونية ولذلك لا يزال المجتمع المصرى يزخر بالكثير من أشكال العدوان المجتمعى والذى يتمثل فى كم هائل من الانتهاكات الصارخة لحقوق الطفل المصرى تتجسد فى الاحمال الثقيلة الملقاة على عاتق هؤلاء الصغار بسبب القصور فى الرعاية الصحية وتبعات سوء التغذية وانتشار آفة الأمية خصوصاً بين الفتيات وبروز ما يسمى بظاهرة عمالة الأطفال التى تمثل بؤرة المأساة الاجتماعية والإنسانية التى يعانى من ويلاتها وتداعياتها المؤسفة قطاع كبير يتزايد يومياً من الأطفال الفقراء المنتشرين فى المدن والقرى على امتداد الريف المصرى شمالاً وجنوباً. ورغم بروز هذه المخاطر فإنها لا تزال غائبة أو مغيبة عن الإعلام المصرى مقروءاً ومسموعاً ومرئياً إذ تشير الدراسات والبحوث التى أجريت عن موقف وسائل الاتصال الجماهيرى من قضايا الريف المصرى إلى أن وسائل الإعلام لا تولى الريف بسكانه وهمومه وأزماته سوى اهتمام هامشى وعرضى فالمساحات التى تخصصها الصحف والأوقات التى يمنحها الإعلام المرئى والمسموع لمعالجة قضايا الريف المصرى محدودة للغاية ويغلب عليها الطابع الخبرى الموسمى الروتينى الخاضع لتوجهات القيادات السياسية ومراكز النفوذ الاقتصادى والاجتماعى. كشفت البحوث التى تناولت موقف الصحافة المصرية من قضايا المرأة والتنمية فى الريف المصرى عن الغياب شبه الكامل لقضايا وهموم المرأة الريفية إذ لم تتجاوز نسبة تناول قضاياها فى الصحف اليومية 2.3%، 9.5% فى المجلات الأسبوعية، 0.7% فى المجلات النسائية المتخصصة من إجمالى الاهتمام بقضايا المرأة المصرية فى حين استأثرت المرأة الحضرية بنسبة 29.1% من هذا الاهتمام. كما أكدت هذه الدراسات ضعف اهتمام الإعلام المسموع والمرئى بقضايا المرأة الريفية إذ لم يتجاوز النسبة العامة 8.4% من إجمالى الاهتمام بقضايا المرأة المصرية. رغم تعدد وتنوع مشكلات وهموم الغالبية العظمى من أطفال القرى خصوصاً هؤلاء المنتمين إلى الشرائح الفقيرة والذين اجبرتهم الأزمات الاقتصادية المتلاحقة على الارتماء فى سوق العمل فى سن مبكرة غير أن الإعلام المقروء والمرئى يتجاهل تماماً هذه المشكلات ويركز بصفة أساسية على المشكلات والقضايا السطحية والموسمية التى تخص أطفال الطبقة الوسطى من سكان المدن وان كان هناك استثناء وحيد فى هذا الصدد يتمثل فى قضية الختان ويرجع اهتمام الإعلام المصرى بهذه القضية إلى إثارتها على المستوى الرسمى وصدور قرار حكومى بشأنها. فقد اظهرت الدراسات الغياب شبه الكامل لقضايا الطفل فى القرية المصرية سواء فى الصحف القومية أو الحزبية أو الخاصة وكذلك فى وسائل الإعلام المرئى إلا فى حالات نادرة تتمثل فى بعض أشكال التغطية الصحفية التى تتم فى سياق زيارات بعض المسئولين الرسميين للمحافظات أو أنشطة المجلس القومى للطفولة والأمومة فى بعض المناطق الريفية، ولكن بصورة عامة تخلو الصحف المصرية من الحملات أو التحقيقات الصحفية التى تتناول المشكلات الناتجة عن عمالة الأطفال الفقراء فى الريف وحرمانهم من الرعاية الصحية والاجتماعية فضلاً عن المعاناة التى يلاقونها من مقاولى الأنفار وأصحاب الملكيات الزراعية والتى تتمثل فى تدنى الأجور وغياب الضمانات التأمينية وسوء المعاملة والحوادث التى يتعرضون لها أثناء العمل كذلك لم يقدم الإعلام المرئى أية معالجات جادة للأوضاع الاجتماعية والمعيشية لهؤلاء الأطفال سواء فى الريف أو الحضر فى مختلف البرامج الإخبارية أو المنوعات أو الدراما. اهتمت الدراسات بابراز العوامل التى تؤثر على موقف الإعلام المصرى من ظاهرة عمالة الأطفال سواء فى الريف أو الحضر، وقد أوضحت هذه البحوث أن حوالى 65% من القائمين بالاتصال فى الصحف والإعلام المسموع والمرئى يفتقرون إلى الوعى بقضايا الريف المصرى وليس لهم علاقة مباشرة أو اهتمام بالريف ومشاكله وأوضاعه الحقيقية والتحديات التى تواجه أهالى الريف ورغم أن أغلب الإعلاميين ينتمون إلى الريف فإن علاقتهم بأصولهم الريفية انقطعت وضعفت وأصبحوا يستقون معلوماتهم عن الريف من وسائل الإعلام أو الندوات والمؤتمرات القليلة التى يشاركون فيها. يعانى الإعلام الاقليمى من مشكلات عديدة تتركز فى ضعف التمويل وافتقار الكوادر الإعلامية إلى التأهيل وغلبة الطابع الرسمى أو الإعلانى إذ إن أغلب الصحف التى تصدر فى المحافظات تتميز بالطابع الرسمى الحكومى بحكم تبعيتها للمحافظين أو المعلنين. ولذلك لا تركز على قضايا ومشكلات الأهالى بل تمتلىء أعمدتها بأخبار وأنشطة الأجهزة الرسمية فى المحافظات وأصحاب النفوذ الاقتصادى والاجتماعى وتتجاهل الجموع العريضة من الفلاحين وصغار الموظفين والنساء والأطفال. كما يغلب على هذه الصحف طابع التقليد والتبعية لصحف العاصمة سواء فى المعالجات الإعلامية أو نوعية الموضوعات والقضايا والتى تدور أغلبها حول القضايا المثيرة والرياضية والدعاية للمعلنين والإشادة بإنجازات المحافظين وتغيب عن صفحاتها هموم الكادحين والبسطاء والفقراء فى الريف المصرى. أما الإعلام المرئى والمسموع فهناك اهتمام نسبى بقضايا الريف المصرى من جانب الإذاعات المحلية والقنوات التليفزيونية الاقليمية إلا أن هناك عدم انتماء لقيادات الإعلامية للريف وافتقار هذه القيادات للوعى والاهتمام بمشكلات الريف علاوة على ضعف الإمكانيات الفنية وقصور القدرات المهنية. وفى ضوء ما سبق تبرز مجموعة من الضرورات تتمثل فى:- ضرورة السعى لوضع استراتيجية قومية لتنمية الريف وتصحيح صورته الإعلامية واتاحة المجال لخلق منابر إعلامية إقليمية ترتبط عضوياً بمشكلات وهموم الأهالى وطموحاتهم وتمنحهم الفرصة للمشاركة فى تأسيس وإدارة هذه المنابر الإعلامية سواء كانت صحفا أو قنوات تليفزيونية أو إذاعات محلية. ضرورة التزام القيادات الإعلامية المصرية بمراعاة الوظيفة الاجتماعية والثقافية للإعلام من خلال الاسهام فى تشكيل الوعى الصحيح عن الواقع المجتمعى بكل ما يحويه من موروثات ثقافية وتحديات اجتماعية وطموحات إنسانية عادلة. ضرورة استمرار التواصل والتنسيق بين وسائل الإعلام من ناحية ومراكز البحوث الاجتماعية والجامعات وكافة الهيئات المعنية بقضايا الريف برجاله ونسائه وأطفاله. لمزيد من مقالات د. عواطف عبد الرحمن