تعودت في بداية كل عام دراسي وعلي مدي ما يزيد علي ربع قرن أن اكلف طلاب الدراسات العليا بإعداد سيرة ذاتية تشمل البيئة الأسرية والاجتماعية والثقافية التي تربوا وترعرعوا في ظلالها وتكشف عن اهتماماتهم الذاتية والعامة وطموحاتهم العلمية والعملية ومدي تأثرهم بقادة الفكر والثقافة المحلية والعالمية وعلاقتهم بوسائل الإعلام وكان كل طالب يقوم بإعداد السيرة الذاتية لأحد زملائه أو زميلاته كذلك كنت استهدف التعرف علي قدراتهم علي التعبير بأسلوب يتسم بالوضوح والصدق وكسر حاجز الخجل والخوف والتحفظ وقد اسفرت هذه التجربة عن عدة مؤشرات هامة ألخصها علي النحو التالي: أولا: أن أغلب المواليد في اوائل الثمانينيات تربوا وتلقوا تعليمهم في دول النفط مما كان له تأثيره السلبي علي تنشئتهم فهم يميلون الي العزلة والتحفظ ولم يدرسوا تاريخ مصر ولم يتعاملوا مع الثقافة المصرية أو الإعلام المصري. ثانيا: لوحظ أن سير الباحثين القادمين من الاقاليم والريف المصري يسودها التحفظ الشديد وعدم القدرة علي التعبير الواضح الصريح عن مكنوناتهم والعوامل الاجتماعية والثقافية التي أثرت فيهم ولذلك يغلب عليها الطابع العمومي السطحي غير المتعمق فضلا عن عدم قدرتهم علي تقييم حياتهم أو تحديد طموحاتهم بصورة موضوعية. ثالثا: أن أغلب الباحثين والباحثات تربوا في بيئة أسرية محافظة مغلقة وقد انعكس ذلك علي علاقاتهم الاجتماعية التي يسودها الحذر والتحفظ خصوصا مع الجنس الآخر, كذلك لوحظ أن الصداقة شبه نادرة بين الجنسين. رابعا: يغلب علي طموحاتهم الطابع العلمي والرغبة في تحقيق الشهرة والجاه وعدم الاهتمام بالقضايا العامة وانحصارهم في الحياة الشخصية والعلاقات الاسرية الضيقة. خامسا: التأثير السلبي للنظام التعليمي الذي لم يغرس في الاجيال الجديدة الرغبة في المعرفة بقدر ما غرس فيهم الرغبة في الحصول علي شهادات جامعية. سادسا: يفتقر الجميع الي وجود برامج تثقيفية (القراءة والاهتمام بمتابعة العروض السينمائية والمسرحية والندوات الثقافية) كما تتسم قراءاتهم بالعشوائية وعدم الاتساق. سابعا: تقتصر علاقتهم بوسائل الإعلام علي متابعة البرامج الرياضية والمنوعات في الإعلام المرئي والاطلاع غير المنتظم علي الصحف مع الاقتصار علي الصحف القومية وعدم التعامل مع الصحافة الحزبية ومقاطعة الإذاعة المسموعة والانغماس في برامج الانترنت خصوصا الدردشة وقليل منهم يتابع بعض أعمدة كبار الكتاب أو البرامج الإذاعية والتليفزيونية الجادة. ثامنا: تتسم طموحات معظم الباحثين بعدم التحديد وتدور حول الرغبة في تحقيق الثراء والنجاح الفردي علاوة علي عدم اهتمامهم بالقضايا العامة. تاسعا: يغلب علي صياغة السير الذاتية الطابع الانشائي البلاغي احيانا والطابع الصحفي احيانا أخري ويلاحظ وجود اخطاء املائية ونحوية بصورة ملفتة في بعض السير مما يدعو للانزعاج. عاشرا: برغم فقدان الوعي السياسي والخوف من الاقتراب من الأحزاب السياسية القائمة في الساحة إلا أن أغلبهم يدركون أن الخطر الحقيقي علي مستقبل المنطقة العربية يتمثل في الوجود الصهيوني والدور الأمريكي المساند لإسرائيل. لا شك أن هذه المؤشرات العامة تدعونا الي مزيد من العناية والاهتمام الجاد بضرورة التعرف علي العوامل والأسباب التي أنتجت اجيالا جديدة لا تفتقر الي الذكاء والقدرة علي الإبداع بقدر ما تحتاج الي تصحيح المسار تربويا وثقافيا واجتماعيا وانسانيا فلا مستقبل واعد للوطن في ظل تهميش صناع التغيير الحقيقيين وأعني بهم هؤلاء الشباب. د.عواطف عبدالرحمن