أنا لا أحب الكتابة فى السياسة.. ولا حتى التحدث فى السياسة.. عملا بنصيحة أمى: »مالكش دعوة بالسياسة يابنى.. المتغطى بيها عريان!« قالتها لى أمى أول مرة وأنا أدخل بأقدام وجلة وأنفاس مترددة مبنى الأهرام القديم فى شارع مظلوم قبل أكثر من نصف قرن لأنضم لأول فريق من أوائل الشباب الصحفى الجامعى.. باتفاق بين د. خليل صابات أستاذ الصحافة والأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام أيامها.. لتجديد شباب الأهرام الصحفى!
وانشغلت طول عمرى بهموم وآلام وآمال وأوهام وطموحات وشطحات الانسان المصرى المصلوب طول النهار تحت شمس الظهيرة يزرع.. يقلع.. يجوع.. يشبع.. يحزن كثيرا ويفرح قليلا.. الهم زاده والصبر زواده.. ولكنه لم ينس أبدا أنه طول عمره صانع حضارة.. فهذا هو قدره.. فعمره الحضارى كما هو مكتوب فى شهادة ميلاده يزيد على خمسة آلاف سنة حضارة وانتصارات وانكسارات.. قدم خلالها للبشرية كلها.. منذ فجر الخليقة كل زادها وزوادها ورصيدها فى بنك الحضارة.. من علم وفن وأدب ونور وتنوير وتعمير ورقص وغناء.. ودين ودنيا.. بوصفه أول من علم الدنيا ما لم تعلم. ولكم قاسى الانسان المصرى طول تاريخه من ظلم حكام جلسوا على عرش مصر غصبا وقهرا.. ولكنه قهرهم وتغلب عليهم واحدا بعد واحد.. بصبر ولا صبر أيوب.. وبمكر ولا مكر معاوية بن أبى سفيان.. وبدهاء ولا دهاء داهية العرب عمرو بن العاص الذى فتح مصر بلعبة مكر ودهاء.. عندما أخر فتح رسالة خليفة المسلمين الخليفة عمر بن الخطاب وهو يتوجس خيفة مما فيها وهو يقود جيوش المسلمين لدخول مصر حتى يجتاز خط الحدود والرسالة كانت تقول: «إذا أنت لم تدخل حدود مصر عندما تصلك رسالتى هذه.. عد بجيوشك من حيث أتيت ولا تدخل مصر!» وهكذا كان قدر مصر أن تكون على موعد مع التحرير والتنوير.. على موعد مع الاسلام.. بلعبة دهاء من أمكر قائد عربى عرفه التاريخ اسمه عمرو بن العاص. .................... .................... ولكن حيزبونا سمراء.. وآسف لهذه الكلمة اسمها كونداليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا أيامها.. جاءت الينا وقدمت مشروعها الهامايونى الذى اسمه «الربيع العربى» لتقسيم وتقطيع أواصل الدول العربية تمهيدا لاحياء مشروع «سايكس بيكو» من جديد وكان لها ما أرادت.. تمزق العالم العربى شر ممزق والدول العربية تقطعت أوصالها.. سورياوالعراق كانت هنا ايها السادة على الخريطة.. هنا كانت سوريا وكانت هنا العراق.. ولكن أين هما الآن؟ وكانت هنا بلد جميل اسمه ليبيا يطل على البحر الأبيض أين هو الآن رحمة الله عليه بعد أن تمزق شر ممزق. وأطلت رأس الأفعى التى اسمها داعش لتجد لها مقرا ومستقرا على حدودنا الغربية فى ليبيا.. وفى شمال العراقوسوريا.. والذى يحزن ويبكى ويدمى القلب ويمزق الوجدان.. ما تصنعه هذه الأفعى الرقطاء التى اسمها داعش فى سوريا من تمزيق وتكسير ونسف وسبى نساء واغتصاب فتيات وقتل شباب فى عمر الزهور.. وبيع حريم العرب فى سوق الرقيق. هذا هو حصاد الربيع العربى.. الذى نجنى الآن أشواكه. وأدرانه.. أتراحه.. لا أفراحه.. سواد ليله.. لا اشراقة صباحه.. حتى مصر غرقت فى بحر متلاطم الأمواج.. حتى أوشكت على الغرق.. لولا أن هبت عليها رياح ثورة يناير الفتية وثورة 30 يونيو العطرة الندية النقية العفية.. فأفاقت وانتفضت وقالت للدنيا كلها: نحن هنا. .................. .................. ولكن الذى أعادنى كرها وغصبا إلى حديث السياسة.. ما قاله الزميل العزيز جهاد الخازن فى زاويته اليومية: عيون وآذان فى جريدة الحياة اللندنية.. وهو كلام حقا جد خطير.. وعلينا كلنا كعرب أن نتوقف عنده لا للتأمل والمشاهدة.. بل للبحث عن حل.. لأن القضية كلها تتعلق بفلسطين هل حقا ضاعت إلى الأبد.. أم انها فى طريقها للضياع.. أم انه مازال فى الأجل بقية؟ إيه الحكاية؟ يقول جهاد الخازن بالحرف الواحد فى عدد الأحد الماضى: كنت على سفر وسمعت أن الرئيس محمود عباس استقال فوجئت واتصلت بالرئيس وقال إنه استقال من رئاسة اللجنة التنفيذية بعد أن وجد غالبية من الأعضاء يرون أن اللجنة فى حاجة إلى تعديل وتغيير وتبديل لتكون قادرة على مواجهة الأزمة المصيرية التى تعصف بالقضية الفلسطينية. قلت للرئيس الفلسطينى: إننى بت أخشى أن تكون اسرائيل، عبر واسطة قطر وتركيا، قد عقدت اتفاقا مع حماس، يجعل من قطاع غزة الدولة الفلسطينية التى يطالب بها العالم أجمع. فتستمر اسرائيل فى سرقة أراضى الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقتل والهدم والتشريد. رأى أبومازن أن اتفاقا نهائيا بين حماس واسرائيل لم يعقد بعد. رأىى الشخصى يقول جهاد الخازن أن القضية الفلسطينية أمام حياة أو موت، والمسئول مع حماس قطر وتركيا والوسيط تونى بلير الذى أرجو أن يحاكم يوما بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى غزو العراق. ما سمعت من مصادر فلسطينية وعربية هو أن اسرائيل وحماس تفاوضان على تهدئة تستمر من عشر سنوات إلى 15 سنة. وتفتح اسرائيل لحماس معبرا بحريا إلى الخارج وربما تقبل إعادة تشغيل مطار غزة، ثم تصبح اسرائيل تتعامل مع القطاع، وفيه 1.9مليون فلسطينى من أصل ستة ملايين، وكأنه الدولة الفلسطينية أو البديل لهذه الدولة. وجدت أبو مازن أقل اقتناعا بهذه المعلومات منى وهو يرى أنه لا اتفاق نهائيا بعد ولكن يقول إن المفاوضات مستمرة عبر الوسيط بلير وبتشجيع من قطر وتركيا وتمويل من قطر. عندى سبب إضافى للقلق على «القضية» فأبومازن حزم حقائبه منذ زمن، وهو مستعد لترك الرئاسة، بل يريد ذلك. فى مثل هذا الوضع لا أجد مخرجا إلا عبر سياسة مضادة تقودها مصر والمملكة العربية السعودية لحماية القضية الفلسطينية من الانهيار، إلا أن الارهاب الذى تتعرض له مصر يعوق انطلاقها لقيادة العمل السياسى العربى، فلا يبقى سوى الأمل، وهو لا يستند إلى أى واقع، بأن تجد الدول العربية القادرة والواعية مخرجا! انتهى كلام جهاد الخازن.. ما رأيكم دام فضلكم؟ هل انتهت القضية الفلسطينية عند هذا الحد؟ هل ضاعت فلسطين حقا إلى الأبد؟ أم انها مازالت فى طريقها للضياع؟ وهل ضاعت القدس والمسجد الاقصى الذى باركنا حوله.. وبيت لحم ومغارة العذراء ورضيعها المسيح عيسى ابن مريم.. ومعها مسجد الصخرة وقبور الأنبياء والرسل وحائط البراق.. هل أصبحت كلها أرضا اسرائيلية يمرح فيها المستوطنون ويبقى فيها عرب الضفة الغربية كغرباء فى وطنهم؟ ومن حقنا هنا أن نتساءل: هل راحت دماء شهداء حروبها الثلاث وثلاثة أرباعهم من مصر فى 1948 و1956 و1967 و1973 هباء منثورا..؟ واحزني يا كل أمهات الشهداء.. .................... ....................
وحديث فى الحب. إن لم نقله أوشك الصمت حولنا أن يقوله.. كما قالها جورج جرداق وغنت أم كلثوم.. لنترك حديث السياسة ودروبها الشائكة.. إلى حديث المواجع.. وما أكثرها.. ولعل أكبر وجيعة فى حياة الانسان اسمها: الحب وسنينه.. إيه الحكاية؟ انتم تسألون.. الجواب: لقد ظهر روميو جديد وهو ليس جديدا، ولكنه موديل هذا العصر التعس الذى نعيشه وطارت فيه طيور الحب والخير والسلام إلى شواشى الشجر! شاب من دمنهور أحب فتاة من نفس البلد، واتفقا على الزواج.. ولكن أهلها رفضوه لأنهم أغنياء ميسورو الحال، وهو يادوب حتة موظف صغير على حد قولهم.. وكما فعل شكسبير فى قصة روميو وجوليت.. فعل محمد وحبيبته التى ألقت بنفسها من نافذة مسكنها فى الدور الخامس عندما حاولوا أن يرغموها على قبول عريس جاهز.. لتلقى وجه ربها.. وعندما علم محمد بما جرى لمحبوبته.. ألقى بنفسه فى مياه النهر.. ليلحق بها فى الجنة! فى عالم أشد قساوة يمتلئ نهاره بالحقد والكراهية وليله بالبغضاء والحسد وكل ما فى قاموس اللغة العربية من ضرب وقتل وحرق وبغض وكراهية بلا حدود. يعنى الحب فى زمن الكراهية وسفك الدماء موجود ومازال حيا يرزق ولم يمت بعد.. لقد سألتنى مذيعة فى قناة فرنسية ناطقة بالعربية: لقد هزتنا مأساة هذين الحبيبين اللذين يذكرانا بمأساة روميو وجوليت لعبقرى المآسى الدرامية عبر التاريخ كله.. أقاطعها: تقصدين عمنا شكسبير؟ قالت: نعم ولكن لماذا يقف الأهل فى هذا الزمان أمام قلبين ذابا حبا وتبريحا؟ قلت: الولد يادوب موظف صغير لا يقدر على فتح بيت والصرف على عروسه وحبيبة قلبه. تقاطعنى: والبنت من أسرة ميسورة الحال ومن حقها أن تطمئن على مستقبل ابنتها؟ قلت: كل واحد على حدة علي حق ولكن الحب مظلوم هنا.. مظلوم! ....................... ....................... لو أن أمى رحمها الله مازالت على قيد الحياة.. وسمعت بمأساة الشابين الحبيبين.. لقالت جملتها التقليدية: يقطع الحب وسنينه يابنى {!