لاشك أن انتصار حماس وتشكيلها لحكومة وحدة وطنية يعد انتصار كبير للمقاومة ، ويمثل مكسباً كبيراً لقوى الصمود العربى ، ولقوى المقاومة العربية ، فقط يحتاج هذا الانتصار الى رعاية والى حفظ والى توجيه ، وكما يقولون دائماً فإن صديقك من صدقك لا مّن صدقك ومن هنا وجب التنبيه لتساؤلات مهمة وملتبسة يحملها المستقبل العربى والإسرائيلى لقادة حماس ، عليهم أن يجيبوا عليها أو على الأقل يعدوا من الآن اجاباتهم عليها ، لقد تحدثنا فى مقالنا السابق عن ثلاثة قضايا فجرها انتصار حماس الأولى أن اختيارها جاء باعتبارها حركة مقاومة وليس حركة مفاوضة ، وأنه رغم اختيارها ديمقراطياً الا انها لم تسلم من الابتزاز الإسرائيلى – الأمريكى وثالث القضايا هو أن انتصارها نقل الخوف الى قلب الكيان الصهيونى ، مما دفعه ومعه أمريكا إلى مزيد من الابتزاز ، ولكن هذا الابتزاز الأمريكى ، والهلع الإسرائيلى لا ينبغى أن يحولا دون طرح التخوفات والتساؤلات العربية المحبة لحماس الحريصة على مصيرها والتى يقف أصحابها داخل مربع المقاومة ويخشون على (حماس) أن تنجرف إلى لعبة السياسة والتسوية بمعانيها المبتذلة التى لم تنتج شيئاً على الأرض ؛ وكانت ثمارها فى مجملها مُرة ، كانت صفراً كبيراً خلال السنوات الثلاث الماضية على الأقل فمن اغتيال رئيس السلطة الداعية لهكذا تسوية بالسم ، ياسر عرفات ، الى اغتيال الرموز السياسية للمقاومة (وعلى رأسها الشيخ أحمد ياسين والرنتيسى) ، هذه النتائج لخيار ما يسمى بالسلام والذى من الجائز أن تتورط فيه حماس يطرح ان ثمة تساؤلات أساسية تساق فى هذا الصدد وهى تساؤلات تنتمى إلى المستقبل منها إلى الواقع ، أولها : هل ستعود حماس إلى العمل الاستشهادى ، أو العمل المقاوم المسلح فى حال استمرار اسرائيل فى ممارساتها العدوانية اليومية التى تطال الفصائل الآخرى بل وتطال البنية التحتية للشعب الفلسطينى فى الضفة وغزة وهى بنية من المفترض انها تهم حماس ، وكيف ستوفق بين قيود العمل السياسى للسلطة الفلسطينية المكبلة باتفاقات تسوية مذلة (الطريف أن أغلبها الآن من طرف واحد لأن الطرف الإسرائيلى أعلن تخليه عنها ولعل الانسحاب أحادى الجانب من غزة خير دليل على ذلك) ؛ والأكثر طرافة أن يظل محمود عباس طيلة خطابه فى افتتاح المجلس التشريعى الجديد يطالب حماس بالالتزام بهذه القيود والاتفاقات التى لم يلتزم الطرف الآخر بها !!) ، هل ستغلب حماس خيار (المقاومة) أم خيار (السلطة) فى مستقبل تعاملها مع إسرائيل ؟ وفى هذا السياق ثمة ملاحظة مهمة على تصاعد عمليات الاغتيال والإجرام الإسرائيلى ضد القوى الفلسطينية الآخرى (تحديداً الجهاد الإسلامى وكتائب شهداء الأقصى) ، دون أن تمس قوات الاحتلال أحد من حركة حماس ، فهل هو توافق ضمنى وعقد غير مكتوب بين الطرفين الإسرائيلى وحماس أم هو محاولة إسرائيلية خبيثة لزرع الفتنة بين حماس والقوى الأخرى التى تلتزم التهدئة ومع ذلك يتم تصفيتها بالتدريج وبإصرار وتخطيط مسبق ؟ ماذا ستفعل حماس تجاه هذا ، هل ستكتفى ببيانات الادانة والشجب من خلال مؤتمر صحفى لخالد مشعل من القاهرة أو لإسماعيل هنية من غزة، أو لأسامة حمدان من بيروت ، تماماً كما كانت تفعل قيادة حركة فتح إبان مرحلة حكمها السابقة؟ * وعن المستقبل أيضاً تثار تساؤلات حول قدرة حماس على توفير احتياجات الشعب الفلسطينى اليومية التى ستتفاقم مشكلاتها فى حال قطع المساعدات الغربية عنه ، وهو ما بدأت إسرائيل بالفعل تنفيذه قبل أيام .. هل ستحل إيران (كما صرحت قياداتها) هذه المشكلة المالية وهل ستستطيع حماس تحمل (الثمن السياسى) لهذا الدور الإيرانى الذى من المؤكد سيغضب عواصم التسوية السنية ، قبل أن يغضب واشنطن ودول أوروبا ؟ ألا تخشى حماس أن تُتهم بما سبق واتهمت هى به من قبل حركة الجهاد الإسلامى إبان عهد مؤسسها الشهيد الكبير المجاهد فتحى الشقاقى بأنها (حركة شيعية) ، تحمل مشروعاً سياسياً غير فلسطينى أو حتى غير عربى !! * وإذا ما تجاوزنا ذلك ، وتصورنا أن حماس – ولو مرحلياً – استطاعت التغلب عليه ، فهل ستستطيع التغلب على تناقضاتها الداخلية الناجمة عن تجميد سلاحها المقاوم لفترة طويلة فى ثلاجة السياسة وقيود الديمقراطية ، ومستلزمات الدور الجديد : دور الحراسة والكناسة – على حد قول أحد المحللين الفلسطينيين واصفاً الدور الجديد لحماس أنه سيكون وبالتدريج حراسة الحدود مع إسرائيل من العمليات الفدائية وكناسة الشوارع والقيام بالأعمال الادارية والبلدية، هل سيقبل الجيل المقاوم الذى تشكل وعيه على قيم الجهاد ، وصوت البندقية ، ودماء الشهداء بهكذا دور أم سينفصل أو سينشق أو على الأقل سيتسرب من بين أيديها ليذهب إلى الجهاد الإسلامى - باعتبارها - الأقرب عقائدياً وسياسياً إلى قناعاته ؟ أو سينشط ويذهب إلى ما بدأ يعرف الآن فى فلسطين بتنظيم القاعدة ، وفى هذا السياق من المهم الالتفاف الى ما ذكرته الإذاعة الإسرائيلية يوم 19/2/2006 ، نقلاً عن تصريح لكتائب عز الدين الدين القسام الجناح العسكرى لحركة حماس تنفى فيه ما روجته بعض وسائل الاعلام من أن قائدها محمد ضيف قد انشق عن الحركة وانضم الى تنظيم القاعدة !! * وأخيراً ماذا ستفعل حركة حماس مع محيطها العربى الرسمى ، بعد أن ينفض السامر العاطفى الذى واكب انتصارها ولازم جوالات رئيس مكتبها السياسى ؛ ماذا ستفعل وهذا المحيط كما هو معلوم ، محيط تسوية بالأساس ، مرتهنة حركته وإدارته بشرايين دورة دموية تبدأ فى واشنطن وتنتهى فى تل أبيب .. هل ستقبل الحركة فعلياً – كما أشار السيد عمرو موسى يوم 19/2/2006 – بالمبادرة العربية للسلام التى انطلقت فى بيروت قبل سنوات بما تتضمنه من اعتراف علنى صريح لا مراوغة لفظية فيه بإسرائيل فى حدود 1967 ؟ أم أن لدى حماس مشروعاً آخر وما هو تحديداً ، خاصة أنها لم تعلن عنه حتى هذه اللحظة ، ولا نحسب أن الكلمات المنمقة أو الارتجالية أو العامة تكفى لتغطية الواقع المؤلم للسياسة على الأرض . ****** * تلك التساؤلات وغيرها .. تنتظر (حركة حماس) ؛ وخاصة وأن انتصارها وتوليها الحكم بقدر ما مثل مأزقاً وصدمة للعدو الإسرائيلى ولحليفه الأمريكى – وهذا حق وحقيقة مؤكدة – بقدر ما مثل ، مأزقاً لها ولقياداتها ، ولكوادرها ، بل ولمحبيها من خارجها - ونحسب أنفسنا منهم ؛ مأزق يحتاج إلى حكمة وحنكة فى ادارة الأزمة التى وضعها هذا الانتصار فيها ، لا ينبغى أن نكتفى بالفرحة – وهى من حقنا بعد طوال بكاء – بل لابد من لحظات صمت ، وتأمل وعمل ؛ فإما أن تنتهز (حماس) هذه الفرصة لتبنى من خلالها نموذجاً لمجتمع المقاومة بكل تفاصيله البنيوية : داخلياً وخارجياً ، وإما أن يكون بداية لاحتوائها ، وتدميرها من خلال هذه الديمقراطية الأمريكية ، التى تغرق المنطقة بمطرها السام ، حتى ينشغل الجميع كلُ بديمقراطيته بعيداً ، ليس فحسب عن قضايا أمته بل حتى عن قضاياه هو الحقيقية : قضايا التحرير والاستقلال ، نتمنى لحماس الخيار الأول خيار مجتمع المقاومة لأنه ولاشك هو وحده الخيار الصحيح ، وإذا كان من حقنا أن ننصح ، فإننا ننصح قادة حماس فى الداخل الفلسطينى كما فى الخارج ، ألا يضيعوا وقتاً طويلاً فى أحابيل السياسة ، وأن ينصرفوا إلى مصدر قوتهم الرئيسى ليبدعوا فيه عملاً ، وفقهاً ، وانتاجاً ، ونقصد به : المقاومة ومجتمعها المنشود . والله أعلم. E – mail : yafafr @ hotmail . com