وستبقى رواية «اللص والكلاب « لنجيب محفوظ، صالحة لكل زمان تضيع فيه قيم العدالة الاجتماعية،والبحث عن أسباب الانحراف الذى يذهب فى طريقه أمثال»سعيد مهران» بطل الرواية الذى تحول إلى لص ، بعد أن خانه من توقع وفاءهم ، وتركه من توسم فيهم أماناً من كل شر وغدر! .. ان نجيب محفوظ - وهو إسم مُركب لنفس الطبيب الذى خرج على يديه إلى الحياة - لم يكن محايداً فى رواياته بين «لصوص» و» كلاب «كل العصور،فهو لم يعتبر كل لص ظالماً، ولا كل كلب وفياً ، بل جسد محاولات بعض اللصوص تحيزهم للمبادئ قبل إفشالهم بسبب من حولهم ،من هذه «الكلاب الإنسانية» التى تتسم بالغدروالخيانة بالمخالفة للكلاب الحيوانية التى لاتعرف غير الوفاء و الإخلاص لصاحبها ! عند محفوظ هناك من يحاول النضال من أجل الأفكار،لكنه يقع فى غير ذلك ، بسبب هؤلاء الذين يطلقون شعاراتهم - كما فعل الصحفى رءوف علوان المثل الأعلى ل سعيد مهران فى الرواية -حتى يحصلوا على الثروة والمكانة والسلطة، بالطرق الإنتهازية وبعدها يرمون كل الشعارات، وراء ظهورهم،ومعها هؤلاء الذين ساعدوهم فى بداية الطريق . بقيت روايات نجيب محفوظ صاحب نوبل فى الأدب الأكثر تناولاً بين أقرانه تحليلاً للواقعالمصرى بأبعاده الاجتماعية والنفسية عبر هذا «التناقض» فى الأقوال والأفعال ليقع أصحاب المبادئ الحالمة من صدمتهم ، فى وحل الواقع المرير، فيتحولون إلى أشرار،حاقدين على كل من حولهم فليس أصعب على المرء - مثلما حدث مع سعيد مهران- بعد أن يدخل إلى السجن بوشاية من زوجته «نبوية» أن يجد ابنته وهى لاتعرفه ،ثم يكتشف أن زوجته تزوجت بصديقه « عليش»، ويخذله «رؤوف علوان»، فى تقديم المساعدة له، فيقرر الإنتقام من الجميع، وعندما يحاول يقتل غيرهم خطئاً، يزداد نقمه على الجميع لأنه فشل حتى فى الوصول إلى الجناة الحقيقيين ، بينما أضاع أبرياء جدد !! لقد كشف محفوظ المولود فى حى الجمالية عام 1911 فى رواياته عن الحالة النفسية للمجتمع عبر التعمق في شخصياته الحية،التى إلتقى الكثير منها خاصة فى الأحياء الشعبية، وكان شاهداً على هذه الشخصيات التى ذاقتالحرمان والقهر راصداً للتحولات الصعبة التى يعيشها الإنسان المصرى وتداعياتها على نفسية الفرد خاصة الفقير، حتى بعد الثورات، وهو الأمر الذى لايبعد كثيراً عن الواقع الحالى. فالطبقة الفقيرة تزداد همومها وُربما من بينهامن يضطر إلى بيع القيم من أجل العيش! أما رواياته التى أخذها عن الحارة المصرية فقد جاءت تستكمل مناحى الواقع للمجتمع المصرى للعالم والإنسانية كلها عبر «الرمزية» رغم أن علاقته بالأدب بدأت عبر قراءته للعقاد وطه حسين وسلامة موسى وتوفيق الحكيم والشيخمصطفى عبد الرازق فكان مدرسة متفردة، فى واقع يغرق فى المحلية التى تستغرق فى كل الأفكار التى تمس الإنسانية، بتفاصيلها ،فى سلميتها وحربها، فى استقراراها وثوراتها . نعم ..اليوم كنا نحتاج إلى نجيب محفوظ الذى بدأ مقالاته وهو في التاسعة عشرة من عمره وأعاد كتابة التاريخ الفرعوني بشكل روائى، والذى عايش ثورة يوليو، ونكسة يونيو،وحرب إكتوبر، واستوعب التحولات الاجتماعيةوالسياسية وأثرها على نفسية المصريين فى كل هذه الأحداث ..والسؤال ماذا كان سيكتب محفوظ عن ثورتين جديدتين لانعرف حتى الآن أثرهما علينا،ولا من سيلعب الآن دور اللص، ولا من هم الكلاب !!