لم يعد خافيا على أحد أن ما تقوم به تركيا من عمليات عسكرية فى العراقوسوريا بحجة القضاء على تنظيم داعش وحزب العمال الكردستانى له أهداف سياسية أخرى بخلاف ما يردده المسئولون الأتراك يوميا عن دور بلادهم فى محاربة الإرهاب، فالمتابع للشأن التركي، وبخاصة التطورات التى أعقبت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. يدرك تماما أن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم فى تركيا والرئيس رجب طيب إردوغان، هما آخر من يتحدث عن محاربة الإرهاب. هذا الكلام ليس جديدا أو غريبا، فقد سبق أن عبر عنه صراحة صلاح الدين ديميرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطية التركى قبل بضعة أسابيع عندما قال إن العمليات التى تقوم بها القوات التركية خارج أراضيها فى العراقوسوريا تحت مسمى محاربة الإرهاب، والتى أثارت تحفظات أطراف عديدة، تم التخطيط لها من قبل حزب «العدالة والتنمية» الذى يسعى لإقحام تركيا فى صراع مسلح يساعده على ترسيخ أقدامه ليحكم تركيا منفردا، حتى وإن كان ذلك على حساب جر البلاد إلى حرب أهلية. فالحزب مر بعام عصيب هدد انفراده بالحكم، بعد النتائج المخيبة للآمال التى أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية، وفشل فيها حزب إردوغان فى الحصول على الأغلبية المطلقة التى تمكنه من تعديل الدستور بصورة تسمح له بتوسيع صلاحياته كرئيس للجمهورية، فكانت الحيلة هى تغيير دفة الأمور فى حكومته 360 درجة، لكى تتحول فجأة بين يوم وليلة إلى حكومة تحارب الإرهاب، بعد أن كانت عكس ذلك تماما، وبعد سنوات من أدوار غير بريئة فى المنطقة، مع انطلاق موجة الربيع العربى والتغيير، وما شهدته من أحداث دامية مأساوية فى عدة دول. ديميرطاش كان محقا كذلك عندما ذكر أن الحكومة التى تحكم البلاد حاليا ما هى إلا حكومة انتقالية، وبالتالى فليس من حقها أن تتخذ هذه الحكومة تلك القرارات المتعلقة بالعمليات العسكرية، وتدفع البلاد تدريجيا إلى حرب إقليمية وأهلية. وبدا غريبا أن تركيا التى كانت معبرا للمقاتلين الأجانب القادمين من أنحاء العالم إلى سورياوالعراق للانضمام إلى داعش، باتت بين يوم وليلة دولة تحارب داعش، والأغرب أنها فى الوقت نفسه تحارب الأكراد الذين يحاربون داعش ونجحوا فى وقف تقدمه فى أكثر من موضع، فهذه هى حرب طواحين الهواء التى يخوضها إردوغان ويقحم فيها تركيا سعيا وراء البقاء فى منصبه أطول وقت ممكن، وبقاء حزبه مهيمنا على مقاليد الأمور فى البلاد. ديميرطاش يؤكد أن العقل المدبر للعمليات العسكرية الجارية حاليا فى سورياوالعراق هو إردوغان شخصيا، والذى بات يعتبر نفسه هو وحزبه دولة بأكمله، لا يهمه سوى حماية حكومته وقصره الرئاسي، ولا يتردد فى سبيل تحقيق ذلك عن قمع المعارضين والصحفيين والشباب والحريات، وكل من فكر فى تقويض نظام حكمه هو وعائلته وحزبه ممن ساهموا فى الكشف عن فضائح فساده. يخوض أردوغان مغامرة خطيرة، بشن حرب، أو الادعاء بشن حرب ضد تنظيم ليس بغريب عنه، وهو من بين نتائج سياسة الفوضى الخلاقة التى نفذها إردوغان أو حاول تنفيذها فى المنطقة منذ سنوات، وحرب أخرى ضد قوى داخلية بدأت تحمل السلاح ضده، إضافة إلى الأكراد الذين ليس لديهم شيء يملكونه أو يخافون عليه، المهم أن تكون هناك حالة من الفوضي، ويا حبذا لو كانت حربا أهلية أو إقليمية، وأن يؤدى ذلك إلى استتباب الأمور له فى الداخل، بعد أن خابت مخططاته فى الخارج. وما يقال عن تركيا يقال أيضا عن قطر، ولكن مع الاختلاف فى بعض التفاصيل، والأنباء تؤكد ذلك، مثل تلك المعلومات التى أشارت إلى وصول طائرات تركية إلى مطار مصراتة فى ليبيا محملة بأسلحة وذخائر لصالح «فجر ليبيا»، فى توقيت غير بعيد عن معلومات أفادت أيضا بوصول طائرات قطرية محملة بالأسلحة والذخائر لصالح عمليات «فجر ليبيا» أيضا. وسبق لرئيس الوزراء الليبى المعترف به دوليا عبد الله الثنى أن أعلن أن حكومته ستوقف التعامل مع تركيا لأنها ترسل أسلحة إلى قوات عملية «فجر ليبيا» لكى يقتل الشعب الليبى بعضه البعض. وما تثيره تركيا من فوضى فى المنطقة أيضا ودورها فى دعم الإخوان لا يختلف كثيرا أيضا عن الدور القطرى فى هذا الصدد، وبخاصة بعد أن كشفت تسريبات موقع «ويكيليكس» عن أن وزير الخارجية السعودى الراحل سعود الفيصل كان قد أبدى قلقه منذ عام 2012 من دور ما يسمى ب»أكاديمية التغيير» التى تأسست فى لندن عام 2006 ولها مكتبان فى الدوحة وفيينا فى إعداد كوادر ما يسمى ب «الربيع العربي»، حيث وجه وقتها بضرورة توفير المعلومات اللازمة عن هذه الأكاديمية وخلفيات نشأتها وما تمارسه من أنشطة. واتضح بمرور الوقت حقيقة الدور التخريبى الذى نفذته كل هذه الجهات فى المنطقة، والذى لم تنج منه إلا مصر.