في مواجهة رياح التخبط العاتية التي ضربت أرجاء المحروسة وقضت في طريقها علي وحدة الصف والتماسك المجتمعي الفريد الذي تجلي في أروع صوره خلال ثورتنا المجيدة، وأخذت في طريقها ما تبقي من صبر لدي الطبقات الدنيا التي حرمت عقودا طويلة من أبسط حقوقها الإنسانية كالمأكل والملبس والمسكن، إضافة للحق في التعليم والحصول علي خدمة طبية لائقة تحمي الأسرة المصرية من الأمراض المزمنة التي أثقلت كاهلها وجعلتها تلهث وراء جرعة دواء مجانية في المستشفيات الحكومية التي تأن هي الأخرى وتعاني من تردي أحوال الأطباء ونقص الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة لتقديم خدمة آدمية تحفظ حق المريض في العلاج وتجنبه الإصابة بأمراض أخري أو الوقوع ضحية لأخطاء الأطباء! للأسف الشديد يجد المتسلقون والآكلون علي كل الموائد من هؤلاء الكادحين تربة خصبة وعجينة لينة يشكلونها كيفما شاءوا، فيخاطبونهم تارة باسم الدين - وهم منه براء-، وتارة أخري بلغة المال ليحصدوا أصواتهم البريئة ويعتلوا أرفع المناصب علي أكتافهم. فمن يحصل علي صوت أو توكيل نظير زجاجة زيت وكيلو سكر أو كيلو لحم يريد أن يزداد الفقير فقرا، ليتحكم فيه متى شاء وكيفما أراد. أعلم جيدا أن أي رب أسرة لا يجد قوت يومه يؤمن بمشروعية هذه الرشوة لأنه مثل الغريق الذي يتمسك بقشة لينجو ويطعم أبنائه، ولكن هل يقبل بأن يسد رمق أبنائه بلقمة ملطخة بدماء الشهداء الذين ضحوا بحياتهم ليحيا الوطن ويتطهر من فساده؟! كلما تجولت في الشارع وسمعت العامة يلعنون الثورة والثوار ويتمنون عودة مبارك وأذنابه أو يعلنون مبايعتهم لمرشحي الرئاسة المحسوبين علي النظام السابق، أشعر بألم عميق لنجاح الثورة المضادة في إقناع المواطن البسيط بفشل الثورة وبمسئوليتها عن تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فقد نجحت الثورة المضادة وفشل الثوار في توحيد الصف وانصرفوا عن تحقيق أهداف الثورة فانصرفت الطبقات الدنيا عنهم وذهبت للقوي الجديدة التي تتحكم في المشهد، عل أمل أن تنقذها من براثن الفقر والمرض! ولن أتحدث هنا عن الثوار، بل سأوجه حديثي لهذه الطبقات التي فقدت صبرها في الثورة وأطرح عليهم السؤال التالي: كيف طاوعتكم ضمائركم أن تشاركوا في إجهاض الثورة وإصابتها في مقتل حتي ولو ضلوا الثوار طريقهم، من أجل كثرة خبز أو كيلو لحم، وكيف ارتضيتم أن تصبحوا مجرد دمي في أيدي القوي الجديدة التي ظهرت علي السطح لتفوز بكل الغنائم رغم أنها لم تقدم أي تضحيات ؟! أخاطب فيكم ضمائركم وعقولكم وفراستكم التي طالما تميز بها الشعب المصري، قبل أن يفوت الأوان وتقدموا عرش مصر علي طبق من فضة لرئيس لا يمثل الثورة ولا مبادئها ويعيدنا إلي عصور الظلام الثقافي والجفاف الاقتصادي والحرمان الاجتماعي! مازلت أراهن علي شعبنا الحبيب وقدرته علي التمييز بين الصالح والطالح، مازلت أؤمن بأن عظمة شعبنا ستتجلي في أروع صورها في الانتخابات الرئاسية القادمة، وهي تقدم نموذجا فريدا لشعب يعي جيدا مصلحة وطنه ويقدمها علي مصالحه الشخصية، شعب تعلم من دروس الماضي وعبرته، شعب يريد أن يسطر صفحات جديدة مضيئة في تاريخه تمكن الثورة من الاكتمال وتحقق أهدافها العظيمة التي قامت من أجلها، شعب يرفض الرضوخ والاستكانة ،ويتوق للحرية المسئولة مهما تحمل من عناء. إيماني بقدرتنا علي التغلب علي العثرات التي تعترض طريقنا لا حدود له، لأننا سنظل نذكر شبابنا وتضحياتهم الغالية، ونقرأ لهم الفاتحة، ونعاهد أنفسنا بأننا لن نقبل بأن نبيع وطننا مهما كان الثمن، كل ما أتمناه أن نعمل عقولنا ونساند بعضنا البعض ونقف كالبنيان المرصوص في وجه كل من تسول له نفسه أن يسرق منا الوطن لتحقيق مأربه الشخصية، قبل أن ندلي بأصواتنا لأي مرشح علينا مراجعة قرارنا أكثر من مرة، وسؤال من نثق في أرائهم إن كنا لا نعلم، فلا نعطي صوتنا إلا لمن يستحق، ولا نسمح لأي أحد أن يلعب بنا أو يسيرنا ليفوز بالغنيمة ويضيع الوطن! ..الوطن أمانة في أعناقنا جميعا، فلنثبت للعالم أجمع أن الشعب المصري سيحافظ علي هذه الأمانة ولن يتحول لعواد ويبيع أرضه .... المزيد من مقالات علا حمدى