ضاقت بى السبل فلم أجد من أسترشد برأيه سواك، عسى أن تجد لى مخرجا من أزمتى وتساعدنى فى اتخاذ القرار السليم. فأنا فتاة فى مقتبل العمر، تخرجت فى كليتى. وتعرفت على أحد الشباب. وتبادلنا الإعجاب والحب، وأحسست أنه سيكون زوج المستقبل، وليس هناك من هو أنسب لى منه، وأراد أن يتقدم لأهلى طالبا يدى لكن أهله لم يوافقوا علىّ لعدم معرفتهم بي، ولم يصبه اليأس من أن ينال قبولهم لى، فظل يلح عليهم إلى أن لان جانبهم، وتقدموا لخطبتي، فكانت الصاعقة أن أسرتى هى التى رفضته هذه المرة. بسبب موقفهم السابق! واندلعت مشكلات عديدة بين الأسرتين، نتيجة العناد المتبادل، وأغلقنا هذا الموضوع من الناحية العائلية. لكن أحاديثنا معا لم تنقطع لفترة، ثم امتنعت عن الكلام معه بصعوبة بالغة، وفضلت أن يبحث كل منا عن حياته ومستقبله بعيدا عن الآخر، وأغلقت كل الأبواب والطرق التى يمكن أن ينفذ لى منها. ومرت فترة لم يعرف فيها كل منا عن الآخر شيئا، وتصادف خلالها ظهور صديقة لى من أيام الدراسة على الفيس بوك، بعد زواجها وانشغالها بحياتها الخاصة، حيث عاودت الدردشة معى عبر الإنترنت، ولم نتحدث هاتفيا، ولا مرة، ووجدنا فى هذه الدردشة وسيلة لكى تحكى كل واحدة للأخرى كل تفاصيل حياتها ومشكلاتها، وروت لى تفاصيل كثيرة عن زوجها، ووجدتنى أحكى لها قصتي، وما حدث معي، ثم أحيت داخلى الأمل فى أن يلتئم شملى مع حبيبى الذى فرقت الأيام بينى وبينه، وقالت لى إنها ترى أنه شاب «كويس جدا» فلقد استشفت من كلامى عنه أنه يحبني، فرددت عليها بأنه يصعب عليّ أن أتحدث معه من جديد، وبعدها بيوم واحد، أخبرتنى أنها روت لزوجها كل شيء عنه، وأنه يرى بالفعل أن ماحدث من فتاى يؤكد أنه يحبني، وهنا أحسست بأن شمس الأمل قد أشرقت فى حياتى بعد العذاب واليأس من أن تعود إلىّ ابتسامتى المفقودة، فطلبت منها أن يتدخل زوجها فى الموضوع ويكلمه على «الفيس بوك»، ويصاحبه، ويعرف أخباره، فردت عليّ بأن هذا هو ما حدث بالفعل، والأكثر من ذلك أنهما يتبادلان الحديث فى التليفون. وظللنا شهرين على هذه الحال، وصار زوج صديقتى هو همزة الوصل بينى أنا وفتاي، ثم قالت لى إنه طلب من زوجها أن يخبرنى بأنه يرغب فى الحديث معى هاتفيا، فرفضت بشدة، فسكتت ثم قالت لى إنه بدأ مشروعا وسوف يكمله خلال شهرين، وربما تتحسن الأمور بعدها، وعندئذ سيكون لكل حادث حديث.. وظللنا طوال تلك الفترة نتكلم معا، وأخبرتنى بكل تحركاته وتفاصيل حياته، والحقيقة أن المشاعر اختلطت لدى وقتها بكل ما فيها من فرحة وخوف وقلق وتوتر. وسألت نفسى كثيرا: ما الذى يمكن أن يحدث عندما يتقدم لى مرة أخري؟.. وهل سيوافق أهلى وأهله بعد كل ما جرى من قبل؟.. ولاحظت أن صديقتى قاسية فى حكمها عليّ، كما قالت لى بلسان زوجها، اننى «لست أصيلة» وإنه استغرب موقفى من فتاي. وعدم مساندتى له ضد أهلي!، وأنه أيضا قدم لى الكثير، فى حين لم أقدم له شيئا وبررت لها كل ما حدث بأننى ليس لى ذنب فيه، وأفضيت إليها بأسرار أحتفظ بها لنفسي، ومنها خوفى من أن أتأخر فى الانجاب بعد الزواج، أو ربما أكون عقيما حيث أعانى مشكلة صحية قد تعوق الانجاب، وأكدت لها أننى لم أخف عنه هذا السر، وأنه رد عليّ بأن ذلك لا يمثل له أى مشكلة، ولو تزوجنا ولم ننجب، سوف نكفل طفلا فأهم شيء عنده هو أن نتزوج، لأنه لا يتخيل نفسه مع زوجة غيري، بل لقد أكد لى أنه لن يتزوج أى فتاة أخرى إذا لم يرتبط بي. وفى سياق حديثنا قالت لى صديقتى إنها تزوجت عن حب، وحكت بعض المواقف التى تبين أهمية أن تتزوج الفتاة بمن تحبه، وأن الحياة الزوجية بالحب تفرق كثيرا عن الارتباط التقليدى فى كل شيء، ووجدتها تتكلم فى موضوعات خاصة لم أرغب فى الخوض فيها، فطلبت منها أن تغير مجرى الحديث، وفى ذلك الوقت كان المشروع الذى تحدث فتاى بشأنه قد اكتمل، ووجدته يبعث لى من حسابه الخاص على الفيس بوك، ولأول مرة، أنه سيتقدم لى بعد ستة أشهر، فوقتها سيكون المشروع قد نجح، وسوف تتحقق الأمنية التى طالما تمناها بأن يكون لنا مشروع خاص بنا، وطلب منى أن أقطع صلتى بصديقتى تماما عند هذا الحد، وأفهمنى أن زوجها «عزمه» فى بيته لكنه رفض «العزومة»، وكان ذلك سببا فى انقطاع صلتهما، وقال إننا سوف نتواصل بشكل مباشر من الآن بعيدا عنهما، فرفضت عرضه، وقلت له اننى أفضل وساطتهما بيننا. فربما ذلك أفضل لنا.. وظل كل منا متمسكا بموقفه، وانتظرت أن تدخل صاحبتى على «الفيس بوك» لمدة يومين، فلم تكتب لى شيئا، ثم بعثت لى برسالة تقول فيها إن فتاى طلب أن تقطع صلتها بي. ولم أرد على رسائل فتاي، عسى أن يعود إلى علاقته بزوج صديقتي.. ثم كانت الصدمة الكبرى فى الرسالة التى قال فيها إنه يريد أن يعترف لى بشيء مهم، ويريدنى أن أسامحه، أما هذا الشىء فهو أنه عمل حسابا على الفيس بوك، وظل يحدثنى طوال هذه الفترة على أنه صديقتي، وقد لجأ إلى «هذه اللعبة» «وهذا الفيلم» لكى يتأكد من مشاعرى نحوه، لأننى لم أكن أفصح عن مكنون حبى له، كما أنه كان يريد أن يتقصى اخباري، فلم يجد غير هذه الطريقة، بعد أن أغلقت كل الطرق عليه، ولك.. يا سيدي... أن تتخيل حجم الصدمة التى عشتها عندما عرفت أن كلامى طوال تلك المدة كان مع واحد، وليست واحدة... حيث إننى فضفضت بما فى نفسي، وبما لم يكن ممكنا أن أتكلم معه فيه، فكثيرا ما دار حوار داخلى بأن من سأرتبط به، هو وحده الذى سأفصح له عن مكنون حبي، فليس من حق أى أحد آخر أن يطلع على أسراري، ولا أتصور أن يعرف عنى شخص كل شيء فى عقلى وتفكيرى ومشاعرى ثم أتزوج غيره، نعم لن أسامح نفسى أبدا إذا حدث هذا، وسيبقى هناك دائما شرخ لا يمكن علاجه... هذا هو إحساسى بالضبط الذى ظللت محافظة عليه، إلى أن فعل هذا الشاب هذه الحيلة التى لم اتوقعها ابدا.. أيضا من بين ما صدمنى إحساسى بأن هناك شخصا آخر فى هذه اللعبة، ومبعث قلقى من ذلك أن صديقتى قالت لى من قبل إنه يريد رؤيتي، وقد قال لزوجها إنه لم يرنى من زمان، ثم رتبت معى موعدا لكى يراني، وأنا ذاهبة إلى العمل، وكنت وقتها أحادثها عن طريق «الفيس بوك» وكانت تقول لى إنه يتكلم مع زوجها فى التليفون، وكان واضحا أن هناك طرفا آخر فى هذه اللعبة، وعندما أباح لى بلعبته هذه، سألته عن الطرف الآخر الذى يدخل بيننا فى الدردشة عن طريق الإنترنت، نفى وجود أى أحد آخر، مؤكدا أن حساب «الفيس بوك» الذى رسم من خلاله هذه اللعبة لا يعرف أحد عنه شيئا، وأنه هو الذى أنشأه من معرفته السابقة باسم «حساب صديقتي» الذى أخبرته به من قبل! وبعدها قابلنى فى المواصلات، وحاول أن يمسك يدي، فأبعدتها عنه، وثرت عليه، وقلت له: كيف تجرؤ على أن تفعل ذلك معي، فاعتذر وأبدى ندما شديدا، وكنت حاسمة فى ردى عليه، إذ أكدت له أننى لن أتزوجه بعد كل ما بدر منه من كذب ولعب عيال، ومع ذلك استمر فى محاولاته لإقناعى بأن ما فعله من حكاية «لعبة الإنترنت» كان دافعه حبه الشديد لي، وعدم استطاعته الاستغناء عني، وأنه لن يجد من هى مثلي، ولو تزوج بأخري، فسوف يظلمها معه.. وأنه أيضا لو كان إنسانا سيئا لاستمر فى اللعبة التى مارسها طوال الفترة الماضية، مؤكدا أنه لم يكن يتوقع رد فعلى الغاضب، وكان يتصور أننى سأضحك على هذا المقلب الذى سيصبح مجرد ذكرى بعد زواجنا!. وربما تستغرب موقفي، وكيف انخدعت بهذه اللعبة منذ البداية، وهنا أوضح لك أنه كان يتكلم فعلا كأنه سيدة متزوجة، فأذكر أن من بين ما قاله لى فى أثناء الدردشة على «الفيس بوك» أنا حاعمل أكل للاولاد «وأنظف البيت» و «جوزى جاب لى ورق عنب حعمله» و «روحت عند أهل جوزى فى البلد».. وكل هذه الأحاديث التى لا تتم إلا بين النساء جعلتنى لا أشك لحظة واحدة فى أن من تكلمنى بنت.. ولقد تمادى فى كلامه الذى يؤكد ذلك بكلام من نوعية أنها تعيش مشكلات كثيرة مع أناس يريدون تطليقها من زوجها، ولذلك أغلقت التليفون نهائيا، وجعلت كل اتصالاتها بالآخرين عن طريق الإنترنت!، وعندما طلبت صورتها قالت لى إنها انتقبت، ولا يصح أن تضع صورتها على صفحتها على «الفيس بوك»!. ومازال هذا الشاب يطاردنى بعد أن كشف بنفسه الحيلة غير الأخلاقية التى لجأ إليها، ويرى أنه تعرض لظلم كبير فى حياته، وكافح كثيرا من أجل أن يجهز نفسه، ويدعو الله أن أكون من نصيبه، وأن أرفض من يتقدمون لخطبتى إلى أن يضطر أهلى للموافقة عليه، وأتذكر أيام دردشته باسم صديقتى أنه قال لى على لسانها «مادام أهلك رافضينه من الممكن أن تعقدى قرانك عليه» وتضعيهم أمام الأمر الواقع!.. وهكذا أجدنى فى حيرة من أمرى ماذا أفعل، خصوصا، وأن جميع من حولى يقولون عنه إنه «إنسان مش كويس» فى حين أننى أراه عكس ذلك لولا اخطاؤه المتكررة، وبالذات لعبته الأخيرة، فلقد جعلتنى أعيد النظر فى موقفى منه، وأخشى إن تزوجته ألا أعيش مطمئنة معه، ثم أعود وأقول إن حبه الجنونى لى هو الذى جعله يخطئ هذا الخطأ، لكنه بعد الزواج سوف يحافظ عليّ ويسعدنى بحبه الكبير الذى يكنه لي، فهل فعلا سوف تختفى اخطاؤه بعد الزواج؟ أم أنه سيظل على هذه الحال؟.. وكيف أتصرف فى الموقف برمته؟. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: من يبنى قصورا وهمية فى الخيال، يصحو على واقع مرير لا يجد فيه سوى السراب والوهم وخيبة الأمل، وللأسف الشديد فإنك وصلت الى هذه المرحلة من العجز فى تبيان ما هو واقع، وما هو خيال فى قصتك مع فتاك، فمنذ الخلاف بين الأسرتين عندما تقدم إليك راغبا فى الزواج منك، كان يتعين عليك وقد اتخذت قرارا بالابتعاد عنه، ألا تنجرفى الى طريقه مرة أخرى لأى سبب أو أى ذريعة، ولكنك ارتكبت خطأ فادحا بتصديق حكاية صديقتك، وحتى لو كانت هى بالفعل بشخصها وليس بالوهم الذى رسمه فتاك لها، ما كان ينبغى أن تفضى إليها بكل أسرارك عبر الإنترنت، ولتحسبت أن تلتقيها أولا، وتتبادلا الزيارات، ثم تستشيرينها فى أمور عامة، لا أن تروى لها أدق خصوصياتك، ثم ألم يساورك الشك فى أن الموضوع مجرد تسلية؟.. أيضا عندما حدثتك فى أمور زوجية وأصابك الخجل من الحديث فيها؟ ألم تسألى نفسك: لماذا كل هذه الجرأة فى الكلام؟.. وهل هناك فتاة أو سيدة متزوجة تتكلم فى الأمور الخاصة بين الزوجين بالشكل الذى حدثتك به «صديقتك الوهمية»؟ وبكل تأكيد فإن هناك أشياء غامضة فى قصتك مع هذا الشاب، بدءا من اعتراض أهله، ثم اعتراض أهلك، وهما الاعتراضان اللذان أشرت إليهما لماما، لكن دعينا نصل الى المحصلة النهائية لهما، وهى أنكما ابتعدتما عن بعض، وحاول كل منكما أن يشق طريقه فى الحياة بعيدا عن الآخر، الى أن ظهر مرة أخرى فتجددت العلاقات على النحو غير السوى الذى ذكرته، والحقيقة أن هذا الشخص مستهتر، ويريد أن يتسلى بك، ويحاول أن يلعب على وتر أنه يحبك، وأنك تحبينه، ومن الممكن أن تفرحى به، فهو يريد أن يخضعك له بأى ثمن، لدرجة أنه استخدم لعبة تمثيل دور صديقتك لاقناعك بالزواج منه دون رغبة أهلك، ولما رفضت هذا الأسلوب الخاطئ لأنك بنت أصول وتلقيت تربية حسنة، ومن أسرة محافظة ومستقرة، كشف عن لعبته التى كان يدرك جيدا أنك سوف تكتشفينها من تلقاء نفسك بمرور الأيام، مدعيا أنه فعل ذلك لكى يتأكد من مشاعرك نحوه، وأنه لولا حبه لك ما صنع هذا الصنيع! إن الحب والزواج يجب بناؤه على أسس قوية، فالعلاقات عبر الإنترنت كذبة عابرة، يكون دافعها التسلية، وتكون النهاية فى الغالب غير سعيدة، لأنها بدأت بأسلوب خاطئ وهدفها النهائى غير سليم، ولقد شرع لنا الدين «الحب الحلال» الذى تكون بدايته خطبة فتاة طيبة لشاب دمث الخلق، ويريان بعضهما كما أحل الله، فإن شاء الله لهما الزواج بث فى قلبيهما القبول، وهكذا يجمعهما الحب الحقيقي. والرجل الشرقى لا يحبذ التواصل مع شريكة عمره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو أعلن ذلك جهارا، كما فعل فتاك، فالعلاقة الزوجية عن طريق هذه الوسيلة تشوبها حتما الريبة والشك والقلق، وسوف يخشى من أن تكررها مع رجل آخر، بل وربما يكون فيما بعد غير مطمئن لها فى تربية بناته مهما تكن أمينة ووفية، ولذلك ينبغى دائما التفريق بين الخيال الذى يعيشه المرء فى عالم الإنترنت، والحياة على أرض الواقع. وبناء على ذلك، فإن علاقتك بهذا الشاب محكوم عليها بالفشل، فلا تلتفتى إليه، واحذرى التعامل معه بأى شكل من الأشكال، ويمكنك أن تغيرى حسابك على «الفيس بوك»، وأيضا أرقام هواتفك، وتقطعى كل ما يتصل به من وسائل، وكونى جادة فلا تخضعى للأوهام، وحتى إن تكلمت معه فى أمور عامة على سبيل الدردشة عندما انتحل صفة صديقتك، وعليك أن تنتبهى إلى النتائج الكارثية التى قد تقعين فيها اذا واصلت انجرافك فى تياره السيئ.. فالحل القاطع هو أن تتخذى طريقا مغايرا لطريقه، وأن تنتظرى العريس المناسب لك، وسوف تلتقين به حين يأذن الله سبحانه وتعالي، ووقتها يجب عليك أن تتبعى الخطوات المتعارف عليها من التقدم لأهلك والاتفاق على التفاصيل المتعلقة بأمور الزواج، ويكون الطرفان على بينة من أمورهما فى كل شيء، وبذلك تتحقق شروط السعادة الزوجية، فهى نتاج قدرة تحمل الزوج والزوجة على تخطى العقبات التى يواجهانها فى حياتهما معا، فالارتباط من شخص على أمل تغيير صفاته المزعجة فيما بعد، وهم يقع فيه كثيرون من الناس، كما أن هذه السعادة تتحقق بالاحترام والثقة، وعدم السماح للأهل بالتدخل فى حياتهما بل تكون هناك مسافة مناسبة بينهما وبين الأهل بحيث يستفيدان منهم دروسا عامة تساعدهما على تخطى العقبات. وأرجو أن تكونى قد استوعبت الدرس، فتطوين صفحة الماضي، وتسطرين صفحة جديدة ملؤها الأمل والتفاؤل والثقة فى النفس، والإيمان بأن الله هو الهادى الى سواء السبيل.