مثل نسائم الربيع جاءت ذكرى العندليب عبدالحليم.. ولكنها هذه المرة جاءت على إستحياء شديد وسط العواصف التى تمر بها البلاد. رغم تلك العواصف التى تعكر نفوس ووجدان كل المصريين من ألاعيب الساسة ومدعيها تأتى دائماً صورة "حليم" وقسمات وجهه وكأنه أنهار الماء العذب فى صحراء أجواءنا الملتهبة. من جديد يعود بنا حليم إلى عصر الرومانسية التى كانت.. عصر العاشقين المحرومين من اللقاء لأن أب المعشوقة يمنعها من الخروج وحدها, أو أنها تطل على إبن الجيران الذى ينظر إلى الأرض إحتراماً وخجلاً وربما خوفاً من أبيه وأبيها. مع حليم عادت ذكريات النظرة الأولى وأحلام الوسادة الخالية التى لا تخلو من صورة محبوبة القلب والروح والنبض.. معه تدفقت أنفاس الولع والأنين.. فرحة اللقاء ورسم الكلمات فوق جذوع الشجر.. ووسط كل هذا ومعه أيضاً تندفع مشاعر الوطنية تشدو ألحان وكلمات الولع بالوطن الذى يحتوى الجميع فى "مصر" واحدة. لم يكن عبدالحليم مطرباً, عاشقاً, يتيماً للأم والأب فقط لكنه كان خريطة شعب إرتسمت فى خلجاته ملمح كل واحد من أبنائه.. كان حلماً لكل فتاة وونيساً لكل فتى.. كان ولداً لكل أب وإبناً حنوناً لكل أم مصرية. رسم بريشة صوته تاريخ بلاده بحلوه ومره.. أفراحه وأحزانه.. رومانسيته وثوريته.. إنتصاراته وانكساراته. انطلقت أوتار حنجرته لتعلو بدموعه وآلامه.. يتمه وأحلامه.. ليلاقى حبيبته التى فارقته موتاً والأخرى التى لم يعرف أحد من تكون.. تلك الأوتار وهذه الأنفاس جعلت منه فيضاً من الإحساس , وعبقرياً فى الذكاء.. يعرف كيف ومتى يحبو, ثم يقف ويمشى, ثم كيف يسرع الخطى التى لايسبقه بعدها أحد. عاش فى زمن مصر الجميلة بلا بلطجية ولا إنفلات.. لاصفقات ولامواءمات.. عاش زمن ثورة شعب الأخلاق لا إنعدامها.. بقى فى عالم الوجه الواحد وليس مع أصحاب المليون وجه.. رأى زمن الحلم الجميل والإنكسار الأكبر لكنه كان شاهداً على عودة لروح الوطن وفى يديه "السلاح صاحى". ماذا لو كان "حليم" بيننا الآن.. ماذا لو شاهد شعب مصر على طريقته الجديدة.. أو تطلع إلى تلك الوجوه العابثة, التائهة, الكارهة, الكاذبة.. ماذا لو لمح هذه الأشخاص التى لاتفى بوعد ولاعهد.. أو إكتشف غيرها ممن تلعب بمقدرات الوطن الذى طالما غنى له ومعه. حليم.. لوكان موجوداً لنظر إلينا من فوق برج وحدته وعزلته عن مصر الحالية التى لايعرفها, ولايريد أن يصدق أنها تلك التى تركها.. لو كان "حليم" معنا لأعرب عن ألمه من الإخوان و" قلم" خيرت الشاطر!! المزيد من مقالات حسين الزناتى