منذ سنوات شرع المجلس الأعلي للجامعات ووزارة التعليم العالي في إعداد قانون جديد لتنظيم الجامعات ليحل محل القانون الحالي الذي مر عليه40 عاما منذ تدشينه عام72من القرن الماضي, وعقدت ندوات ومناقشات وأخذت أراء ومقترحات عديدة في ذلك الشأن. , لكن شيئا لم يحدث, فلاهم غيروا القانون ولاحتي عدلوه الا في بعض الرتوش, وبعد أن استلمت حكومة الدكتور كمال الجنزوري المسئولية في ولايته الثانية شرع الدكتور حسين خالد وزير التعليم العالي في محاولة جديدة لتغيير ذلك القانون العتيق, فأرسل الوزير للجامعات يطلب مقترحاتها في هذا الشأن. الي هنا فإن الإمر لايعدو كونه اعادة للمحاولة, لكن الجديد فيها هذه المرة هو أن التغيير المزمع للقانون يأتي بعد قيام ثورة25 يناير.2011ومن المفترض أن يأخذ موض وع تغيير قانون تنظيم الجامعات بعد الثورة منحي مختلفا تماما عن تغييره قبلها, ذلك أن كثيرا من المفاهيم قد تغيرت ولم تعد علي حالها, فالتغيير المطلوب لم يعد يقتصر علي الشكل أو جدول المرتبات أو طريقه تعيين القيادات الجامعية فقط, وانما التغيير يجب أن يكون أعمق بكثير من ذلك, تغيير في فلسفة التعليم ذاتها, وفي الأهداف المبتغاة منه.. تغيير يجب أن يجيب علي عدة أسئلة تتعلق بالمنظومة الجامعية برمتها ومنها: ماهي فلسفة التعليم في مصر؟ وماهي العلاقة بين المجلس الأعلي للجامعات والجامعات ذاتها؟ وهل يبقي المجلس باختصاصاته الحالية أم يتم تغييرها بجعله مجلسا لسياسات الدولة في التعليم العالي دون أن تكون له أي هيمنة علي الجامعات من أي نوع؟ سؤال أيضا عن استقلال الجامعة وهل هو متحقق أو كيف يتحقق؟ هل نبقي علي طريقة تعيين أعضاء هيئة التدريس الحالية وأسلوب ترقيتهم أم نغيرها تغييرا جذريا لكي تتماشي مع النظم العالمية؟ هل من المناسب أن نبقي علي نظم التدريس الحالية( نظام الفصول الدراسية) أم ننتقل كليا الي نظام الساعات المعتمدة؟ هل نستمر في طرق وأساليب تقويم الطلاب الحالية أم نحل محلها نظما وأساليب حديثة؟ هل نستمر بجداول المرتبات الحالية بكل تعقيداتها أم نلجأ لنظم مالية أيسر بكثير, ويتبناها غيرنا منذ سنوات بنجاح مشهود؟.. والأهم والأخطر هو أن نسأل أنفسنا عن كيفية تطوير التعليم وموقفنا من المجانية استمرارا أو ترشيدا أو حتي إلغاء, وما الذي يجب علينا عمله مع مشكلة نقص تمويل التعليم والبحث العلمي؟ وكيف نضمن تعليما علي ذات المستوي للفقراء وغير القادرين اذا ألغيت المجانية؟ وماذا عن نظم القبول في الجامعة؟ هل نحرر تلك العلاقة بين الجامعة وطلابها الذين يرغبون في الالتحاق بها؟ أم نستمر مع مكتب التنسيق بنظامه الحالي؟ وكيف نضمن العدالة وتكافؤ الفرص في ذلك؟ وكيف نوازن بين المعروض القليل من مقاعد الدراسة الجامعية والطلب المتزايد عليها؟ هل نستمر في ازدواجية التعليم العام والخاص في الجامعة؟ أم نوحد القانون والنظم؟ هذه كلها أسئلة يجب أن تكون حاضرة اذا كنا نريد تغيير قانون تنظيم الجامعات تغييرا حقيقيا يتماشي مع روح العصر, وليس مجرد تغيير لبعض المواد التي لاتغير فلسفة أو منهجا, لكن تغييرا كهذا لايمكن انجازه في أيام, وانما الأمر يحتاج لشهور وربما سنوات لكي ننجز قانونا عصريا يصنع فرقا حقيقيا في منظومة التعليم العالي, وينطلق بالتعليم الجامعي المصري من أجواء القرن العشرين الي آفاق القرن الحادي والعشرين, وليس مجرد رتوش ينتهي أثرها بمجرد تغيير الوزارة. د. أحمد الجيوشي أستاذ بجامعة حلوان