إصلاح، هيكلة، تقنين، مفردات يعرفها مجتمع الإعلام منذ عقود، خاصة عند الحديث عن الإعلام الوطني، أما عند الحديث عن الإعلام الخاص، فتبرز مفردات، مثل التمويل، والتوجهات وطبيعة الدور ومن يقف وراء وسيلة إعلام ما ومن يقف وراء الأخرى . الحقيقة أن مثل هذا النوع من السجال ليس مقبولا استمراره بعد الدور شديد الأهمية الذى لعبه الإعلام خلال السنوات الأربع الماضية، وبعد أن تطلع مجتمع الإعلام إلى تغير نحو الأفضل مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد إدارة البلاد قبل نحو عام، واعتبر الجميع تقريبا أن هذه فرصة يصعب تكرارها لإصلاح حال الإعلام، بحيث يكون بالفعل إعلاما للشعب لا للإثارة والتفريق وصناعة أبطال من ورق. لكن لم يحدث شيء يؤكد تصويب المسار، وما زال الحال على ما هو عليه ما لم تكن هناك تراجعات والتفصيل قد يحمل توضيحا .. أولا: إعلام ماسبيرو المسموع والمرئي، ما زال ذكره مرتبطا ب 22 مليار جنيه ديونا، ونحو 35 ألف موظف غالبيتهم من الإداريين وأفراد بقطاع الأمن، وما شابه ذلك من المشكلات الإدارية، وهنا يقف إسهام الجميع ممن نصفهم بخبراء الإعلام، أى عند حدود التشخيص وإذا انبرى أحدهم فى تقديم حل يتحدث عن نموذج هيئة الإذاعة البريطانية، والحقيقة أن أحدا منهم لا يقدم نموذجا للحل يأخذ فى الاعتبار أحوال هذه الآلاف من العاملين الذين تقف وراءهم أضعافهم ممن يرتبط مصيرهم بالدخل القادم منهم. الأمر الثانى فى هذا السياق، أن أحدا لم يقدم حلا لمشكلة ماسبيرو تأخذ فى الاعتبار البيئة التشريعية الحاكمة له، ويطالبون الإعلام الوطنى بالمنافسة، على الرغم من عدم وجود بيئة تسمح بالإبداع، وعدم وجود مظلة حامية لحقوق العاملين فيه، حتى ماتت المشاريع الأربعة التى كانت مطروحة لإنشاء نقابة عامة للإعلاميين. الأمر الثالث أن ماسبيرو عامر بكفاءات إعلامية قادرة على إدارة دول من الإعلام، وآية هذا واضحة فى أن أبناء هذا الصرح هم من العقول الحقيقية التى تسير العمل بقنواتنا وإذاعاتنا الخاصة وبالقنوات والإذاعات العربية وغير العربية بالمنطقة، وهنا برز فريق يبسط الموضوع بأن الحل هو إعادة هؤلاء، لكن الحقيقة أنهم لو عادوا لما فعلوا شيئا، لأن المشكلة فى الإدارة وأسلوبها، ومن يقومون عليها، والبيئة التى يتم فيها العمل. على صعيد ماسبيرو أيضا، ليس من الحكمة ولا من مقتضيات الأمن القومى التقييم على أساس الربح والخسارة كما يسوق البعض، وآية هذا أنه عندما تم الأخذ بهذا المعيار خسرت مصر ما لا يقدر بثمن، خسرت جماهير عريضة بالمنطقة والعالم كانت تستطيع التأثير فيها، بفعل أنها لم تعد منبرا لصوت العرب، مسموعا ومرئيا، بالمعنى الحقيقي، ولم تعد منبرا تنطلق منه إذاعات موجهة كانت تبث يوما ب 45 لغة، فكان لنا جمهورنا فى الكونغو والصومال وغينيا وإسبانيا وإيطاليا، أما اليوم فنتحدث مع أنفسنا، ولأنفسنا. وهنا ننتقل إلى غابة الإعلام الخاص وحتما ، لا أحد يستطيع إنكار أن جميع القنوات الخاصة تقريبا، تخسر الملايين سنويا ، ورغم هذا تستمر، وأن هناك قنوات تعمل لحساب دول ، تروج سياساتها ، ولا تسوق إلا ما يتوافق مع توجهاتها، ومع هذا لا أحد يسأل عن السبب. وحتى الآن لا نجد صوتا يحاسب من أين بهذا المال، وفيم ينفق علنا، حتى تطمئن قلوب الجماهير. ولأن هذه أمور تدخل فى دائرة الظن، ومن الظن ما هو إثم ، دعونا نتساءل عن الطريقة التى يتم بها تنظيم العمل فى الإعلام الخاص ، وماذا يضمن حقوق العاملين لديهم ، وحال تسريح عاملين لديهم ، أية نقابة تتولى الدفاع عن الحقوق، ولمن يسمح له بالحصول على تردد إذاعي، هل لشخص أم لشركة، ولماذا يتاح الفضاء للقنوات المرئية أكثر مما هو بالنسبة للمسموعة، ولو أن هناك قانونا منظما، سؤالنا هنا عن وضوح المعايير لا أكثر، فى عصر جديد نحن بحاجة إلى معرفة من هو الإعلامى؟ الحقيقة أن دور الإعلام فى صناعة الوجدان وتحريك الرأى العام وصناعته لم يعد خافيا على أحد، ولم يعد دوره مقصورا على نقل الخبر، ومن ثم أصبح تنظيم البيئة الإعلامية فرض عين على كل من أراد للبلاد استقرارا، ولأمن مصر القومى أن يكون مصانا. ننتظر إذا من قيادتنا فى شأن الإعلام : أولا: وضوح رؤية بشأن من هو الإعلامى وهذا لا يتم إلا بنقابة عامة تنظم قواعد ممارسة المهنة، وتضع الخطوط الحمراء التى عندها يحاسب المخالف . ثانيا: ضبط إيقاع العلاقة بين الإعلامين الخاص والعام، بحيث لا يستخدم أحدهما الآخر، على غرار ما نرى كثيرا، ولا يتجنى أحدهما على الآخر، كما نرى بصناعة الإعلاميين وتدريبهم فى ماسبيرو ثم التقاطهم لدى القنوات الخاصة، ولو أن هذا من باب قواعد الاحتراف فلتكن لها قواعدها . ثالثا: إصلاح ماسبيرو كجزء من عملية إصلاح مؤسسات الدولة ككل، بمعنى أنه ليس خلقا، حتى يكون بمثابة الفريسة التى تستحق الانقضاض عليها، ولو أن إصلاحه يحتاج التسليم بأنه كان ساحة للمحسوبية والوساطة وكثير من أشكال الفساد، فإن هذا يعنى أن الجميع بمن فيهم قياداته هم جزء من هذه المنظومة، ومن ثم يصعب قبول أن جزءا من منظومة فساد يكون القائم بإصلاحها. رابعا: أن الإعلام ليس مجالا للتجريب، فعمل الإعلامى إما مسموع أو مرئى ومن ثم يسهل تقييمه، وهذا ببساطة، يعنى أن إقامة الامتحانات وعمل الاختبارات ليس سبيلا صحيحا لإعادة تقييم أبناء ماسبيرو، فمنتجهم مذاع أمام الأشهاد . خامسا: أن السنوات الأربع الأخيرة تعاقب على إدارة ماسبيرو بين إعلامى وصحفى وضابط جيش وأستاذ إعلام، ومع هذا لم يحدث ما هو مأمول، ومن ثم وجب التسليم أن الأمر لا يتوقف على شخص يدير وإنما هو بحاجة إلى منظومة متطورة وصناعة بيئة كاملة. وهنا لابد من الاعتراف بأن بين من تولوا أمر الإعلام من اتخذ خطوات نحو الإصلاح، ومنهم من لم تتح له الفرصة للإصلاح . أخيرا: الإعلام إبداع وعلم وإدارة ، وبدون هذه الثلاثية سوف يصعب كثيرا توقع الأفضل، بل سيبقى الحديث عن إصلاح الإعلام كالحديث عن الغول والعنقاء والخل الوفى . إعلامى مصرى لمزيد من مقالات ايمن عطية