فى نشوة غامرة، وفرح شعبى، وزخم اعلامى، ومشاركة عربية وافريقية واسعة رغم ضعف تمثيلها، بدأ الرئيس السودانى قبل أيام قليلة، فترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، بعد فوزه فى الإنتخابات التى جرت فى ابريل الماضى بنسبة تجاوزت 94%، وهى أول انتخابات بالبلاد بعد انفصال جنوب السودان عام 2011. أما النشوة التى عاشها البشيرخلال حفل تنصيبه، فمبعثه أمور عدة من بينها حضور رؤساء وقادة دول عربية مثل مصر وتشاد وجيبوتي والصومال وجزر القمر وكينيا وزيمبابوي، إضافة لرئيس الوزراء الإثيوبي، ونائب رئيس دولة جنوب السودان، حيث أنه لأول مرة يستطيع فيها تنظيم مثل هذا الاحتفال الضخم بهذه المشاركة لزعماء عرب وأفارقة رغم انتقادات لارتفاع تكاليف الاحتفال. لقد اجتاز البشير عنق الزجاجة بنجاته ونظامه مما أصاب أقرانه فى بعض الأنظمة العربية خلال السنوات الماضية من رياح وأعاصير الربيع عربى. كما اجتاز تداعيات وأثار انفصال جنوب السودان عام 2011. الذى أفقد بلاده نحو ثلث مساحتها وحوالى 75% من الثروة النفطية. ونجا اليشير، حتى الأن، من العاصفة الدولية ضده المتمثلة فى اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية بالتخطيط للإبادة الجماعية وغيرها من الفظائع أثناء حملته للقضاء على حركة تمرد في إقليم دارفور. بالرغم من نفيه القاطع لكل هذه الاتهامات. ومع نجاح الرئيس السودانى فى اجتياز كل هذه العقبات إلا أنه لا يزال أمامه طريق صعب وتحديات جسام على الصعيدين الخارجى والداخلى، وقد عبر عن رغبته فى مواصلة هذا النجاح وتحقيق المزيد من التقدم على الصعيدين. ففى كلمته عقب ادائه اليمين الدستورية فى المجلس الوطنى (البرلمان) بأم درمان قال البشير: "سيسعى السودان بإذن الله، وبقلب مفتوح، لاستكمال الحوار مع الدول الغربية حتى تعود العلاقات إلى وضعها الطبيعى...وذلك تأكيدا لسياستنا المعلنة فى ازالة كل العقبات، كسبا لصداقة الجميع شعوبا وحكومات". كما تعهد البشير بعهد جديديتطلع فيه إلى بناء مشاركة فاعلة ومنتجة مع كل الأشقاء العرب والجيران الأفارقة والأصدقاء فى كل أرجاء المعمورة، مشددا على ما شهدته الفترة الأخيرة من تطورات ايجابية فى علاقات السودان العربية، وهو يشير بذلك خصوصا إلى مشاركته ودعمه لعمليات التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية، وكذلك التطور الملحوظ فى العلاقات مع مصر، والتى تجلت فى مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى بنفسه فى حفل تنصيب البشير، وهو ما حظى بتقدير كبير من جانب النظام السودانى وترحيب شعبى كبير بهذه الخطوة التى يتمنى الشعبان أن تتبعها خطوات عمليه على صعيد التجارة والاستثمار والمشروعات المشتركة بين البلدين وأن تنافس مصر دولا أخرى سبقتها وقطعت أشواطا كبرى فى مجال الاستثمار فى السودان وخاصة الدول الخليجية، وذلك كفيل بأن يقطع الطريق على قوى اقليمية غير عربية وأخرى دولية تعمل على استغلال السودان للاضرار بالأمن القومى المصرى، مستغلة انصراف القيادة السياسة فى مصر منذ سنوات وربما عدة قرون، عن السودان، وعدم العمل على حل خلافات ومشكلات متراكمة. وعلى الصعيد الداخلى، يدرك البشير أنه لا يزال أمامه ملفات عدة تحتاج إلى تسوية وأنه لا يمكنه حلها منفردا دون مشاركة حقيقية وفاعلة من مختلف القوى والأحزاب السياسية المعارضة، ولذلك فقد دعا- فى حفل تنصيبه- الأحزاب المعارضة إلى الانضمام إلى "حوار وطني"،قال انه سيبدأ خلال أيام، مجددا عفوه الكامل عن "حملة السلاح الراغبين بصدق في العودة والمشاركة في الحوار". ولكن أخطر ما يواجه البشير فى فترته الرئاسية الجديدة، التى يكمل بها ثلاثين عاما فى الحكم، هو الاقتصاد المتردى والفقر والفساد، والذى يعتبره المواطن السودانى أخطر عليه من سلاح الجماعات المسلحة، قائلين إنهم لا يشككون فى رغبة البشير فى العمل على تحسين أوضاع الشعب ولكنهم لا يثقون كثيرا فى الذين يحيطون به والمقربين منه، وكلن ذلك قبل اعلان تشكيل الحكومة الجديدة التى تحتاج بالتأكيد إلى فترة ليست قليلة للحكم على أدائها وتنفيذها لوعود البشير وتعهداته. ولكن البطل الحقيقى الذى عبر بالسودان إلى بر الأمان من كل هذه الأمواج العاتية التى تلاطمت بالمنطقة، ليس البشيرأو وعوده وتعهداته، ولا حزبه "المؤتمر الوطنى" ولا حكوماته المتعاقبة، ولكنه الشعب السودانى الذى يبهر كل من يعرفه عن قرب بصبره، واصراره على التمسك بكل تلابيب الأمل رغم كل هذه السنوات العجاف.