يبدأ الرئيس السوداني عمر البشير الذي اعيد انتخابه في ابريل، اليوم ولاية جديدة من خمس سنوات تعتبر حاسمة لمستقبل هذا البلد الافريقي الشاسع والمتأرجح بين الوحدة والانقسام. ويشكل حفل التنصيب مناسبة لقياس درجة عزلة البشير الذي لا يزال يخضع لمذكرة توقيف اصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في منطقة دارفور غرب السودان التي تشهد حربا اهلية منذ 2003.
واعلن ظهر أمس الاربعاء عن مشاركة خمسة رؤساء دول افريقية فقط هم رئيس اريتريا اسياس افورقي الذي وصل الى الخرطوم ليليه نظراؤه الجيبوتي عمر غللة والتشادي ادريس ديبي والموريتاني محمد ولد عبد العزيز ورئيس وزراء اثيوبيا ميليس زيناوي.
وستمثل دول عدة من اليابان واسبانيا من خلال سفرائها وسيقتصر تمثيل الاتحاد الاوروبي على الحد الادنى بحسب بروكسل. ونددت منظمات دولية للدفاع عن حقوق الانسان بمشاركة ممثلين عن الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي في الحفل الذي دعت حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور الى مقاطعته.
واعلن المتحدث باسم الحركة احمد حسين ادم لوكالة "فرانس برس" عبر الهاتف من لندن ان "مشاركة ممثلين دوليين سيشكل اهانة لضحايا دارفور". وقال "ان ذلك سيشكل اهانة لكل الشعب السوداني لان البشير زور الانتخابات وهو مطلوب من القضاء الدولي". ويبدو ان المفاوضات بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة، الاكثر تسلحا في دارفور، مجمدة تماما بالرغم من توقيع اتفاق اطار بينهما في فبراير في قطر.
ويعقد استئناف القتال مساعي السلام في دارفور حيث خلفت المعارك منذ 2003 بحسب تقديرات الاممالمتحدة 300 الف قتيل و2,7 مليون نازح وبحسب ارقام الخرطوم عشرة آلاف قتيل.
وتشكل التعقيدات العرقية والثقافية والسياسية في السودان والسلام الغائب في دارفور وتطلع الجنوب الى الاستقلال، ابرز التحديات الظاهرة التي يتعين على الرئيس البشير التصدي لها.
ومن المقرر ان يختار مواطنو جنوب السودان في يناير 2011 بين البقاء ضمن دولة السودان او الانفصال عنها، عبر استفتاء نص عليه اتفاق السلام لسنة 2005 الذي انهى واحدة من اطول حروب افريقيا واشدها دموية بين شمال السودان وجنوبه.
ورغم ان الرئيس البشير اكد بعد انتخابه انه سيحترم ما يختاره الجنوبيون، فان ابرز قادة حزبه المؤتمر الوطني، يؤكدون انهم يرغبون في الحفاظ على وحدة السودان.
واكد احمد ابراهيم الطاهر بعد انتخابه الاثنين رئيسا للمجلس الوطني (البرلمان) السوداني ان اول مهمة للجمعية ستكون دعوة الجنوبيين الى المحافظة على وحدة السودان لان مصلحتهم تكمن فيها بينما الانفصال لن يجلب سوى الانقسام والحرب.
واشار الطاهر الى انه يتعين ايضا على المجلس ان يجد حلا للنزاع في دارفور مشيرا الى ان 'الاسلحة وعمليات القتل' لم تحقق المطالب الشعبية وانه يعود لممثلي الشعب اكمال مسيرة السلام. غير ان المعارضين الذين ينددون بتشنج النظام بعد الانتخابات خصوصا مع توقيف احد قياداتهم الزعيم الاسلامي حسن الترابي، يرون ان الجنوبيين لا يمكنهم الا ان يختاروا الانفصال. واعرب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جان بينغ الثلاثاء عن "قلقه" من هذا الاحتمال.
واضاف "لدينا شعور بانه اذا لم يتغير شيء فاننا نتوجه نحو استقلال جنوب السودان. انها مشكلة كبيرة لكل الدول الافريقية التي يمكن ان تواجه مواقف مشابهة وهذا مصدر قلق بالنسبة الينا". وحذر من ان "هذا القرار يمكن ان يؤدي الى صعوبات اخرى بما فيها الحرب".
ملتزمون بالاستفتاء وجدد الرئيس السوداني عمر البشير التزامه بتحقيق الاستفتاء في جنوب السودان في موعده، ودعا الى ترسيخ اسس الحكم الفيدرالي في السودان بوصفه الصيغة الامثل لحكم البلاد.
واغفل البشير في خطاب تنصيبه لدورة رئاسية جديدة ايراد اية اشارة الى مذكرة الاتهام الصادرة بحقه عن المحكمة الدولية او مطالبتها بتسليم اثنين من المواطنين السودانيين المطلوبين للمحكمة ذاتها.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد طالبت الاربعاء مجلس الأمن باتخاذ اجراء ضد السودان لعدم تطبيقه لمذكرة اعتقال ضد اثنين من مواطنيه مطلوبين للمثول أمامها، وهما أحمد هارون والي ولاية جنوب كردفان الحالي وزير الشؤون الانسانية السابق وعلي محمد عبد الرحمن الشهير ب"كوشيب".
ويواجه البشير نفسه مذكرة توقيف صادرة من المحكمة ذاتها في مارس/آذار 2009 على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور. "الانتماء الى المستقبل"
ستة محاور واشار البشير في خطابه الى ان برنامجه في السنوات الخمس القادمة ينطلق من مقولة "الانتماء الى المستقبل" داعيا الى عدم الالتفات الى الماضي الا اذا كان يصب في خدمة هذا المستقبل.
ووضع البشير ستة محاور رئيسة لبرنامجه القادم بشأن الوضع الداخلي توزعت على عناوين عامة مثل ترسيخ اسس الحكم الرشيد من تطور ديمقراطي وفيدرالية في الحكم وتأكيد الالتزام بإلاستفتاء واتفاقية السلام الشامل في الجنوب وتحقيق السلام في دارفور وتنمية الشرق واستدامة النماء في البلاد وتأسيس الوئام الاجتماعي بين مكونات الشعب السوداني.
وخصص البشير محورا سابعا للعلاقات الخارجية، تعهد في البدء بصفحة جديدة من العلاقات مع دول الجوار السوداني قائمة على التعاون ونبذ العنف، كما دعا الى تعزيز الحوار الموضوعي مع دول الغرب و"تنقية الاجواء وبث روح الامل".
اهتمام استثنائى بدارفور وفي الشأن الدارفوري وعد البشير بإيلاء الوضع في دارفور اهتماما استثنائيا وترسيخ سلطة المؤسسات المنتخبة و"بناء شراكة فعالة مع المجتمع الاهلي في دارفور على وفق خطة تستعيد الحياة فيه طبيعتها".
كما دعا ايضا الى توسيع الوجود الامني في دارفور بالتعاون مع القوات الاممية (اليوناميد)، والى اكمال اتفاق التسوية في الدوحة على وفق اسس المبادرة العربية الافريقية واتفاقية سلام ابوجا.
وحضر تنصيب البشير في مقر البرلمان اليوم عدد من الزعماء الأفارقة مع تمثيل عربي أقل مستوى ومشاركة أوروبية ضعيفة.
اذ يرى المراقبون ان هذه المناسبة وضعت الدبلوماسيين الاوربيين في وضع محرج، فهم يدعمون جهود المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في السودان ولكنهم يحرصون في الوقت نفسه على ادامة الحوار لتحقيق السلام في السودان وضمان اجراء الاستفتاء المرتقب في الجنوب بسلام وامان.
من الزعماء الافارقة من الدول المجاورة للسودان الذين حضروا حفل التنصيب الرئيس المالاوي بينجو وا موتاريكا الذي يتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي والرئيس الاريتري اسياس افورقي والتشادي ادريس دبي والجيبوتي إسماعيل عمر جيله ورئيس أفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزيه والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ورئيس الوزراء الاثيوبي ميليس زيناوي.