د. فتحي مرعي: ماذا يعني الانضباط بادئ ذي بدء؟ الانضباط يعني أن يؤدي الشخص ما ائتمن عليه بلا نقصان ولا تسويف.. منه أن يحترم الإنسان وعوده وعهوده ولا يتملص منها تحت أي ذريعة.. منه أن يؤدي الشخص عمله أو مهنته بإتقان, ويباشر مهنته باهتمام وبغير رعونة أو ضمير.. منه أن يحترم الإنسان مواعيده بلا تأخير.. منه أن يصدق الشخص في قوله وفي شهادته مهما تكن المغريات أو المثبطات.. كذلك ألا يتهرب من المسئولية إن كان موكولا إليه شيء, بل يتحمل المسئولية بشجاعة ولايلقي بها علي الآخرين.. ومن ذلك أن يؤدي الصلوات الخمس في مواقيتها, يؤديها بخشوع ولا يؤخرها إلي أو اخر أوقاتها بغير ضرورة, ويصوم رمضان راغبا غير كاره.. ويؤدي ما عليه من الزكاة ولا ينقصها أو يبخل بها.. ومن الإنضباط أن يضبط الإنسان لسانه فلا يتفوه بعبارات خارجة أو نابية أو جارحة وألا يرفع صوته مهددا ومتوعدا بمناسبة وبدون مناسبة.. من الانضباط ألا يؤجل المرء عمل اليوم إلي الغد.. بل يفرغ من العمل أولا بأول.. ومن الإنضباط ألا ينافق الشخص رئيسه في العمل بحق وبغير حق, حتي تكون له حظوة علي حساب الآخرين.. ومن الانضباط أن يترفع الإنسان عن الصغائر فلا يلج فيها لأنه إن ولج فيها فلن يخرج منها.. ومن الانضباط أيضا أن يوقر الإنسان الكبير وأن يعطف علي الصغير ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا( حديث شريف).. ومن الانضباط ألا يستقوي الإنسان علي الضعيف ويضعف أمام القوي.. ومنه أيضا ألا يسرف الإنسان في الأكل حتي تمتلئ معدته عن آخرها.. كذلك ألا نسرف في أي شيء حتي لو كان في العمل.. لأن الإسراف في العمل وحرمان النفس من الراحة أو الترويح عن النفس نتائجه قد تكون كارثية.. ومن أهم صور الانضباط الصبر.. فالصبر علي الابتلاء هو انضباط علي أعلي مستوي إذ يتقبل المؤمن ما يجريه الله عليه بلا تذمر أو تأفف.. فهو يعلم أو لابد أن يعلم بأنه موجود في الدنيا لكي يبتلي ويختبر, فإن صبر واحتسب مصابه عند ربه فقد نجح في الاختبار, وهذا يؤهله لدخول الجنة.. فلا يدخل الجنة إلا الصابرون, والملائكة تهنئ الداخلين إلي الجنه علي أنهم صبروا سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار( الرعد24) أما من تذمر وسب الدهر, فقد حرم نفسه من رحمة الله, ففي الحديث القدسي يقول ذو الجلال يؤذيني ابن آدم, يسب الدهر وأنا الدهر.. الانضباط خير كله, في كل صوره وفي كل مناسباته, للأفراد وللشعوب.. فالإنسان غير المنضبط لا فائدة منه لنفسه أو لغيره.. وهو شخص لا يوثق فيه ولا خير يرجي منه, في حين أن الإنسان المنضبط في أقواله وفي أفعاله وتصر فاته, فهو إنسان جدير بالثقة.. تقدم الشعوب يقاس بانضباطها وقيام الأفراد فيها بواجباتهم تجاه المجتمع, وقيام المجتمع بالواجب تجاه كل فرد فيها.. ولذلك تقل معدلات الجريمة بشكل لافت للنظر في المجتمعات المنضبطة مثل اليابان.. أما الشعوب التي لا تقدر الانضباط ولا تمارسه, فهي شعوب هالكة أو متهالكة, إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم( الرعد11) المهم أن يبدأ كل إنسان بنفسه, فيغير ما بها من التسيب إلي الانضباط, حتي يغير الله ما بنا..