عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم بسب الدهر, وأنا الدهر بيدي الأمر, أقلب الليل والنهار. بعض الناس إذا ألمت بهم مصيبة أو حرموا من أمر يظنونه خيرا, راحوا يسبون الزمان ويلعنون الظروف. وقد جاء هذا الحديث ليبين لهم ولمن يسلك مسلكهم أنهم لا يسبون الدهر والزمان, وإنما يسبون في الحقيقة الذي فعل هذه الأمور وقدرها, حتي وإن أضافوا الفعل إلي الدهر, فإن الدهر لا فعل له, وإنما الفاعل هو رب الدهر المعطي المانع, وأما الدهر فليس له من الأمر شيء, فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله, منقاد لأمره متذلل لتسخيره, فمسبتهم الدهر هي مسبة لله عز وجل, ولهذا كانت مؤذية للرب جل جلاله. وقد ذكر الحديث أن في سب الدهر أذية لله جل وعلا, ولا يلزم من الأذية الضرر, فقد يتأذي الإنسان بسماع القبيح أو مشاهدته أو الرائحة الكريهة مثلا, ولكنه لا يتضرر بذلك, ولله المثل الأعلي, ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن فقال تعالي: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا( الأحزاب:57), ونفي عن نفسه أن يضره شيء, فقال تعالي: إنهم لن يضروا الله شيئا( آل عمران:176), وقال في الحديث القدسي: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني. والدهر ليس من أسماء الله, وذلك لأن أسماءه سبحانه كلها حسني, أي بالغة في الحسن أكمله, فلابد أن تشتمل علي وصف ومعني هو أحسن ما يكون من الأوصاف والمعاني في دلالة هذه الكلمة, ولهذا لا يوجد في أسماء الله تعالي اسم جامد لا يدل علي معني, والدهر اسم جامد لا يحمل معني سوي أنه اسم للوقت والزمن. وفي النهي عن سب الدهر دعوة إلي اشتغال الإنسان بما يفيد ويجدي, والاهتمام بالأمور العملية, فلن يستفيد الإنسان إذا ظل يلعن الدهر ويسبه صباح مساء, ولن يرفع الألم والمعاناة التي يجدها, ولن يغير من الواقع شيئا, فلابد أن يبدأ التغيير من النفس وأن يشتغل بالعمل المثمر بدلا من أن تلقي التبعة واللوم علي الدهر والزمان الذي لا يملك من أمره شيئا.