انتصر البورصجية. وافق مجلس الوزراء على تأجيل فرض الضريبة على أرباحهم التى يحققونها فى البورصة. الشهادة لله مسالة تأجيل الضريبة لمدة سنتين جاءت مخيبة لآمالهم بعض الشيء. طموحاتهم كانت أعلى من ذلك. طموحاتهم كانت تستهدف إلغاء الضريبة أصلا. جندوا كل رجالهم فى أروقة صنع القرار وفى أجهزة الإعلام للمطالبة بإلغاء الضريبة وتأكيد انهيار البورصة الوشيك وهروب المستثمرين بسببها. حكومتنا مرهفة الحس. لا تقوى على كسر خاطر البورصجية. بل إنها تشعر بالذنب أصلا لأنها لم تشملهم منذ البداية فى مهرجان التخفيضات الضريبية الذى أقامته على مدى الشهرين الماضيين للأثرياء وكبار رجال الأعمال، من خلال قانون الاستثمار وقانون التعديلات على ضريبة الدخل. إلا أن الحكومة على الجانب الآخر تجد نفسها محرجة. فمن ناحية الموازنة العامة بها عجز وتحتاج إلى الإيرادات الضريبية. ومن ناحية أخرى هى تعلم أن الشعب يعلم أن الضريبة على أرباح التعامل فى البورصات أمر معمول به فى أعتى الدول الرأسمالية التى تطبق اقتصاديات السوق، والتى تمثل موطنا لكبرى البورصات العالمية، وأن معدل تلك الضريبة فى مصر والذى لا يتجاوز 10% يعد متواضعا بالمقارنة بمعدلاتها فى تلك الدول، وأن المستثمر الذى لا يدفع لنا الضريبة سيدفعها فى بلده. فى النهاية كان لابد للحكومة أن تختار، فحزمت أمرها واختارت تأجيل العمل بالضريبة لمدة عامين. التقارير المنشورة للبورصة تؤكد أن معدل الأرباح الرأسمالية الذى حققه المتعاملون خلال عام 2014 والربع الأول من عام 2015 يبلغ نحو 35% بالتمام والكمال. السادة البورصجية يحققون معدل ربح 35% على معاملاتهم ويرفضون دفع ضرائب عنها. السادة البورصجية الذين حققوا أرباحا طائلة من بيع أسهم شركة بسكو مصر ومستشفى كليوباترا ومستشفى القاهرة التخصصى وغيرها من مشروعاتنا الصناعية والخدمية ليستحوذ عليها المستثمرون الأجانب لن يدفعوا ضرائب. الحكومة استجابت لأوامر البورصجية. والمذهل أن نفس الحكومة تؤكد لنا أنها لن تضيف العلاوة الاجتماعية التى قد يحصل عليها الموظفون فى بداية يوليو إلى المرتب الأساسى وأنه سيتم إخضاعها للضرائب! طبعا لا نستطيع أن نناقش الحكومة فى حبها للأثرياء.. القلب وما يريد. ولكن من حقنا أن نسألها عن مدى التزامها بالإجراءات التى سبق أن أعلنتها لتخفيض عجز الموازنة خلال السنة المالية الحالية التى أوشكت على الانتهاء. لقد أخبرتنا الحكومة أنها تعتمد فى ذلك على أمرين أحدهما هو تخفيض دعم الطاقة، والثانى هو زيادة الإيرادات الضريبية. فأما عن تخفيض دعم الطاقة فقد نفذته الحكومة دون تردد، وشعرنا بأثره اللافح على المستوى العام للأسعار وعلى مستوى معيشة شرائح عديدة من المواطنين محدودى الدخل، وعلى رأسهم ملايين الفلاحين الذين ارتفعت عليهم تكاليف الانتاج من وقود وأسمدة ومبيدات. وأما الضريبة على الأرباح الرأسمالية فقد تراجعت الحكومة عنها. الحسم والحزم هو سمة القرارات التى يتحمل تكلفتها الفقراء، والتأنى والتردد ثم التراجع هو سمة القرارات التى تمس الأثرياء والطبقات القادرة. الحقيقة أن الحكومة قد دأبت طوال العام الماضى على التراجع عن كل القرارات التى سبق اتخاذها على طريق الاستجابة للمطالب التى رفعها الشعب فى يناير 2011. تراجعت عن تطبيق الضرائب التصاعدية، تراجعت عن تفعيل الزيادة فى أسعار الغاز الطبيعى على الصناعات الاحتكارية، تراجعت عن تطبيق الحد الأقصى للأجور على كل فئات العاملين فى الحكومة والقطاع العام، تراجعت عن تطبيق الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص، بل وشاركت بأجهزتها التنفيذية على مستوى المحافظات ووزارة الداخلية ووزارة الأوقاف فى حملة واسعة النطاق لانتزاع ملكيات صغار الفلاحين التى سبق أن آلت إليهم وسددوا ثمنها للدولة بموجب قوانين الإصلاح الزراعى فى كل من الفيوم والبحيرة والدقهلية والغربية والإسكندرية. المفترض أن تكون وزارة المالية قد انتهت من إعداد موازنة السنة المالية الجديدة. والمفترض أنها أخذت فى اعتبارها الإيرادات التى سيتم تحصيلها من الضريبة على الأرباح الرأسمالية. والسؤال الآن هو كيف سيتم تعويض هذا الانخفاض فى إيرادات الموازنة، خاصة أن الحكومة قد خفضت أصلا الحد الأقصى للضريبة على المشروعات والأغنياء من 25% إلى 22.5%، وقامت بإلغاء ضريبة ال 5% الإضافية على الدخول التى تزيد عن مليون جنيه سنويا؟ هل ستلجأ الحكومة إلى الاقتراض أم لتخفيض النفقات العامة. هل نتوقع مثلا تخفيض الإنفاق على شبكات المياه والصرف الصحى المهترئة أصلا؟ هل سيتم إلغاء العلاوة الاجتماعية للموظفين؟ هل سيتم التراجع عن وضع حد أدنى للمعاشات؟ هل نتوقع مزيدا من الإبطاء فى الوفاء بالاستحقاقات الدستورية فى الإنفاق على التعليم والصحة؟ هل سيتم رفع أسعار المنتجات البترولية؟ البيان المبدئى للموازنة العامة الجديدة كان يوضح أن الحكومة مازالت تراوح بين التركيز على ترشيد دعم الطاقة وبين الاتجاه إلى رفع أسعار المنتجات البترولية. فهل ستكتفى الحكومة الآن بالترشيد من خلال استخدام البطاقات الذكية فى توزيع البنزين واسطوانات البوتاجاز، أم ستلجأ لتعويض النقص فى الإيرادات الناتج عن تأجيل الضريبة على الأرباح الرأسمالية بتطبيق مرحلة جديدة من تخفيض دعم الطاقة، وبالتالى موجة جديدة من ارتفاع المستوى العام للأسعار والإطاحة بمستويات معيشة الفقراء والشريحة الدنيا للطبقة المتوسطة؟ كل البدائل تنذر بمزيد من التدهور فى الخدمات العامة وفى مستويات المعيشة، ليكون شعار المرحلة.. كلنا فداء للبورصجية!. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى