قام وزير المالية خلال الأسبوع الماضى بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون الضريبة على الأرباح الرأسمالية، إيذانا بتفعيل الضريبة على أرباح التعاملات فى البورصة والتى سبق إقرارها فى يوليو من العام الماضي، الفترة السابقة على إصدار اللائحة التنفيذية شهدت هجوما مكثفا من المضاربين وشركات الأوراق المالية على الحكومة لمحاولة إلغاء الضريبة أو حتى تأجيل تطبيقها، المسئولون عن البورصة والمحللون الماليون تباروا فى التحذير من مغبة تطبيق الضريبة التى ستتسبب فى هروب المستثمرين وقفل البورصة بالضبة والمفتاح، الانخفاضات المتوالية المثيرة للدهشة وغير المبررة فى مؤشر البورصة كانت تعكس شدة الضغوط المستخدمة على الحكومة من خلال التلويح بالانهيارات التى تنتظر البورصة إذا تم تفعيل الضريبة. طبعا موقف البورصجية مفهوم! وكيف لا وقد شاهدوا بأم أعينهم تنازل الحكومة عن إيرادات ضريبية ثمينة فى موجات متتابعة من الكرم الحاتمي، بدأت بقانون الاستثمار وثنت بتعديلات قانون الضرائب على الدخل التى تضمنت إلغاء ضريبة ال 5% الإضافية التى سبق فرضها على دخول المشروعات التى تزيد على مليون جنيه سنويا، وتخفيض الحد الأقصى للضريبة إلى 22.5%. فإّذ كان الكرم هو سمة الحكومة فى التعامل مع الأثرياء وكبار رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، فكيف بالله عليكم تكسر بخاطر المتعاملين فى البورصة؟ كيف لا تشملهم ضمن مهرجان التخفيضات والإعفاءات الضريبية؟ كيف لا تقوم بإلغاء الضريبة على أرباحهم أو على الأقل تأجيلها على حد طلب رئيس البورصة؟ طبعا من جانب المواطنين العاديين، الذين لا ينتمون إلى الفئة المحظوظة من الأثرياء وكبار رجال الأعمال، تتسع أعييننا من الدهشة ونحن نتابع مهرجان التخفيضات الضريبية فى الوقت الذى نسمع فيه الحكومة تشكو إلينا فقر حالها واضطرارها للاستدانة من الداخل والخارج لتغطية الفرق بين إيراداتها ومصروفاتها، نسمع وزير المالية وهو يعلن عن الإعداد لطرح سندات دولية فى الخارج نقترض بها الأموال حتى نسدد الديون المستحقة علينا لشركات البترول كى تعود للتنقيب والإنتاج وسد احتياجاتنا المتزايدة من الطاقة، نسمع نفس الوزير يشكو لنا من أن معدلات الضرائب إلى الناتج المحلى فى مصر لا تتجاوز 14%، فى حين أن المعدلات المتعارف عليها حتى فى الدول الفقيرة تصل إلى 23%، نندهش ولا نفهم كيف تقوم الحكومة رغم ذلك بتخفيض معدلات الضريبة والتضحية بالموارد اللازمة للإنفاق على الخدمات العامة التى تقدم للمواطنين فضلا عن الأمن والدفاع وسائر المهام والوظائف التى تقوم بها الدولة، نندهش كيف تضحى الدولة بتلك الإيرادات وهى التى اضطرت إلى «تقسيط» الوفاء بالاستحقاقات الدستورية للإنفاق على التعليم والصحة على مدى ثلاث سنوات لضيق ذات اليد. المواطن العادى الذى لا ينتمى للفئة المحظوظة من الأثرياء وكبار رجال الأعمال يتصور أنه طالما كان هناك نظام للضرائب على الدخول فإن هذا النظام يجب أن يشمل كل المواطنين وكل المؤسسات، كل موظف فى هذا البلد يدفع ضريبة تقتطع من المنبع قبل أن يتسلم راتبه. صحيح أن المهنيين من محامين ومحاسبين وأطباء وفنانين يبدعون فى إخفاء دخولهم الحقيقية وأن حصيلة ما يدفعونه تمثل أقل من 10% مما يدفعه العمال والموظفون، ولكن على الأقل تعلن الحكومة دائما عن سعيها الجاد لرفع كفاءة التحصيل ومواجهة حالات التهرب من تلك الفئات، صحيح أيضا أن تفعيل الضريبة على دخل الملكية العقارية مازال يتم على استحياء شديد إلا أنها على الأقل موجودة، لماذا إذن يتصور السادة المتعاملون فى البورصة أن على رأسهم ريشة، وأن ما يحصلون عليه من أرباح يجب ألا يخضع لأية ضرائب، هل يعقل مثلا عدم فرض ضرائب على أرباح صفقة الاستحواذ على شركة بسكو مصر رغم أن تلك الأرباح قد بلغت مئات الملايين من الجنيهات؟ السادة البورصجية يعلمون جيدا أن معدلات الضريبة على الأرباح الرأسمالية فى مصر والتى لا تتجاوز 10% تعتبر منخفضة للغاية مقارنة بمعدلات تلك الضريبة فى أعتى الدول الرأسمالية التى تطبق اقتصاديات السوق والتى تمثل موطنا لكبرى البورصات العالمية. فى هذه الدول يتم تطبيق ضريبة تصاعدية على الأرباح الرأسمالية للتعامل فى سوق الأوراق المالية. معدلات تلك الضريبة تتراوح بين 15% و 20% فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبين 18% و 28% فى انجلترا، وتصل إلى 30.5% فى ألمانيا و35% فى سويسرا و45% على أعلى شريحة للدخل فى فرنسا. أما القول بأن فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية للأوراق المالية يؤدى إلى هروب المستثمرين إلى بورصات الدول المجاورة التى لا تفرض مثل تلك الضرائب فهو قول عار تماما من الصحة لأن المستثمر الأجنبى سيدفع فى بلده فى كل الأحوال إذا لم يدفع لنا، والخزانة المصرية والشعب المصرى أولى بتلك الأموال، يكفى أن نذكر أنه طبقا لقانون الامتثال الأمريكى «فاتكا» سيدفع المصريون مزدوجو الجنسية ضرائب للخزانة الأمريكية عن أية دخول يحققونها من التعامل فى البورصة، وغيرها من المجالات، سواء فى مصر أوفى أى بلد فى العالم. فى نوبة شجاعة تمكنت الحكومة المصرية من الصمود فى معركة الضرائب على أرباح المتعاملين فى البورصة، ونحن نطالب الحكومة باستجماع أطراف شجاعتها وخوض المعركة أمام الأثرياء وكبار رجال الأعمال واستعادة حق الدولة وحق الشعب فى الإيرادات الضريبية التى سبق أن تنازلت عنها بموجب تعديلات قانون الدخل. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى