تشير تصريحات السيد وزير المالية إلى أنه يسعى إلى توسيع القاعدة الضريبية كوسيلة لزيادة الإيرادات العامة بدلا من اللجوء إلى رفع سعر الضريبة على الشرائح العليا للدخل. ويتم التأكيد فى هذا السياق على التركيز خلال المرحلة الحالية على تحصيل الضرائب على المهن غير التجارية ولا سيما كبار الفنانين والأطباء والمحامين والمحاسبين..الخ، فضلا عن دراسة تطبيق ضريبة على الأرباح الرأسمالية فى سوق الأوراق المالية. والواقع أن هذه ليست المرة الأولى التى تطرح فيها قضية الضريبة على الأرباح الرأسمالية، والتى تكاد تمثل قاسما مشتركا فى أغلب التصورات المطروحة على المستوى السياسى والأكاديمى لإصلاح النظام الضريبى المصرى. و قد حاولت الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية المحققة من التعامل فى سوق الأوراق المالية، وفى كل محاولة كان يتم التراجع سواء بفعل ضغوط شركات الأوراق المالية والمتعاملين فى البورصة، أو العجز عن تمرير تشريع فى هذا الشأن فى مجلس الشعب. فكلنا يذكر كيف قام مجلس الشورى إبان حكم الإخوان بإلغاء الضريبة المقترحة على التوزيعات النقدية وعمليات الاستحواذ والاندماج فى البورصة من قانون الضريبة على الدخل الصادر فى عام 2013. وفى تصورنا أن اقتراب موعد تطبيق قانون الامتثال الأمريكى يضيف بعدا جديدا يعزز فرض الضريبة على الأرباح الرأسمالية المحققة فى البورصة المصرية. فقانون الامتثال الضريبى للحسابات الخارجية هو قانون أصدرته الولاياتالمتحدةالأمريكية لتشديد الملاحقة لكل من يحمل الجنسية الأمريكية ضريبيا على ما يحققه من دخول فى أى دولة أخرى. و يعنى ذلك أن صناديق الاستثمار والأفراد الأمريكيين و المصريين مزدوجى الجنسية المتعاملين فى البورصة المصرية سيدفعون ضريبة فى كل الأحوال عن الأرباح الرأسمالية المحققة عن تعاملاتهم، ولا يوجد سبب منطقى للتبرع بتلك الضريبة للولايات المتحدة بدلا من الخزانة المصرية. قانون الامتثال يجبر المؤسسات المالية فى سائر دول العالم على إبلاغ مصلحة الضرائب الأمريكية بالحسابات الخاصة بالأفراد والشركات الأمريكية لديها وإلا تعرضت لعقوبة تتمثل فى اقتطاع 30% من أى حسابات وتحويلات لتلك المؤسسات المالية تتم عبر البنوك الأمريكية، فضلا عن إمكان وقف التعامل أصلا مع المؤسسات المالية (غير المتعاونة). المؤسسات المالية العربية منهمكة جميعها فى الاستعداد لتطبيق قانون الامتثال, و الحجة القديمة بأن فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية يضر بتنافسية البورصة المصرية أمام البورصات العربية الأخرى لم تعد قائمة، فالمتعامل الأمريكى فى أى بورصة عربية سيخضع للضريبة على أرباحه الرأسمالية سواء دفعها للخزانة الأمريكية أو لخزانة الدولة العربية المعنية. وهنا يجب تأكيد أمرين أولهما أنه عند تطبيق الضريبة على الأرباح الرأسمالية فإنها تسرى على جميع المتعاملين فى البورصة المصرية أيا كانت جنسياتهم ، أخذا فى الاعتبار أن مصر من أوائل الدول التى وقعت على الاتفاقية الدولية متعددة الأطراف لتحرير الخدمات المالية بما يعنيه ذلك من المساواة بين كل المتعاملين الأجانب وفقا لمبدأ الدولة الأولى بالرعاية، كما أن مصر قد التزمت فيما يتعلق بسوق الأوراق المالية بتطبيق مبدأ المساواة بين المستثمر المحلى والأجنبى وفقا لمبدأ الالتزام بالمعاملة الوطنية. إذن الضريبة ستسرى على الجميع. أما الأمر الثانى فيتمثل فى أن التطبيق الكفء للضريبة على الأرباح الرأسمالية يتطلب ضرورة إعادة النظر فى اتفاقيات الازدواج الضريبى التى وقعتها مصر مع العديد من دول العالم. هذه الاتفاقيات تنص بوجه عام على إعفاء استثمارت تلك الدول من الخضوع للضرائب عند خروجها من مصر مقابل معاملة المستثمرين المصريين فى تلك الدول بالمثل. وكلنا يذكر بمرارة شديدة كيف خرج الشريك الفرنسى بكامل أرباحه التى حققها من بيع حصته فى بنك الأهلى سوسييتيه جنرال دون أن يدفع مليما واحدا ضرائب عن الأرباح الضخمة التى حققها من استثماراته فى مصر, وكيف تكرر نفس الموقف عند بيع الشريك الفرنسى حصته فى بنك بى إن بى باريبا. فى المرتين خرجت الخزانة المصرية صفر اليدين بسبب اتفاقية الازدواج الضريبى الموقعة مع فرنسا. المعلومات المتوافرة تشير إلى أن عدد اتفاقيات الازدواج الضريبى التى وقعتها مصر ودخلت حيز التنفيذ مع دول العالم المختلفة تصل إلى نحو 60 اتفاقية، وتشمل بالطبع الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا وانجلترا وألمانيا فضلا عن الصين وماليزيا وغيرها. مرة أخرى الحجة المثارة بشأن اتفاقيات الازدواج الضريبى هى تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتوفير الضمانات للمستثمر الأجنبى بقدرته على الخروج بكامل أمواله وأرباحه، وأن جميع تلك الاتفاقيات تنص على مبدأ المعاملة بالمثل بحيث يفيد منها أى استثمارات مصرية فى تلك الدول وأن عددا من الشركات المصرية العاملة بالخارج أفادت منها بالفعل. وعلى الرغم من أن مبدأ المعاملة بالمثل يبدو براقا ويوحى بالندية، فإنه من المفهوم أن بنود كل اتفاقية تعتمد على قوة المفاوض ومدى قدرته على فرض شروطه، وأن الدول الكبرى هى الأكثر قدرة على إملاء شروطها، خاصة لو كانت هى الطرف المصدر للاستثمارات التى تسعى مصر لاجتذابها. لقد تمكنت دول الاتحاد الأوروبى فى مفاوضاتها مع مصلحة الضرائب الأمريكية بشأن تطبيق قانون الامتثال من اشتراط المعاملة بالمثل، بحيث تتم ملاحقة مواطنى وشركات دول الاتحاد الأوروبى ضريبيا عن دخولهم المحققة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، فهل نحن قادرون على فرض هذا الشرط؟ لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى