كانت "ليخنشتاين" تلك الإمارة الصغيرة التي لا تتعدي مساحتها 160 كيلو متراً وتقع بين سويسرا والنمسا. أحد الأسباب المهمة التي دفعت واشنطن لإصدار ما يُعرف بقانون الالتزام الضريبي الشهير باسم "الفاتكا" فقد استطاعت الحكومة الأمريكية الحصول علي معلومات ؤكد تهرب نحو 19 ألف أمريكي من الضرائب في ولاياتهم عن طريق الحسابات البنكية بإمارة ليخنشتاين "اللجنة الضريبية" التي يقصدها أصحاب الثروات من مختلف أنحاء العالم بسبب الإعفاءات الضريبية. والسرية المطلقة للحسابات البنكية التي يتمتع بها كبار رجال الأعمال علي أرضها. وربما كانت فضيحة التهرب الضريبي الشهيرة لمسئولين ومستثمرين ألمان في تلك الإمارة والتي كشفتها الحكومة الألمانية في عام 2008. وراء الحماس الأمريكي لإصدار قانون الفاتكا. وكانت ألمانيا قد دفعت نحو 5.4 مليون يورو لأحد العملاء بالإمارة في أكبر عملية تجسس اقتصادية لتسريب بيانات المتهربين الألمان وكان من بينهم رئيس البريد الألماني وتبعت هذه القضية تسريبات لأسماء رجال أعمال من العديد من الدول الأوروبية. وقد يكون نجاح واسنطن في استعادة نحو 780 مليون دولار من "ليخنشتاين" تعويضاً عن الأموال الأمريكية المهربة. وراء عزم واشنطن علي تطبيق قانونها الجديد علي جميع دول العالم وليس الإمارة الأوروبية فقط. وتهدف الإدارة الأمريكية إلي استعادة نحو 100 مليار دولار أمريكي تزعم تهريبها حول العالم. ورغم أن مصر قد رشدت كثيراً في فلسفة الإعفاءات الضريبية التي تمنحها للمستثمرين المحليين والأجانب خلال السنوات الأخيرة. إلا أنه مازالت هناك إعفاءات ضريبية كاملة علي الأرباح الرأسمالية المحققة من التعاملات في بورصة الأوراق المالية وصناديق الاستثمار وعلي التصرفات العقارية ونقل الملكية. وهو ما يشجع علي دخول الأجانب هذا المجال. وكانت تعاملات الأجانب خلالسنوات ما قبل الثورة تشكل نسبة معتبرة من التداول. ربما قلت النسبة في ظل الظروف السياسية الحالية لكنها مازالت تتراوح بين 15% و20% وتتسم هذه التعاملات بأنها قصيرة الأجل تدخل وتخرج دون قيود أو ضوابط ودونما فرض أي نسبة من الضرائب حتي لو كانت طفيفة. ففي كل مرة كانت تهم فيه الحكومة سواء قبل الثورة أو بعد الثورة بفرض ضريبة علي هذه الأرباح الرأسمالية وكانت تواجه بحملة معارضة من رجال الأعمال والمستثمرين الذين يرفعون شعار هروب الأجانب في وجه الحكومة فيتم التراجع علي الفور عن هذه الضريبة المطبقة في الكثير من دول العالم وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة التي يضربون بها المثل في حرية الاقتصاد. وعلي طريقة "علم وينفذ" تجد السلطات المالية المصرية نفسها الآن مطالبة بإبلاغ واشنطن موافقتها علي القانون لتقوم بعد أشهر معدودة بتحصيل ضريبة علي الأرباح الرأسمالية المحققة علي أرض مصر ومن أصول مصرية لصالح الخزانة الأمريكية بموجب قانون الفاتكا الذي يلزمنا بإبلاغ مصلحة الضرائب الأمريكية عن المستثمرين الأمريكيين الذين يزيد تعاملاتهم في السوق عن 50 ألف دولار سنوياً أو الذين يملكون حسابات مصرفية تتجاوز هذا المبلغ أو إذا رفض المستثمر الموافقة عن الإفصاح عن تعاملاته يتم استقطاع مبالغ مالية منه تسلم للأمريكان. القانن الأمريكي يدخل حيز النفاذ في يوليو المقبل ويكون علي المؤسسات المصرية بنوكاً وشركات وساطة مالية وتأمين وصناديق استثمار وغيرها أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ القانون الأمريكي بتكلفة مادية يتحملها المصريون المتعاملون مع هذه المؤسسات قبل الأمريكيين. السؤال الآن والذي يحتاج إجابة من حكومة الثورة لماذا لا يتم إعادة النظر في مسألة ضريبة الأرباح الرأسمالية في ظل قانون الفاتكا الأمريكي؟ ففي كل الأحوال سيدفع المستثمر الأمريكي الضريبة لخزانة بلاده. وسوف تتبع الدول الأوروبية نفس المسار الأمريكي. وإذا دفع المستثمر الأجنبي الضريبة للخزانة المصرية فسوف تستقطع من دخله في بلده بموجب اتفاقيات عدم الازدواج الضريبي الموقعة بين مصر وعدد كبير من دول العالم. يبقي المعارضون من كبار رجال الأعمال وأصحاب الثروات في مصر وهؤلاء يجب أن يضعوا في أعينهم "حصوة ملح".