معركة المالية وهيئة السكك الحديدية حول حجم مديونية الهيئة لبنك الاستثمار والتى تؤكد المالية أنها 23 مليار جنيه بينما لا تعترف الهيئة إلا بأربعة مليارات فقط ، كشفت عن حجم الكارثة التى تهدد الهيئة بالانهيار خاصة أن الإيرادات بالكامل مليارا جنيه تذهب لبند الأجور والبدلات والمكافآت للعاملين وباقى مصروفات التشغيل والصيانة وقطع الغيار والوقود تأتى من خزانة الدولة. الخبراء أكدوا أن الهيئة على حافة الانهيار بعد أن تسببت الحكومات المتعاقبة فى تخريبها بتحميلها تخفيضات وإعفاءات فى تذاكر الركوب بالمليارات سنويا وإجبارها على تحمل مشروعات فاشلة وخطوط ليس لها أى جدوى اقتصادية والإهمال الشديد فى الرقابة والمتابعة وترك أصولها من أراض ومحطات وخطوط دون تطوير وعرضة للنهب والسرقة لعشرات السنين معركة ساخنة دارت خلال الآونة الأخيرة حتى وصلت إلى المحاكم بين بنك الاستثمار القومى ووزارة المالية من جانب وبين هيئة السكك الحديدية من جانب آخر حول الديون الواجب سدادها فى الوقت الذى طالب فيه مسئولو بنك الاستثمار القومى بسداد الديون المستحقة على الهيئة لصالح البنك والبالغة قرابة 23 مليار جنيه. الأزمة الطاحنة التى تهدد هيئة السكك الحديدية التى يستخدمها حوالى 500 مليون راكب سنويا مهددة بالتوقف فى أى لحظة . كشف مصدر مسئول الأسباب الحقيقية وراء ما وصلت إليه حال الهيئة وبدأها بأن الهيئة منذ 50 عاما ونأخذ خيراتها دون أن نقدم لها شيئا فى إشارة إلى عدم قيام الدولة خلال الخمسين عاما الماضية بإضافة أى جديد على أصول الهيئة باستثناء ازدواج خط أسيوطأسوان ومازلنا نعمل بالوضع الذى كان قائما قبل 50 عاما رغم أن هذه الإمكانات وضعت لخدمة 16 مليون نسمة و الان أصبح عدد السكان 90 مليونا ولدينا عدد كبير من الجرارات والعربات وخطوط سكك حديدية بل ومحطات ومزلقانات انتهى عمرها الافتراضى وغير صالحة للاستخدام ، أما السبب الثانى التخفيضات والتصاريح المجانية والامتيازات لجهات كثيرة تتراوح بين 25 % إلى 75 % وتصل أحيانا إلى الإعفاء الكلى من قيمة التذكرة أى أن 60 % من الركاب يدفعون 5 % من الإيرادات المحققة لهيئة هى فى الأساس خاسرة وعلى الحكومة والكلام للمصدر إذا كانت جادة أما أن تحمل هذا الدعم أو التخفيض على وزارة المالية وبعدها تحاسب الهيئة على الخسائر أو أن تعتبر الهيئة جهة خدمية فلا تحاسبها على الخسائر ما دامت ستتحمل قيمة التخفيض وهو بالمليارات , أشار المصدر إلى وجود خسائر تحملتها الهيئة بسبب الظروف السياسية التى مرت بها البلاد منذ عام 2011 حتى الآن تقدرها بقرابة المليار جنيه نتيجة أعمال التخريب والسرقة والتوقف عن العمل ويجب أن تتحملهما المالية أضف إلى ما سبق عدم استيراد قطع غيار وغياب الجدية فى استغلال الأصول وتركها ليسرقها اللصوص والبلطجة . ونفس الأمر فى مشروع الأعمال التكميلية لمحطة سيدى جابر وكان العقد ينص على أن تنتهى الشركة من المشروع خلال 12 شهرا بتكلفة إجمالية 70 مليونا ولكن الشركة خالفت وأنهت المشروع فى 7 سنوات بتكلفة 225 مليونا فمن المسئول عن هذه الخسائر ولماذا تتحملها الهيئة وهى مخالفة للعقد ؟ وغيرها من مشروعات كانت بوابة لسرقة أموال الهيئة وتحميلها بالخسائر لصالح جهات وشركات حكومية أخرى . مسئولية الجميع من جانبه يقول المهندس سمير نوار مستشار وزير النقل للسكك الحديدية والذى تولى رئاسة الهيئة خلال العام 2014 أن السكك الحديدية فى الأهمية تأتى بعد نهر النيل فلا يمكننا الاستغناء عنها أو الحياة بدونها وعلى سبيل المثال عندما توقفت حركة القطارات لمدة ثلاثة أشهر عام 2013 أدى إلى حدوث شلل كامل فى البلاد , وأن المشاكل المتراكمة التى تعانى منها الهيئة منذ عشرات السنين تسببت فيها حكومات ووزارات وجهات مختلفة وأصبحت الهيئة رجل الاقتصاد الذى يعانى من عدد من الأمراض الخطيرة والطبيب يكتفى بصرف علاج للبرد ومسكن والأمر خطير يحتاج من الجميع التكاتف والتعاون وتحمل المسئولية لان الهيئة لسنوات عديدة تتحمل خسائر نيابة عن الآخرين ليس الوزارات المختلفة ولكن أيضا المواطنين وضرب مثالا بخط السكك الحديدية الذى يصل إلى برج العرب و بالرغم من انه يمر من أمام المصانع إلا أن أصحاب المصانع يستخدمون الأتوبيسات و السيارات لنقل العاملين والبضائع ويعزفون عن استخدام القطار الذى أنشئ لخدمتهم واجهته بأنه يقال أن السبب وراء تردى أوضاع الهيئة العمالة الزائدة 70 ألفا وسوء الإدارة ؟ فقال المهندس سمير إن العدد الحقيقى أقل من 60 ألف موظف يحصلون على مرتبات وبدلات وحوافز سنوية قرابة مليارى جنيه بما يوازى حجم الإيرادات وهذا العدد لا يعتبر كبيرا بل أننا نعانى من نقص فى بعض التخصصات الفنية ونفقد سنويا قرابة 1500 موظف يخرجون على المعاش ولا يتم تعويضهم وبسبب الوضع الاقتصادى للبلاد وللهيئة لا يتم الاستعانة بموظفين وفنيين بديلا عنهم فى جميع تخصصات الهيئة وهذه التخصصات لا تدرس و إنما مهارات ذات طبيعة خاصة تكتسب مثلها مثل قناة السويس والهيئة استمرت لفترة طويلة خلال الثمانينيات والتسعينيات دون تعيينات جديدة تذكر الأمر الذى ترتب عليه حدوث فجوة فى العمالة الماهرة وأصبحنا نعانى من عدم وجود صف ثان وثالث من الكوادر الفنية بالهيئة . يستكمل المهندس سمير موضحا أن مبنى الإذاعة والتليفزيون يعمل به قرابة 60 ألف موظف وهو رقم مماثل لرقم العاملين فى الهيئة المتشعبة فى جميع المحافظات وضرب مثالا بأن الهيئة لديها قرابة 1300 مزلقان وكل منها يحتاج 4 موظفين أى أننا نحتاج قرابة خمسة آلاف موظف للمزلقانات فقط ولدينا قرابة ألف قطار يومى أى أننا نحتاج إلى 4آلاف سائق مع الأخذ فى الاعتبار ساعات العمل وأيام الراحة والإجازات هذا بخلاف المحصلين وصرافى التذاكر والفنيين فى الورش والعاملين فى المحطات البالغ عددها 705 محطات والإداريين , موضحا أنه من الظلم مقارنة عدد العمالة لدينا بالدول الأخرى لأننا نعتمد على العنصر البشرى وفى معظم الدول أصبح العمل يتم بالميكنة » آلى » , وحول طريقة العلاج يرى مستشار وزير النقل أنه يجب فى البداية دراسة وتحديد جميع الوزارات والقطاعات ذات الصلة والمتعاملة والمستفيدة من الهيئة بوجود بنك الاستثمار القومى وتحديد ماذا نريد أن تكون عليه الهيئة وما هو دور كل جهة للارتقاء بالهيئة حتى تقدم خدمة لائقة بسعر مناسب فى إطار خطة جادة تلتزم كل جهة بدورها بشكل جاد وعدم الاكتفاء بالكلام والتصريحات والوعود التى ملت منها الناس . التجربة البريطانية ولكن كيف تعاملت الدول مع مشاكل وظواهر تدهور السكك الحديدية ؟ يقول الدكتور فتحى التونى أستاذ اقتصاديات النقل والعميد السابق لمعهد النقل إن السكك الحديدية فى انجلترا عندما حدث فيها تدهور جزئى وهو يعني تأخر القطارات خمس دقائق وانخفاضا فى جودة النظافة بنسبة 8 % وانخفاضا فى حجم الأرباح التى تحققها .. قاموا بوضع خطة لإعادة الهيكلة فى التسعينيات على مراحل استغرقت 3 سنوات قاموا خلالها بتقسيم الهيئة الى عدة شركات منها شركة لنقل الركاب وأخرى لنقل البضائع وشركة لخطوط المسافات الطويلة وأخرى للخطوط القصيرة ، وشركة مهمتها إنشاء وصيانة وتجهيز ونظافة محطات السكك الحديدية وأخرى لإنشاء وتجهيز وصيانة قضبان السكك الحديدية وأخرى للوحدات المتحركة سواء عربات أو جرارات ,والهدف من ذلك تحديد المسئولية وتحديد المتسبب فيها ويشرف على كل هذه الشركات جهاز لتنظيم خدمات النقل بالسكك الحديدية مهمته وضع القواعد العامة للعمل لهذه الشركات والتعامل فيما بينها وقواعد توحيد التعريفة والفئات المستحقة للدعم ..ومراقبتها فيما يشبه لدينا جهاز تنظيم الاتصالات . أما بالنسبة للحالة المصرية فيقول التونى أن القرارات التى تصدر من الإدارات العليا حتى تصل إلى جميع العاملين تأخذ وقتا وأن الحادث أو الكارثة لا يمكن تحديد المتسبب المباشر والحقيقى فيه فتتوه المسئولية ولكن مع وجود شركات كل شركة بها عدد عمالة اقل تستطيع التحكم فيها إداريا واقتصاديا وتعرف مسئولية كل فرد وتستطيع تنفيذ قواعد الصيانة والتشغيل والنظافة والمراقبة بكل دقة وحزم , لذلك فإعادة الهيكلة ستكون فى صالح الدولة لوقف نزيف الخسائر وأيضا فى صالح الركاب من توافر وسيلة نقل بجودة عالية وسعر مناسب , والتى يجب أن تبدأ بكهربة قطارات الجر والتى ستضاعف من قدرة وكفاءة التشغيل من حيث السرعة والحمولة لأن القطار الكهربائى أخف من قطار الديزل لذلك يستطيع حمل ركاب أكثر مع توفير الطاقة كما أن أعطال الكهربائى اقل 100 مرة عن الديزل والشاهد على ذلك مترو الأنفاق الأقل ضوضاء وتلوثا ومصاريف صيانة ويمكن تطبيق ذلك على مراحل كما حدث فى بريطانيا وفرنسا . وركز التونى على نقطة مهمة تتمثل فى نقل البضائع موضحا أن نصيب السكك الحديدية منها لا يتعدى 1 % والباقى يذهب للنقل البرى من خلال الشاحنات رغم أن استخدام القطارات يقلل من التكلفة ومن استخدام الوقود وحوادث الطرق وأيضا سلامة الطرق نفسها وتزيد من أرباح هيئة السكك الحديدية علما بان نقل البضائع فى أى سكك حديد فى العالم يحقق أرباحا تغطى خسائر نقل الركاب . ولذلك يجب إنشاء شركة مستقلة لنقل البضائع يكون لديها أسطول من سيارات النقل تستخدم فى نقل السلع والبضائع من مكان المصدر إلى المنبع تحت شعار » من الباب إلى الباب » . حتمية فى دراسة أعدتها الدكتورة عادلة رجب أستاذة الاقتصاد بكلية السياسة والاقتصاد والأستاذ عبد الفتاح الجبالى مستشار وزير التخطيط تحت عنوان «قطاع السكك الحديدية فى مصر ضرورات إعادة الهيكلة» أشارت الدراسة إلى أن الهيئة تعانى اختلالات فى اقتصاديات التشغيل بين التكاليف والأسعار وقصور الموارد عن تغطية الاستخدامات فلا تزال الهيئة غير قادرة على تغطية مصروفاتها الجارية من إيراداتها الجارية مما أدى إلى زيادة عجز العمليات الجارية الأمر الذى أدى إلى زيادة العجز المرحل الكلى وقد ترتب على ذلك ارتفاع قيمة المساهمة السنوية التى تقدمها الخزانة العامة للهيئة من 1666 مليونا عام 1999 إلى قرابة 4 مليارات عام 2007. ويلاحظ أن الخزانة العامة للدولة تتحمل بأعباء خدمة ديون السنوات السابقة حيث قامت الدولة خلال العشر سنوات السابقة بتغطية الخسائر المتراكمة وأعباء خدمة الدين فضلا عن ذلك هناك خسائر أخرى تتحملها الهيئة نتيجة تنفيذ بعض المشروعات الإستراتيجية بدون موارد مثل »خط الوادى الجديد سفاجا »وأيضا الخسائر الناجمة عن تشغيل بعض الخطوط الخاسرة والتى تمثل 62 % من إجمالى أعباء التشغيل فى حين لا تحقق إيراداتها إلا 20 % من إجمالى إيرادات الهيئة عام 2006. الملاحظة الثانية التى جاءت بالدراسة تآكل الأصول الحقيقية وارتفاع قيمة مصاريف الصيانة وأرجعت السبب فى ارتفاع مصاريف الصيانة إلى وجود عدد كبير جدا من المزلقانات مما يعنى إنشاء المزيد من الطرق والكبارى والممرات والأنفاق كما يؤدى التوقف المستمر إلى المزيد من الاستهلاك للقضبان والعجل والجرارات وغيرها من الادوات والتى يتم استيرادها بالعملة الصعبة . وتناقص حركة البضائع عبر السكك الحديدية رغم تفوقها وقدرتها على نقل أحمال ثقيلة تصل إلى 50 ألف طن مما يجعلها تتفوق عن السيارات . وأيضا التخفيضات والتصاريح المجانية والامتيازات التى بلغت عالم 2006 قرابة مليار جنيه وعدم الاستغلال الأمثل للأصول من أراض مساحتها 192 مليون متر مربع بالإضافة للأصول المعطلة من جرارات بلغت 350 مليونا ومن عربات ركاب وأوناش موقوفة ومعطلة بلغت 250 مليون بالإضافة إلى أكثر من 600 مليون مخزون راكد قامت الهيئة بشرائه ..والتراخى فى تحصيل الهيئة للمديونيات المستحقة لها لدى الغير التى وصلت عام 2006 إلى حوالى 1300 مليون . هذا وقد طرحت الدراسة خطة لتطوير الأداء وتشجيع الاستثمار طالبت بقيام الهيئة بالعمل على الوصول بالأسعار للسعر الاقتصادى تدريجيا وخلال فترة زمنية محددة دون التأثير على محدودى الدخل , ودراسة اقتصاديات التشغيل بما يقضى على أوجه الإسراف من خلال مراجعة نظم التشغيل وقوائم التكاليف لترشيد وضبط الإنفاق وتفعيله مع تعميق المحاسبة عن الأداء على كل المستويات وليس فقط المراكز الدنيا من المسئولية , استغلال الطاقات العاطلة بالتخلص من الأنشطة غير الاقتصادية مع الاهتمام بالصيانة الدورية للسيطرة على الأعطال وتأمين نظم التشغيل .وأخيرا فض الاشتباك بين الهيئة والخزانة العامة من خلال استقلال السكك الحديدية وتحويل بعض منها إلى شركات اقتصادية عملا بفكر تفكيك حزمة النشاط فى السكك الحديدية وتقسيمه إلى مراحل أخذا بالنموذج المعمول به فى دول أمريكا اللاتينية .