في مناخنا السياسي والثقافي المضطرب ، خاصة في السنوات الاخيرة ، يبدو مفهوم الليبرالية يحيطه الغموض والتشويش ، بل ان احزابا تقليدية تقول انها احزاب ليبرالية ، وكذلك احزاب جديدة وشخصياتها نشأت في السنوات الاخيرة تنسب نفسها الي الليبرالية دون ان يكون لديها وعى بهذا المفهوم ومبادئه والقيم التي يدعو اليها وأسسه الفكرية والمفكرين الذين نظروا وارسوا هذا المفهوم سواء في العالم او العالم العربي ومصر .لذلك يبدو الكتاب الذي اصدره الدكتور وحيد عبدالمجيد ، بما يمتلكه من ادوات سياسية وفكرية، عن «الليبرالية ، نشأتها وتحولاتها وازمتها في مصر»، الهيئة العامة للكتاب 2015 ، ربما أول محاولة متكاملة وعلمية ، حيث يقدم الليبرالية بمنهج علمي وموضوعي ، وان يتبع نشأتها وتطورها وتحولاتها ، والمفكرين الذين والفلاسفة الذين ساهموا في تأسيسها عالميا ، والذين تأثروا بها ودعوا اليها عربيا ومصريا وبدءا يوضح د. وحيد ان العلمانية قامت علي مبادئ عامة اساسية تدور حول مسألة الحرية ، وهي الفردية والعقلانية والعمل الحر والعدل و حكم القانون والتعدد والتسامح وقبول الآخر والحوار . وان مقدماتها الفكرية بدأت بتطور اوروبا حين كانت هي قلب العالم ومركزه من الزراعة الي التجارة الي الصناعة ، ومن الريف الي المدينة ، كما ارتبطت بتحول العالم من وضع ظل ساكنا لقرون الي حالة حركة اخذ ايقاعها يتسارع جيلا بعد جيل وانها تصور اذ تعود مقوماتها او قل بدايتها الي القرن الخامس عشر مع الانتقال الي عصر التجارة ثم الصناعة وظهور الرأسمالية . ومثلما تزامن بزوغ الليبرالية مع الرأسمالية ، كان هناك ارتباط تاريخي بين الليبرالية والاكتشافات العلمية ولا تخفي الصلة الوثيقة بين العلم والعقل ، وبين المنهج العلمي والتفكير العقلاني ، ولذلك لم يكن ممكنا ان تبزغ الليبرالية قبل ان تشرق شمس العلم وتحاول الظهور في سماء كانت ملبدة بغيوم الخرافات والأساطير . واسهمت الاكتشافات العلمية علي هذا النحو في تدعيم الليبرالية التي بزغت مقدماتها بالتزامن معها وتطورت علي هديها واستمدت منها الطابع العلمي لأفكارها وفلسفاتها حيث قامت علي اخضاع قضايا السياسة والاقتصاد ، والثقافة والمجتمع والدين والدنيا ، لسؤال العقل والقراءة الاستنباطية . وهكذا كانت الليبرالية نقطة تحول كبري في التاريخ ، ونقلة جبارة في انماط حياة الانسان كما في نظرته الي نفسه وكل ما حوله . فتحت الليبرالية آفاقا واسعة بلا حدود للعقل الانساني . ورغم اهمية فصول الكتاب الذي يؤسس الليبرالية، فانه يخلص الي تشخيص ازمتها في مصر والعالم العربي ويجيب عن سؤال حول اسباب هذه الازمة وتعثر توطنها في ثقافتنا ومجتمعنا . ويحرص الكتاب علي تأكيد انه لم يكن ممكنا ان تشرق شمس الحرية في عالم مزقه التعصب الديني وحجب التخلف النور عنه فظل جامدا ساكنا مستعصيا علي التقدم ولذلك كان ضروريا ان ترتبط ارهاصات التحول من الجمود الي الحركة والتقدم تحرير العقل الذي بدأ يتفتح ، وينتج علما يسبر اغوار الكون والطبيعة ، ويتفاعل مع الفلسفة لفهم اعماق البشر والمجتمع ، بالتزامن مع نقلة كيفية في الفنون كانت ايذانا ب «مولد» انسان جديد يدرك قيمته وقدراته ويفكر في كل ما يحيط به محطما المسلمات التي فرضت عليه والتابوهات التي عطلت عقله طويلا . ولذلك ارتبط بزوغ عصر النهضة بالسعي نحو اصلاح ديني واضاءة انوار العقل والفكر. فكان الاصلاح الديني والنهضة والتنوير ركائز اساسيةاستندت اليها الليبراليةوهي تشق طريقها نحو مجتمع جديد وعالم مختلف . وقدم العلماء الذين احدثوا نقلة علمية كبري مثل كوبرنكس 1543 - 1473 ، وجاليليو 1564 - 1642 . اما «تاج» الليبرالية الكلاسيكية وهو التنوير ، فان د. عبدالمجيد يرصد الفلاسفة والمفكرين الذين صنعوا عصر « الانوار»، مثل الفيلسوف الالماني كانط 1724 -- 1804 في كتابه ( رد علي سؤال ما هو التنوير )، والذي اجاب انه تحرير الانسان من حالة ذهنية مختلفة اقنعته بانه عاجز عن استخدام عقله . وقد آمن كانط بان احترام العقل وممارسة النقد والاستقلال الفكري من المبادئ الأساسية التي ينبغي أن يقوم عليها الوجود الانساني . يضاف الي كانط الذي يعتبر هذا المعني «عمدة» الليبرالية الكلاسيكية وان كان فلاسفة هذا العصر ومفكروه الفرنسيون يحظون عادة باهتمام اكثر منه مثل: فولتير وديدرو، ودا لامير بسكال وروسو ومونتسكو. ويرصد الكتاب ما يسميه «المعالم المفكرية في طريق تطور الليبرالية»، ومن أهم مظاهر المناظرة بين مفهومي العقد الاجتماعى، والسوق، وهما المفهومان اللذان أثارا جدلا بين الليبراليين ويعكس التنوع الشديد الذي تتسم به الليبرالية . واذا كانت فكرة العقد الاجتماعي سابقة علي الليبرالية بكثير الا ان التأسيس الفكري لمفهوم العقد الاجتماعي سابقة علي الليبرالية بكثير فان التاسيس الفكري لمفهوم العقد الاجتماعي ارتبط باربعة مفكرين حظوا بشهرة واسعة في تاريخ الفكر والفلسفة وهما: الانجليزيان ، توماس هويز 1588-1679وجون لوك 1632 – 1704 والفرنسى: جان جاك روسو 1712- 1778، والالماني اما نويل كانط 1724 - 1804 . اما مفهوم السوق فيعود اصله الي المفكر الاقتصادي البريطاني آدم سميت 1723- 1790، خاصة في كتابة الضخم: ثروة الامم. وفي تساؤل دال يتساءل د. وحيد عما اذا كانت الليبرالية «قد خانت نفسها»، ويعني ذلك ارتباط الليبرالية ، بل بعض فلاسفتها بعصر الاستعمار والاستعباد ونهب خيرات وثروات الشعوب ، بل ان بعض الفلاسفة ، وللغرابة ، فيلسوف مثل كارل ماركس لاحظ ان هناك مجتمعات راكدة محافظة مختلفة تعيش في ظل الجهالة ومعزولة عن التطور ووجد ان تفكيك هذه المجتمعات ضروري لعجزها عن فتح الطريق امام الابداع الذاتي والتقدم . اما التطور الحقيقي لليبرالية فكان هو التحول نحو الليبرالية الاجتماعية وكاستمرار للمناظرات بين مفهومي «السوق»، «العقد الاجتماعى»، وحيث تراكمت اسهامات عدد من الفلاسفة والاقتصاديين ابرزهم الفيلسوف الامريكي جون دبوي 1859 - 1952 ، وعالم الاقتصاد البريطاني جون كيتر 1983 - 1946 وغيرهما علي مدي ربع قرن عبر مراجعات لبعض اهم الافتراضات الليبرالية الكلاسيكية ، وباتجاه ليبرالية اجتماعية اكثر انسانية تجمع بين الفردية والجماعية ولم تقتصر تحولات تلك المرحلة علي الافكار والمفكرين والفلاسفة والاكاديميين ، بل امتدت الي السياسة والسياسيين . فقد تبلور اتجاه جديد داخل حزب الاحرار البريطاني في اواخر القرن التاسع عشر نتيجة تفاعل بعض المعبرين عنه مع المراجعات الفكرية التي بدأها جون ستيوارت ميل . وقد تأثر هؤلاء بافكار توماس هيل جرين الاجتماعية التي لم يبلورها بشكل منتظم ، وانحازوا الي الاتجاه الذي كان يوصف حينئذ بأنه جذري (راديكالى) لانه تبني سياسات اقتصادية تداخلية واجراءات لاعادة توزيع الثروة من اجل وضع حد للفقر والبطالة وغيرها من المشكلات التي كانت تؤرق ضمائر كثيرين، ومن بينهم قطاع من الطبقات العليا الفيكتورية في بريطانيا. وقد وصف نورمان وينتروب ذلك الاتجاه، في كتابه الذي حرره تحت عنوان «النظرية الديموقراطية الليبرالية وانتقاداتها» وصدر عام 1983 في لندن ، بأنه ضم مجموعة من المثقفين والسياسيين الليبراليين الحالين بمجتمع اكثر تعاونا ومساواة، والمتأثرين بالفيلسوف توماس جرين من خلال دراستهم في جامعة اكسفورد . وكان كثر ما تأثروا به في فلسفة جرين هو اعادة تعريفة لليبرالية علي نحو يعطي حق العامل اولوية علي حرية العمل. (دعة يعمل)... وفي العام نفسه ، تبني الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت سياسة «العهد الجديد» التي تضمنت زيادة الضرائب علي الاغنياء والشركات الكبري ، ووضع ترتيبات مؤسسية للضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وتدخل الحكومة عند الضرورة لتنظيم الاستثمارات ، فضلا عن حماية النقابات العمالية . وهكذا ، ما ان انتصف القرن العشرون حتي كانت الليبرالية قد اكلمت دورتها تقريبا عبر مراجعة بعض اهم افتراضاتها الكلاسيكية باتجاه ليبرالية اجتماعية معنية بمعالجة عذابات الانسان المقهور والمسحوق وليست منشغلة فقط بتحقيق التقدم . وكان الارتفاع بمستوي قيمة العدالة لتعادل قيمه الحرة هو جوهر هذه التحولات . غير انه في الوقت الذي كان هذا التحول قد بلغ مرحلة متقدمة من النضج ، واجهت الليبرالية الاجتماعية تحديا خطيرا نتيجة ظهور ما اطلق عليه «الليبرالية الجديدة» ذات الطابع المحافظ وسيظل هذا هو التحدي الرئيسي امام الليبراليين المؤمنين بالارتباط الوثيق بين الحرية والعدالة الاجتماعية طوال القرن الحادي والعشرين ، لانه يفرض عليهم تطوير نظرية جديدة بشأن قضية العلاقة بين المجتمع والسوق التي سبق طرحها في بداية صعود الليبرالية الاجتماعية . وينتقل الدكتور وحيد الي مناقشة تاريخ ودافع ومستقبل الليبرالية في مصر فيعتبر ان كثيرا من الارتباك يكتنف معظم الاوجه المتعلقة بالليبرالية في مصر ، والعالم العربي بوجه عام . لا يوجد – ابتداء – اتفاق علي تاريخ محدد بدأ فيه التعرف علي الليبرالية في منطقتنا . فالفجوات واسعة في هذا المجال بين منتصف القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين . فهناك من يعيد هذه البداية الي البعثات الدراسية التي ارسلها محمد علي الي اوروبا ، بالتركيز علي دور رفاعة رافع الطهطاوي (1801 - 1873) ، واجتهادات خريجي مدرسة باردو التونسية ( بوليتيكنيك تونس ) وعلي رأسهم خير الدين باشا ( 1810 – 1889 ). ونجد خلطا في هذا السياق بين الانماط حياة المجتمعات الغربية وما يرتبط بها من قيم من ناحية ، والاقتناع بالافكار الليبرالية – بعد الالمام بها بطبيعة الحال – او الايمان بصحتها او الانطلاق منها لبلورة تيار فكري واضح المعالم من ناحية ثانية . وهناك – في المقابل – من يؤخر تلك البداية الي العقد الاول من القرن العشرين مع ظهور حزب الامة ومدرسته الفكرية . واضافة لبعض الشوام السبق في الاطلاع علي الافكار الليبرالية والتطرق من خلالها علي بعض ملامح الليبرالية وفي مقدمتهم شبلي شميل 1850 – 1917 وفرح انطون 1874 – 1922 الي جانب المصري احمد فتحي زغلول 1863 – 1914 فهؤلاء هم من بدأوا في وضع بعض اسس الاتصال المباشر بالأفكار الليبرالية بطريقة اكثر وعيا من ذي قبل . وتصور احمد لطفي السيد ان علي المصريين والعرب ان يبدأوا من حيث بدأ الاوروبيون في مسيرتهم نحو الحرية والعلم والعقلانية ، وليس من حيث وصلوا في حينه . والملاحظ ان رواد الليبرالية العربية ، لم يقدموا اسهامات تبلور هذه الافكار سواء اكان تأليفا ام ترجمة. وربما يكون هذا هو أحد أسباب الغموض الذي ظل محيطا بكثير منها، وسوء الفهم الذي تعرض له بعضها. ورغم ان معظمهم كانوا مشدودين الي بعض فلاسفة عصر التنوير الليبرالي ، خاصة جان جاك روسو وفولتير علي ما بينهما من اختلاف وخلاف سبق توضيح اهم جوانبهما ، فلم يتعمق اي منهم في فلسفة هذا او ذاك . وحتي في مجال الترجمة ، لم يكتمل اكثر من مشرع لنقل كتاب روسو «العقد الاجتماعى» الي العربية. وقد سبقت الاشارة الي ان احمد فتحي زغلول لم يكمل ترجمته التى بدأها . وكذلك الامر بالنسبة الي فرح انطون 1874 - 1922 الذي نقل عن روسو واستلهم افكاره في كثير من المقالات وكرس قاسم امين جهده كله تقريبا لهذه القضية عبر كتابيه «تحرير المرأة» و«المراة الجديدة». واعطاها التونسي طاهر الحداد 1899 - 1935 اهتماما فائقا، خاصة في كتنابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» الذي قال عنه د. طه حسين انه سبق عصره بقرنين. غير ان د. طه حسين 1899 – 1973 اسهم بدوره في دعم هذه القضية ضمن اسهاماته الواسعة المتعددة الجوانب التي تميز بها هو وثلاثة من الرواد الاخرين الذين ولدوا عامي 1888 و 1889 ، وكان لكل منهم اسهاماته الكبري بوجه عام ودوره في شرح بعض الافكار الليبرالية بوجه خاص ، وهم د. محمد حسين هيكل 1888 - 1956 وعبد الرحمن الرافعي 1889 - 1966. ومحمود عباس العقاد 1889 - 1964. ويسجل د. وحيد ملمحا مهما في التطور الفكري للمفكرين المصريين الذين اقتربوا ودعوا الي الافكار الليبرالية ، وفي ظل غياب «تفاعل كيميائي» ايجابي بين هذه الافكار ومبادئ الإسلام، بخلاف ما حدث في اوروبا من تلاقح مثمر بين الليبرالية البازغة والمسيحية، لم يغير في شئ تنامي اهتمام ثلاثة من اولئك الأربعة الكبار (هيكل والعقاد وطه حسين) بالتاريخ الاسلامي وسعيهم الي اعادة كتابته بمنهج علمى، فقد ابدعوا في تقديم رؤية جديدة لهذا التاريخ عبر كتابات مازالت هي الاروع في هذا المجال، مثل: كتابي د. محمد حسين هيكل «حياة محمد» الصادر عام 1935 . و «في منزل الوحي» الصادر عام 1937. وكتب محمود عباس العقاد المتعددة مثل: «عبقرية محمد» و«عبقرية عمر» الصادرين عام 1941، و «عمرو بن العاص» الصادر عام 1944. و«خالد بن الوليد» الصادر عام 1945 وغيرها، وكتابات د. طه حسين واهمها علي الاطلاق «علي هامش السيرة» بأجزائه الثلاثة الصادرة عامي 1932 و 1933 . فضلا عن « الفتنة الكبرى»، و«مرآة الاسلام». ولم يسهم هذا التطور في افكارهم في خلق جسور فكرية مع رواد الفكر الاسلامي المستنير الذين بقوا معزولين في الاغلب الأعم عن الأفكار الحديثة سواء اكانت لضآلة معرفتهم بها ام لعدم ادراكهم اهميتها اعتقادا في ان الاسلام يغني عن كل شئ علي النحو الذي سنعود اليه عند الحديث عن علاقتهم بعملية التأسيس الليبرالي .اما اهم تطور في الفكر الليبرالي في مصر وتبلوره فيسجله د. وحيد في ظهور « جمعيةالنداء الجديد» حين لم يكتف رائدها الدكتور سعيد النجار باعتبار نفسه ليبراليا فحسب بل سعي مع عدد من المثقفين والأكاديميين الي بناء تيار ليبرالي للمرة الاولي في مصر والعالم العربي عبر تأسيس جمعية «النداء الجديد». وقد بدأ العمل لتأسيس هذه الجمعية في مارس 1991 . وتم اشهارها في يونيو 1993 . مع عدد من المفكرين والمثقفين الليبراليين مثل د . حازم الببلاوي ، والسفير حسين احمد امين ، ود . اسامة الغزالي حرب ( اول مدير للجمعية ) و د. وحيد عبدالمجيد ( رئيس تحرير مجلتها الشهرية التي حملت اسمها ) ، ومحمود اباظة ، وطارق حجي، و د.احمد الغندور ، و د. سليمان نور الدين، و د. سلوي سليمان، و شريف حافظ، وعلي الناظر وغيرهم. وقد انطلقت «وثيقة المبادئ والركائز الفكرية» للجمعية من مبدأ الحرية، وتمحورت حول تحرير الفرد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وعلي كل صعيد من أجل اطلاق طاقاته وتنمية قدراته . وابرزت العلاقة الوثيقة بين التحرير السياسي والاقتصادي علي اساس انه (يصعب تنفيذ استراتيجية متكاملة للتحريرالاقتصادي دون ان يقترن ذلك باصلاح سياسي يكون من شأنه تقوية المؤسسات الدستورية، وتحقيق التوازن بين السلطات، وحماية حقوق الانسان، وضمان عدم الافتئات عليها، وتحقيق حرية الصحافة وغيرها من وسائل الاعلام). وتبنت الوثيقة الافكار الأساسية لليبرالية الاجتماعية بوضوح لا لبس فيه ، حيث اكدت أن من الاخطاء الشائعة القول ان الاقتصاد الحر يعني غياب دور الدولة واستبداد القوي بالضعيف والغني بالفقير . وقد ادي نشاط هذه الجمعية ووثيقتها واصداراتها الي ان يصبح تعبير ليبرالي وليبرالية متداولا علي نطاق واسع في الساحة السياسية، وظهرت توجهات ليبرالية اوسع نطاقا من اقصي ما توقعه مؤسسو جمعية «النداء الجديد»، وشكلت احزاب جديدة علي اساس ليبرالي بغض النظر عن مدي قوة هذا الأساس او هشاشته وعن مدي وعي مؤسسي هذه الأحزاب واعضائها والمامهم بخريطة الأفكار الليبرالية في العالم في مطلع القرن الحادي والعشرين. ولذلك اتسمت الحالة الليبرالية بالعشوائية والخلط بين الايمان بافكار ومبادئ والحاجة الي سلاح فكري لخوض معركة، فضلا عن التشتت والتبعثر الشديدين. كما ظلت هذه الحالة نخبوية. فقد توسع نطاقها بشكل ملحوظ ، ولكنها لم تتغلغل في المجتمع رغم انه صار اكثر استعدادا لقبولها . فقد تراجعت الصورة الشائهة التي عمد انصار الاسلام السياسي وبعض رجال الدين الي رسمها لها . ولم يعد ربط الليبرالية بالعلمانية قائما علي النحو الذي كان عليه في ظل شيوع تلك الصورة . ويستخلص د. وحيد في تشخيص مأزق الليبرالية في مصر انه علي الرغم من ان تجاوز جزء كبير من المشكلة الموضوعية التي جعلت الليبرالية حالة نخبوية لم يقترن بحل المعضلة الذاتية المركبة التي تحول دون تحولها الي حالة شعبية ، وهي ضعف إلمام معظم من يصنفون ليبراليين بالأفكار التي ينتسبون او ينسبون اليها ، وعدم معرفة كثير منهم بها أصلا ، فضلا عن صعوبة تبسيط أفكار هي بطابعها ليست بسيطة ولا يسهل اختزالها في «كبسولات» او شعارات يمكن ترويجها مجتمعيا . وهذا فضلا عن ارتباط جزء أساسي من ازدياد الاقبال علي الليبرالية بعد ثورة 25 يناير بالاستقطاب الحاد ، وتحوله من وسيلة للتقدم والتجديد الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الي مجرد اداة لمواجهة قوي الإسلام السياسي . .......................... وفي تقديري انه علي الرغم من ان الليبرالية كمفهوم ونظرية قد بدي في كتابات عدد من الدراسات التي تناولت النظم السياسية والفكرية ، الا ان كتاب د. وحيد عبدالمجيد ربما يكون الاول الذي يقدم الييبرالية بشكل علمي متكامل ومنهجي ويزيل الارتباك والغموض الذي يحيط بها ، ويوضح ان الاحزاب والقوي السياسية التي تنسب نفسها الي الليبرالية عليها ان تتعرف اولا علي الاساس الفكري والتطور التاريخي لليبراليه ومبادئها .