محافظ الإسكندرية يهنئ الرئيس والشعب بانتصارات أكتوبر    وزيرة التنمية المحلية تبحث مع محافظ الفيوم المشروعات التنموية والخدمية وجهود تطوير المحميات الطبيعية    محافظ الغربية يجوب مدينة وقرى بسيون ويوجه بتنفيذ مطالب الأهالي    الضفة.. مستوطنون إسرائيليون يعتدون على قاطفي زيتون فلسطينيين مع بدء موسم قطف الثمار    حماس: تصعيد استيطاني غير مسبوق في الضفة لابتلاع مزيد من الأراضي الفلسطينية    الأهلي ينعى سمير محمد علي لاعب الزمالك ومنتخب مصر الأسبق    الدوري الإنجليزي.. أستون فيلا يفوز على بيرنلي بهدفين لهدف    فابريس: نحترم الأهلي ولكننا نؤمن بحظوظنا في تحقيق المفاجأة    التشكيل الرسمي لمباراة مانشستر سيتي وبرينتفورد في البريميرليج    البحيرة.. إصابة 7 أشخاص إثر حادث سير بوادي النطرون    2 نوفمبر.. نظر محاكمة شقيقين قتلا عاملًا ب 3 طلقات في الجيزة    السكة الحديد تُسير الرحلة ال23 لإعادة الأشقاء السودانيين إلى وطنهم    تامر حسني يطلق من كان يا مكان إهداء لمهرجان نقابة المهن التمثيلية لتكريم رموز المسرح المصري    "الإسكندرية السينمائي" يحذر من نشر أية أخبار كاذبة حول المهرجان    دور المقاومة الشعبية في السويس ضمن احتفالات قصور الثقافة بذكرى النصر    نائب وزير الصحة يبحث مع محافظ الدقهلية التعاون في تطوير المنظومة الصحية بالمحافظة    روبيو: لا يمكن تجاهل تأثير الحرب في غزة على مكانة إسرائيل في العالم    احتجاجات بتل أبيب وأسر الرهائن يدعون ترامب ونتنياهو لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار    أستون فيلا يواصل انتصاراته فى الدورى الإنجليزى بفوز مثير ضد بيرنلى    تأجيل محاكمة 71 متهما بخلية الهيكل الإدارى بالتجمع لجلسة 21 ديسمبر    سيارة مسرعة تنهي حياة طفل أثناء عبوره الطريق بصحبة والدته في العجوزة    طرح 11 وحدة صناعية جديدة بمجمع المطاهرة بمحافظة المنيا    وزير التموين: تكثيف الرقابة والتصدى الحاسم لحالات الغش التجارى    احزان للبيع ..حافظ الشاعر يكتب عن : في يوم المعلم… منارة العلم تُطفئها الحاجة..!!    أفضل 5 أبراج تنجح في التدريس أولهم برج القوس فى يوم المعلم العالمى    مائدة فن العرائس تختتم فعاليات مهرجانها الأول من التشكيل إلى الخيال    سعر الذهب اليوم الأحد 5 أكتوبر 2025.. عيار 18 بدون مصنعية ب4483 جنيها    حكم الذكر دون تحريك الشفتين.. وهذا هو الفرق بين الذكر القلبي واللساني    وزارة الإسكان السعودي تحدد نقاط أولوية الدعم السكني 2025    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    «اطلع على كراسات الطلاب وفتح حوارا عن البكالوريا».. وزير التعليم يفتتح منشآت تربوية جديدة في الإسكندرية (صور)    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    رئيس الوزراء يترأس اجتماع اللجنة الرئيسية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني الخدمية التابعة لها    مبابي ينضم إلى معسكر منتخب فرنسا رغم الإصابة مع ريال مدريد    «بس ماترجعوش تزعلوا».. شوبير يعتذر ل عمرو زكي    محمد الغزاوي.. نموذج إداري هادئ يعود للمنافسة في انتخابات الأهلي المقبلة    تعليق مفاجئ من الجيش اللبناني بعد تسليم فضل شاكر لنفسه    مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي يكرم فناني ومبدعي المدينة (صور)    سر إعلان أسرة عبد الحليم حافظ فرض رسوم على زيارة منزل الراحل    احتفالات الثقافة بنصر أكتوبر.. معرض حرب أكتوبر المجيدة في الذاكرة الوطنية بالهناجر    الصين: إجلاء 347 ألف شخص قبل وصول إعصار ماتمو إلى اليابسة    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    رئيس جامعة المنيا يهنئ السيسي بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    مرسوم جديد من «الشرع» في سوريا يلغي عطلة حرب 6 أكتوبر من الإجازات الرسمية    مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الشرقية    3 عقبات تعرقل إقالة يانيك فيريرا المدير الفني للزمالك .. تعرف عليها    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    استجابة مطمئنة للعلاج .. تعرف على تطور حالة إمام عاشور    سوريا تنتخب أول برلمان بعد بشار الأسد في تصويت غير مباشر    وزير التعليم ومحافظ الإسكندرية يفتتحان إدارة المنتزه أول التعليمية    «السبكي» يلتقي رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حماة الأرض» لبحث أوجه التعاون    تاجيل طعن إبراهيم سعيد لجلسة 19 أكتوبر    عقد مؤتمر في القاهرة لعرض فرص الاستثمار الزراعي والتعدين بالولاية الشمالية في السودان    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    السيسي يضع إكليل الزهور على قبري ناصر والسادات    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الأحد 5-10-2025 في بني سويف    أذكار النوم اليومية: كيف تحمي المسلم وتمنحه السكينة النفسية والجسدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحداثة المعرفية..
مركزية العقل الإنساني
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 11 - 2013

تفهم الحداثة بالمعني الأوسع علي أنها تنوير العقل. فالعقل هنا يحتل سلطة مركزية, لا في الفكر فقط, وإنما في تأسيس نظم المجتمع.
ولذلك يمكن القول ببساطة أن مشروع الحداثة هو مشروع عقلي, لا يستقيم نظام, ولا ينتظم أداء أو ممارسة, إلا وكان العقل هو الأداة المحركة. وفضلا عن ذلك فقد قام العقل بدور في نقل المجتمع من حالة الجمود والاستكانة, حيث التقاليد الجامدة تعمي البصائر وتطمس العقول, إلي حالة الانطلاق نحو الآفاق الرحبة لعقل يبدع ويتأمل وينتج أفكارا تسهم في تأسيس تعاقد اجتماعي يقوم علي إرادة الإنسان الجمعية, وعلي مركزية الفرد الحر الطليق القادر علي الفعل المختلف, وعلي بلورة ثقافة للحرية والمساواة والمواطنة, وعلي تكوين نسيج للحياة مغزول حول العقل.
ولم تكن هناك عملية أصعب من بناء هذا النسيج الحياتي. فقد استغرق الأمر أكثر من ثلاثة قرون لكي يضيء نور العقل ليهزم الخرافة واستلاب القدرة الحقيقة علي الفعل. ولقد كانت نقطة الانطلاق إلي ذلك جملة مفيدة; أصبحت تعبر رمزيا عن حضور العقل: أنا أفكر فأنا أذن موجودcogitoergosum. لقد نسج ديكارت(1596-1650) حول هذه الجملة منهجا جديدا, لا للفكر فقط بل للحياة أيضا. فلم يعد العقل في المنهج الديكارتي أداه للبحث المطلق عن الحقيقة فقط, بل أصبح أيضا أداة للوجود; فالوجود يكون منقوصا إذا لم يرتبط بالقدرة علي التفكير. يبدو العقل هنا وكأنه القادر علي بعث الوعي الوجودي من مكمنه, فيصبح للوجود معني, طالما هناك ذات مفكرة تحرس هذا الوعي الوجودي وتزيده انبعاثا. وإذ يبزغ العقل الديكارتي في فرنسا, يبزغ عقل من نوع آخر في انجلترا. هنا ينحو العقل في بلد الثورة الصناعية إلي فهم الواقع علي قواعد علمية وتجريبية. فيدعونا فرانسيس بيكون(1561-1626) بقوة إلي أن نطرح خلف ظهورنا الأوهام التي تعوق الفكر وتعطله( والتي أطلق عليها أوهام الجنس والكهف والسوق والمسرح) وتحوله إلي فكر بعيد عن موضوعية العقل وحياده. فإذا كان المجتمع يتحول إلي مجتمع جديد, فإنه بحاجة إلي' أورجانون جديد', إلي قواعد جديدة للتفكير تسمو بالعقل وتجعله قادرا علي الترفع عن التعلق بالجنس أو المكان أو الأقوال السائرة الدائرة غير الموثوق بصحتها أو الأقوال المأثورة التي لا تقبل الجدل. وأكاد أفهم هذا المنحي الفكري الجديد لا علي أنه دعوة إلي تدقيق التجريب والبحث فحسب, بل أنه دعوة إلي عمومية العقل ومن ثم عمومية القيم الإنسانية أيضا. فالعقل الباحث عن الحقيقة لا يحده مكان ولا زمان, ولا أطر ثقافية خاصة, بل هو عقل لا يحده إلا قواعد المنطق وقوانين التجربة.
وإذ ينتشر المنهج الديكارتي ومبادئ الأورجانون الجديد في أنحاء المجتمعات الغربية, التي تصبوا إلي الفكاك من ربقة التقليد والتقديس والجمود, فإنه ينتج نماذج فكرية هنا وهناك تعمل في النهاية علي أن يصبح العقل سند الحداثة الأول الذي يضعها علي جادة الحق والصواب. وقد كان كانط(1724-1804) من أهم الفلاسفة الذين ساهموا في هذا المسعي الفكري النبيل. فالعقل قادر علي بناء مفاهيم خالصة يمكن من خلالها أن ينظم الواقع الحسي وأن يخضعه للتجربة; إنه المنظم الأول للحياة المادية المحسوسة ولخبرات التجربة. وهو إذ يعارك الحياة يتحول إلي عقل عملي ينتج القيم الأخلاقية والأخلاق المهنية, وإذ يعارك الذات الفردية فإنه ينتج أحكاما جمالية تستقيم ومنطق العقل والأخلاق. يتحول العقل عبر تجلياته المختلفة العقل الخالص والعقل العملي وملكات الحكم الجمالي إلي عقل حاكم منظم للحياة والخبرة.
وإذا كان كانط قد حول العقل إلي سلطة حاكمة تتدرج عبر سلم, يبدأ من المنطلقات الكلية وينتهي بالأحكام الجمالية مرورا بالمنطلقات العملية, فإن هيجل قد منح العقل سلطة النفي. فالفكرة تعاند الفكرة, وتدخل في تناقض معها, بحثا عن تآلف فكري جديد, في سعي دائم نحو الكمال المطلق. دعوة جديدة لأن يشمر العقل عن ساعديه, فلا يركن إلي الخمول والكسل, بل يجادل ويرفض وينتقد ويشك ويعاند, لا من أجل الجدل والرفض والنقد والشك والعناد, بل من أجل السعي نحو غاية مطلقة, نحو قيم عليا, نحو الروح الكلية أو قل العقل الكلي الذي يلم وشائج المجتمع ويصبوا به إلي الكمال. وفضلا عن هذا فإن النقد( النقض) يولد قدرة انعكاسية للعقل, تجعله يمتلك المكنة لكي يتأمل ويراجع, ولا يركن أبدا إلي صيغ جاهزة وأطر مستكينة, ولا شك أن هذا التأمل الانعكاسي يصب في النهاية في العملية الكبري للعقل: أعني البحث عن الكمال والاكتمال.
ومن نافلة القول أن نؤكد علي أن الارتفاع بالعقل والعقلانية في الفكر الحداثي الأوروبي قد ساهم مساهمة كبيرة في تحويل المجتمع لينفك عن ربقة الجمود والتخلف إلي الأفق الرحب للحداثة. فمن الناحية السياسية كان هذا الاتجاه إلي مركزية العقل دافعا إلي بناء النظريات السياسية للعقد الاجتماعي. إن فكرة التعاقد الاجتماعي علي مختلف تجلياتها عند توماس هوبز(16791588) وجون لوك(17041632) وجان جاك روسو(17781712) ما هي إلا دعوة لكي يتأسس النظام السياسي علي سلطة مستقلة وحيادية; الدولة المهيمنة أو السلطة المطلقة( هوبز) أو القانون( لوك) أو الإرادة العامة( روسو). وأكاد أفهم هذه السلطة السياسية المستقلة علي أنها سلطة تناظر سلطة العقل المستقل الحيادي. وأحسب أن هذا الفكر هو الذي قاد إلي الثورة الفرنسية التي كانت رمزا للتحرر السياسي في أوروبا, بل وفي العالم. ومن الناحية الاقتصادية فقد ساهمت الفلسفة العقلية في بلورة الاسهامات السوسيولوجية التي أعلت من شأن التفكير العقلاني والرشد, واعتبرت الفعل الرشيد القائم علي حساب الوسائل والغايات نموذجا مثاليا للفعل. قد نسترجع هنا اسهامات ماكس فيبر عن العقلانية ودورها في بناء المشروع الرأسمالي, وعن الفعل الرشيد مقارنة بالأفعال التقليدية وغير الرشيدة, وعن السلطة القانونية مقارنة بالسلطة التقليدية والسلطة الكاريزمية. كما قد نسترجع أراء باريتو(19231848) حول الفعل المنطقي والفعل غير المنطقي. وهي أراء استدمجت في علم الاجتماع المعاصر وأصبحت جزءا لا يتجزأ من المشروع الحداثي الرأسمالي.
ورغم أن العقل والعقلانية قد شكلا معا أساسا قويا لبناء المشروع الحداثي الأوروبي, الذي أصبح المشروع الأكثر سيطرة في عالمنا المعاصر, نقول رغم هذا, إلا أنه ينبغي علينا أن نستدعي ونحن نختتم هذه المقالة ما آل إليه المشروع الحداثي الغربي من مشكلات نجمت عن طموحه المادي غير الملجم, ونزعته الاستهلاكية الفجة, وميله إلي التمركز حول العقل الأوروبي; الأمر الذي أفرز انتقادات عديدة للنزعة العقلانية المفرطة ربما نعود إلي الكتابة عنها فيما بعد.
لمزيد من مقالات د.احمد زايد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.