في ظل صعود التيارات الإسلامية إلي الواجهة في البلدان التي نجحت فيها الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا, وكذلك المغرب بعد حصول التيار الإسلامي فيها علي أغلبية البرلمان, بدأت مخاوف مسيحيي الشرق في الظهور خاصة في لبنان التي يشكل المسيحيون فيه قوة فاعلة سياسيا. بعد خروج الحريري من رئاسة الوزراء أصبحت الحكومة بين تيار عون الماروني المسيحي وحزب الله ممثل الشيعة في لبنان, وتحولت الأضواء عن سعد الحريري وهو ضمن الأقلية المعارضة فراح يمارس حياته العادية بين السفر وأعماله الخاصة وممارسة الرياضة حتي كسرت قدمه خلال ممارسته رياضة التزلج علي الجليد فخرج من لبنان للعلاج بفرنسا. وخلال فترة نقاهته راح يتردد بين باريس والسعودية الداعم الأكبر له وللسنة في لبنان ولوالده رفيق الحريري من قبل, ومع بزوغ الربيع العربي ازدادت حدة المواجهة الإعلامية بين تيار المستقبل وفريق14 آذار وبين القوي التي شكلت الحكومة المكونة من حزب الله والتيار العوني وذلك بين داعم للثورات العربية ومعارض لها, خاصة وأن الدستور اللبناني ينص علي أن يكون رئيس الجمهورية مسيحيا وهي الدولة العربية الوحيدة التي ينص دستورها علي ذلك,ومع تنامي ظاهرة التيارات الإسلامية وصعودها إلي الواجهة في كثير من البلدان العربية ازدادت المخاوف المسيحية, وحذر البعض من أن الربيع العربي قد يؤدي إلي هجرات جماعية للمسيحيين من الشرق خاصة بعد اعتداء القاعدة علي كنيسة سيدة النجاة بالعراق وأحداث كنيسة القديسين في الإسكندرية, ثم أحداث ماسبيرو التي راح ضحيتها عشرات المسيحيين, وهو ما دفع رجال الدين المسيحي في لبنان إلي الوقوف علي الحياد تجاه ما يحصل من ثورات عربية في بلدان عدة. وعلي الجانب السياسي وفي ظل رجوع التيار السني إلي الظل بعد سقوط حكومة الحريري ومع بقاء سعد الحريري خارج لبنان للعلاج أو النقاهة أو للاحتياطات الأمنية خوفا علي حياته بعد إعلانه صراحة دعم الثورة السورية ومهاجمة بشار الأسد علي صفحات الصحف وبرامج الفضائيات واتهامه بدعم الثوار بالمال والسلاح, وانضم إليه وجه سلفي شاب هو الشيخ أحمد الأسير الذي قاد أنصاره من صيدا إلي ساحة الشهداء في بيروت في تظاهرة حاشدة تنديدا بالنظام السوري ومجازره في حمص وحماة وإدلب وغيرها من المدن السورية, وأصبح الأسير في غياب الحريري الذي يمثل السنة بديلا سلفيا للسنة في لبنان وإن لم يكن ذلك معلنا صراحة, ولذلك خرج الكثير من الأصوات المسيحية السياسية المطالبة بالاطمئنان علي المسيحيين في لبنان خاصة والشرق عموما بعد تنامي التيار الإسلامي في كثير من المواقع العربية وأخيرا التيار السلفي في لبنان. ومما زاد من المخاوف قيام الجيش اللبناني بالكشف عن خلية سلفية كان تخطط لتنفيذ أعمال تخريبية في لبنان بزرع المتفجرات في أماكن عدة بالجيش ومناطق هامة بلبنان,حيث وصفت التحقيقات الشبكة بأنها خطيرة جدا. من جانبه قال النائب سليمان فرنجية رئيس تيار المردة والمتحالف مع تيار عون الذي يشكل الحكومة: نريد كمسيحيين اطمئنانا في المنطقة, وهذه الأمور هي التي دفعت العراقيين المسيحيين إلي هجرة بلدهم, والمشهد الذي شهدناه في مظاهرة الأسير لا يطمئننا, فالثورات العربية أدت إلي إضعاف المسيحيين والأقليات في المنطقة, وتساءل فرنجية: ما الفرق بين تجربة الشيخ الأسير وسعد الحريري في المضمون؟ و أضاف: أنا متخوف من أن الوضع في لبنان ذاهب إلي أزمة, وأتمني للبنان الاستقرار دائما لكن لننظر ما يحضر بالخارج, ما يجري في الشرق هو صراع مذهبي يأخذ منطلقا سنيا شيعيا, والحرب علي سوريا شعارها الديمقراطية والحرية ولكن مضمونها غير ذلك. وأكد فرنجية أن البطريرك الماروني صفير كان في فريق14 آذار تيار الحريري لكن مشكلتهم أن من ليس معهم هو ضدهم؟ يريدون بطريركا يتحدث عن الأمة العربية, هو بطريرك الموارنة, يريدون إلغاءنا من الوجود ويريدون توقيعنا, وأبدي فرنجيه مخاوفه المتزايدة بعد تنامي الظاهرة السلفية قائلا: أخشي من وجود مائة تنظيم فتح الإسلام في لبنان, وهو التنظيم الإرهابي الذي قضي عليه الجيش اللبناني في نهر البارد منذ سنوات. وقال النائب السابق إميل لحود إن المشكلة في لبنان هي التنامي الطائفي الذي يسبب كل هذه التشنجات, وفي وسط الجو العام غير المتفق سياسيا علي ما يحدث في سوريا ومع الخوف المسيحي من الربيع العربي وإغلاق الحدود أمام النازحين السوريين عملا بمقولة النأي بالنفس بلبنان عما يحدث في سوريا وخوفا من دخول مسلحي الجيش السوري الحر إلي داخل لبنان, يظل الوضع اللبناني كالسير وسط حقول الألغام.