تحدث السيد الرئيس فى احتفالات عيد العمال عن فترة ما بعد الثورة منذ يناير 2011 حالة عامة من تردى اداء الاقتصاد, واتساع البطالة وانخفاض واضح فى معدلات نمو الدخل القومى بصورة لم تعرفها مصر منذ حرب أكتوبر 1973, وأكد سيادته انه من غير المتصور أن تقف الدولة موقف الحياد ، و عليها أن تتدخل وبقوة لإعادة التوازن الاقتصادى وتحسين وضع العمال بل وجميع المواطنين. ومن هنا بدأ أثر «نظرية الدولة الايجابية» يظهر تدريجيا فى السياسة الاقتصادية المصرية ، حيث تطورت تحت تأثير تلك الحوادث ، ومهدت للقائمين على الاقتصاد ، خاصة بعد 30 يونيو 2013 ،قبول تدخل الدولة فى الاقتصاد بشكل فعال لمحاولة دعم عجلة التنمية لضمان توازن التشغيل الكامل. وتمثلت وسيلة ذلك فى أول الأمر فى السياسة النقدية من خلال الاجراءات الاصلاحية الكثيرة التى قام بها البنك المركزى المصرى ، من رقابة وتقييد التلاعب فى سوق النقد و بعض الاجراءات الفنية الخاصة بسياسات التعاملات البنكية بالعملة المحلية و الاجنبية. غير أن التباطؤ النسبى فى معدل النمو قد اقتضى سياسة تداخلية أكثر عمقاً مع السياسة النقدية المتوازنة . فقد كان من الضرورى استدعاء «السياسة المالية الوظيفية « من خلال التوسع فى الانفاق العام (فى مجالات عدة) لمحاربة البطالة ولإعادة الاستثمار الخاص ( المحلى و الاجنبي) واعطاء جرعة سريعة لإنعاش الاقتصاد ، أى بعبارة أخرى تطلب الامر , خروج وزارة المالية بسياستها الضريبية والانفاقية عن الأسلوب التقليدى العقيم , لتولى مسئولية تحقيق هذه الأهداف القومية. وهوالذى يوضح تطور السياسة المالية فى العامين الماضيين و التى كانت نتيجة لتطور الاحداث الاقتصادية و الاجتماعية, أكثر من كونه نتيجة لتطور الفكر المالى فى مصر، أى كانت نتيجة للضروريات العملية لا نتيجة لتغير المبادئ النظرية للوظائف المالية وادواتها. ولكن ليس معنى ذلك أن النظرية الاقتصادية القائمة على تدخل الدولة الايجابى لم يكن لها أثر فى تطور استخدام ادوات سياستنا المالية ، بل معناه فحسب أن تلك النظرية كانت عاملاً مساعداً ولاحقاً للعوامل العملية. فقد مهد تطور الفكر الاقتصادى المعاصر وتجارب دول العالم التى سبقتنا فى هذا المجال , خاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 والتدخل الصارخ لأغلب دول العالم فى الاقتصاد لإعادة التوازن ، لقبول تدخل الدولة فى مصر وتوسعها فى النشاط الاقتصادي. وبدت واضحة وسائل التدخل ، فلم تكن فى الحقيقة السياسة المالية قبل 30 يونيو 2013 تتحكم فى التشغيل ولافى الانتاج ولافى المستوى العام للأثمان بصورة فعالة. ولم يكن هناك ثمة تفكير اقتصادى على اسس علمية واضحة يعتد به فى قيام سياسة مالية لملافاة التقلبات الدورية ، ولا ثمة تفكير لملافاة الركود طويل المدى أو ارتفاع الأسعار. حيث اعتمدت حكومات ما قبل الثورة على عشوائية أليات السوق وحدها لتحقيق التوازن الاقتصادى تاركة تقلبات اداء السوق تعصف بنا هنا وهناك. والحق ان كل ما قدمته لنا تلك الحكومات اقل ما يوصف بة هو «سياسات رتق الثوب المعيبة». ومع تولى الرئيس السيسى الحكم بدأ التحول التدريجى للسياسة المالية والنقدية من كونها نتيجة للضروريات العملية إلى كونها فكر أساسى لتطور المبادئ النظرية ، حيث عادت « السياسة المالية الايجابية» لمصر لأول مرة منذ عهد الزعيم الراحل الرئيس جمال عبدالناصر. وكانت الرغبة فى محاربة الركود والتضخم وإهدار المال العام وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية هى غرضها الأساسى هذه المرة. ولقد مهد تطور فكر الادارة المصرية الحالية أيضاً تحول كل السياسات الاقتصادية العامة فى هذا الاتجاه ، حتى فى مرحلة المؤتمر الاقتصادى ومؤتمر القمة العربية ، بحيث أصبحت الادارات فى كثير من البلاد العربية ومنها مصر تأخذ على عاتقها مهمة تحقيق توازن الاقتصاد والتشغيل الكامل. ثم ساهم فى ذلك أيضاً مقتضيات الاستثمارات العامة الكبرى والانشاء والتعمير ورفع وتحقيق معدلات تنمية اقتصادية لتصل إلى 7% بحلول عام 2018 وبرامج التنمية الاجتماعية الطموحة ايضا على حد السواء ، إلى جانب زيادة الانفاق العام العسكرى لمحاربة الارهاب الداخلى والخارجى المصرى العربى المشترك. مما عضض الاتجاه التداخلى للسياسة المالية والنقدية معا، واستلزمت على وجه الخصوص التوسع فى الاستثمارات العامة الموجهه لتلك الاغراض بعينها ، حتى أصبحت هذه الاستثمارات فى مصر تشكل نسبة مرتفعة من كل من الميزانية والاستثمارات الكلية والدخل القومى لعام 2014/ 2015 . وقد أكد التوسع فى هذه الاستثمارات العامة عمق التطور الفكرى الذى لحق السياسة المالية والنقدية فى مصر فى العاميين الماضيين. حتى ولو شكل العجز الداخلى نسبة كبيرة من الدخل القومى مؤقتا , الا ان الامرغير مقلق لما له من اثار ايجابية متوقعة فى المستقبل القريب من العائد الايجابى لتلك الاستثمارات العامة.عسى فى النهاية أن يعود هذا التطور الايجابى فى السياسات الاقتصادية الكلية وعودة الدولة الإيجابية بالنفع على الشعب المصرى فى أسرع وقت ممكن ، لتنعم مصر بثمار ماتحقق من تغيرات سياسة واقتصادية واجتماعية ويسترد الشعب حقوقة مقابل التضحيات التى قدمها خلال الأربع سنوات الماضية و ما قبلها. لمزيد من مقالات د. أيمن رفعت المحجوب