إن مشروع إنشاء العاصمة الجديدة حلا يبدو نموذجيا لمشاكل التكدس العمرانى المستمر والكثافة السكانية المتزايدة وتركيز الخدمات وتدنيها فى حيز ضيق مما أدى إلى انتشار العشوائيات والحوادث بأنواعها المختلفة وتشوه التراث المعمارى والجمالى بالمدن المصرية، ولكن هناك آليات ضرورية يجب اتخاذها بعين الاعتبار قبل القدوم على إنشاء المدينة الجديدة لإنجاحها وتحقيق الهدف منها وإلا أصبحت مثل باقى المدن الجديدة المهجورة. فتقول الدكتورة سهير حواس عضو مجلس إدارة التنفيذ الحضارى واستشارى المشروع بمحافظة القاهرة إن الخروج من القاهرة وإنشاء عاصمة او مدينه جديدة امر حتمى ،لكنه ليس حلا سريعا وإنما هو حل طويل الأجل للجيل القادم خلال 50 سنه قادمة لأن علميا وعمليا لا تكتمل مراحل النمو الطبيعية لأى مدينة جديدة والوصول لأكبر معدلات التنمية فيها إلا بعد 30 عاما من إنشائها ، وأكبر دليل على ذلك المدن الجديدة المقامة والمهجورة حاليا مثل مدينة بدر والشروق والسادات والقاهرة الجديدة وأكتوبر والعبور وهى مدن صحراوية معزولة طاردة للسكان ليس بها اى عوامل جاذبة مثل القاهرة التى تعانى من تضخم مستمر ونزيف من التدفق السكانى وهذه المدن أنشأت بدون خطة وخريطة واضحة للإصلاح والتنمية السليمة وتفتقر لمعظم الخدمات الحقيقية، فلا يوجد بها فرص عمل ولا خدمات صحية جيدة ولا مواصلات عامة وجماعية ولا طرق آمنه ولا مستوى تعليمى راقى ولا ثقافى ولا ترفيهى ولا تخطيط عمرانى تراثى مبدع ولا تخضع لأى اشتراطات معمارية وإنما أنشئت بدون هوية ولا شخصية تميزها عن غيرها فالكل بلوكات خرسانية موحدة مخالفة للقواعد العمرانية لافائدة منها . إصلاح المدن المهجورة وتستطرد استشارى المشروع بالمحافظة حديثها قائلة :" نحن بحاجة إلى تنظيم عدة مؤتمرات عالمية ندعو إليها جميع الخبراء والمتخصصين الذين ساهموا فى إنشاء هذه المدن الجديدة الناجحة للاستفادة من التجارب العالمية بإيجابياتها وسلبياتها لأخذها في الاعتبار وعرض وجهات النظر المختلفة أمام الجميع حتى لا تكون الخطة نمطية ، ثم نبدأ فى تنفيذ الخطة الاستراتيجية التنموية بالتوازى "بمعنى تنمية جميع المدن بمحافظات مصر على التوازى وأن تتساوى الخدمات والقوى الاقتصادية ومستوى التعليم والصحة والترفيه وفرص العمل فلا نهتم بمدينة دون أخرى ولا يعنى ذلك إهمال القاهرة الحالية وأن نبدأ من الصفر فى إنشاء مدينة جديدة ، فالأسهل أن نقوم بتنمية المدن والمحافظات القائمة حاليا أبدى من بناء مدينة جديدة نبذل فيها كل الجهود الاقتصادية والمعنوية . وتقترح الدكتورة سهير التركيز إحياء وإصلاح المدن الجديدة المهجورة والقائمة بالفعل بإعداد مسابقات للإبداع والتطوير و المحافظة على التراث سواء بالمبانى والشوارع والطرق والميادين وهو ما يخلق روح التنافس بين المستثمرين فى كل مدينه على حدة ، أما باقي المحافظات والمدن القديمة فلنا تجربة مستشفي الدكتور مجدى يعقوب بأسوان ومركز الدكتور غنيم المنصورة فلم يفكرالطبيبان العبقريان فى خلق خدمة صحية متميزة فى القاهرة وإنما أرادا تنمية أماكن بعيدة لتنشيط السياحة العلاجية الداخلية والخارجية مشيرة إلى أنه كان على الدولة استكمال هذه التنمية بالاهتمام بالفنادق وباقى الخدمات المكملة لتطوير المحافظتين أما بالنسبة لتجارب المدن الجديدة العربية والأوربية فلكل بلد رؤيتها النابعة من طبيعة مشاكلها وما تحتاجة منها والهدف من إنشائها ، فمثلا دبى أنشاءت مدينة جديدة بهدف التفوق والإبهار لتعبر عن الثراء والغنى والقوة الاقتصادية الرهيبة ، بينما انفردت القاهرة عن كثير من عواصم العالم لاحتوائها على جميع الخدمات السياسية والاقتصادية والإدارية والثقافية والقضائية ، فعلى سبيل المثال لا الحصر تمثل واشنطن العاصمة السياسية للولايات المتحدة ونيويورك العاصمة الاقتصادية لها ونيودلهي العاصمة السياسية للهند ، فى حين مومباى العاصمة الاقتصادية لها. الحيز الضيق والمركزية وعلى الصعيد الآخر، يقول عالم العمران الدكتور أبو زيد راجح الرئيس الأسبق لمعهد التخطيط العمرانى فى إحدى محاضراته حول العاصمة الإدارية الجديدة إن الشئون العقارية حصلت على اهتمام بالغ في المؤتمر الاقتصادي وطرحت هناك تساؤلات عديدة حول مصير العاصمة القديمة والجديدة ، وقد جاء المشروع مفاجئاً للجميع دون أن يتعرض لأي مناقشة أو حوار مجتمعى ولم تسبقه دراسات علمية وفنية وافية من الخبراء والمتخصصين فى مجال العمران ، دون أن نعلم جوانبه الإيجابية أو السلبية التي يجب أن يتجنبها المخططون ولكن كل ما نعرفه عنه هو ماكيت لأبراج عالية تعمل عليه شركة عربية إماراتية وسوف يمر ب3 مراحل متتابعة.ويشير عالم العمران إلى أن نجاح هذا المشروع الضخم يتم من خلال وضع خريطة تنموية شاملة متكاملة تمكننا من تحديد مدى جدوى المشروع وأن تتوافر العدالة الإقليمية واللامركزية والعمل على تفكيك مركزية العاصمة. ومن المشكلات العمرانية التى نعانى منها بداية من العصر العلوى حتى الخمسينيات والستينيات وانتهت فى العصر الراهن لتسعين مليون نسمة على مساحة محدودة استنفذ الحيز لعطائه حيث بلغ أعلي درجة من التشبع السكانى وبدأ فى التآكل فالمعدلات السكانية فى العواصم الأوروبية تصل من 8 إلى 10 نسمات فى كل كيلومتر بينما يصل الحال لدينا لوضع مأساوى فحي باب الشعرية يصل فيه عدد السكان إلى 100 ألف نسمة مما ترتب علي هذه المشاكل تآكل المساحات الزراعية أمام الزحف المعارى للقرى والمدن وفقدنا نسبة 35 % من الأراضى الزراعية ولومضينا فى هذا المسار لفقدنا الأراضي الزراعية بأكملها.ومن هنا فالمسألة تتطلب الانتقال الجدى من التنمية على أساس المدينة الى التنمية على أساس الإقليم وعليه ينبغى تقسيم البلاد تنموياً تقسيماً إقليمياً يراعى فيه الأنماط الثقافية والجغرافية والعادات والتقاليد والخصوصية فالإقليم الواحد يضم المناطق التى يجمعها نمط ثقافى وجغرافى وقيم وعادات وتقاليد واحدة. ويضيف الدكتور أبو زيد راجح أنه لعل ما يشجع على حل مشكلة المركزية برنامج الرئيس عبدالفتاح السيسي الذى ينطوى على حل توسعة الظهير الصحراوى للمحافظات ولكن هذا الطموح لم يتحقق حتى الآن في ظل حدود المحافظة فالحيز الجديد المأمول يحتاج للتنمية فيما يحتاج الحيز القديم للترميم وهذا يزيد من الأعباء على كاهل المخططين. ويقترح عالم العمران مخططا استراتيجيا حقيقيا محدد الأهداف ويأتى فى مقدمته التنمية البشرية والاقتصادية القائمة هلى عدالة اجتماعية وإقليمية مع ضرورة إنشاء مجلس أعلى للتنمية يضم أكبر الكفاءات والخبراء فى مجال التنمية بمختلف العلوم الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية والأنثروبولوجيا وغيرها من التخصصات ، كما لابد من تحديد طبيعة التنمية وخريطة للمشروعات الكبرى المتكاملة . وتشير الدكتورة سمية باهى عضو المجلس الاستشارى لتنمية المجتمع إلى أن بالنسبة للمدن القائمة الجديدة مثل مدينة أكتوبر والسادات وبدر والشروق والعاشر من رمضان والعبور لا يقاس نجاحها أو فشلها من خلال فترات قصيرة وإنما نستطيع أن نقول إنها لم يثبت نجاحها أو فشلها نظراً لعدة أسباب منها أسلوب إدارة المدينه نفسها وضعف الخدمات وأهمها المواصلات ، فالنقل الجماعى مثلا كان من أهم أسباب إثبات نجاح مدينة الرحاب سريعا وبالتالى فتوفير الخدمات المتكاملة والنقل الجماعى وأسلوب إدارتها وتحقيق الأمن والسلامة ماهى إلا آليات جاذبة للسكان فى أى مدينة جديدة