ودعت مصر والكنيسة القبطية الارثوذكسية مساء السبت 17 مارس قداسة البابا شنودة الثالث (1923 2012 م) بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ال117 من باباوات وبطاركة الكنيسة القبطية. لقد كان قداسة البابا شنودة الثالث ابنا بارا لآباء الكنيسة المصرية الاولين, هؤلاء الذين عشقوا الوطن مصر من كل قلوبهم مثلما احبوا الكنيسة وأخلصوا لها, لقد كان امامنا وطوال عمره مواطنا مصريا حتي النخاع, ونبتا اصيلا من تراب هذا الوطن, يضرب بجذوره في الأرض المصرية الصلبة, مؤمنا بانتمائه الأصيل للوطن المصري, وكان صاحب القول المأثور الذي صار شعارا لكل المصريين داخل مصر وخارجها, ان مصر ليست وطنا نعيش فيه لكنه وطن يعيش فينا حيث عبر البابا عن ذلك المعني الوطني في اقواله وافعاله, فهو كثيرا ما شجع أبناءه المسيحيين علي الاندماج في انشطة المجتمع المصري والمشاركة في افراحه واتراحه علي حد سواء, كما انه رفض التدخل الأجنبي لحماية اقباط مصر, مؤمنا بان علاج مشكلات الأقباط وهمومهم لابد وان يأتي علي مائدة مصرية خالصة لاتضم سوي المسيحيين والمسلمين من أهل مصر الطيبة. وكان البابا كاتبا مثقفا وشاعر اديبا, موسوعي المعرفة, عرف عنه حبه الكبير للصحافة فكان وهو بعد تلميذ بالمرحلة الثانوية يشارك في تحرير المجلات المدرسية, وبعد تخرجه شارك في تحرير مجلة (مدارس الاحد) منذ اصدارها بالقاهرة عام 1947م كمجلة شهرية, ثم صار رئيسا لتحريرها خلال الفترة الممتدة من سنة 1949م وحتي دخوله الدير بقصد الرهبنة سنة 1954م كما اصدر قداسته مجلة (الكرازة) وهو بعد اسقف للتعليم عام 1965م, وكتب المقالات المتنوعة في عدد من المجلات الدينية, بالاضافة إلي انه كان يكتب مقالا اسبوعيا منتظما في عدد من الصحف, منها جريدة الأهرام وكان قداسته عضوا في نقابة الصحفيين, ودائما ما كان يلقي الصحفيين والإعلاميين بالترحاب الشديد مستجيبا للحوار والنقاش معهم في محبة. لقد ارتبط البابا شنودة الثالث, ومن منطلق ايمانه العميق بالانتماء للوطن مصر, بالعديد من القضايا المصرية والعربية, فمن ذلك انه كان يدعو في عظاته ومحاضراته وكتاباته إلي نشر قيم المحبة والسلام والتسامح والاخاء. وكان قداسته يشجع الحوارات الإسلامية المسيحية التي تبحث وتتناول القيم والفضائل المشتركة بين المسلمين والمسيحيين من أجل مزيد من سبل دعم العيش المشترك بين ابناء الوطن الواحد, اذا كان يكن كل الحب والاحترام لكل الأديان ومنها بالطبع الاسلام وذلك انطلاقا من ايمانه العميق بحرية الاعتقاد, بالاضافة إلي ايمانه بنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر واحترام التعددية والتنوع. كما كان قداسته علي علاقة طيبة بمسئولي الدولة, ولعله الأمر الذي تنادي به الكنيسة القبطية منذ تأسيسها في القرن الأول الميلادي علي يد القديس مرقس الرسول, ذلك ان الكنيسة القبطية في صلواتها اليومية تصلي من أجل الرئيس والوزراء والجند, كما تصلي من أجل مياه نهر النيل وأهوية السماء والزرع وثمار الأرض والحيوانات وكل دابة علي أرض الوطن بل ومن اجل اليتيم والغريب والارملة والضيف انطلاقا من كونها اجتماعية متفاعلة مع المجتمع. والبابا شنودة وكما هو معروف عنه كان يناصر القضية العربية الأم, مؤيدا الحق الفلسطيني في عودة اراضيه السليبة وحقوقه الضائعة, وليس بعيدا عنا ذلك المؤتمر الذي عقده قداسته في مقره بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتأييد الفلسطينيين والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات, مثلما ليس خافيا موقف البابا الخاص بعدم دخول الأقباط القدس إلا وايديهم في ايدي مواطنيهم المسلمين. إلي فردوس النعيم سيدي قداسة البابا شنودة الثالث, واثقين انك ستداوم الصلاة في السماء من أجل الكنيسة المصرية والوطن مصر.