يعترف الروائى والأديب حمدى الجزار أن كل كتبه ورواياته لا تتحدث سوى عن الحب، وبها نساء كثيرات للغاية ، لأن الحياة الإنسانية لا يمكن تصورها بلا حب وبلا نساء، وهكذا الروايات أيضًا. من أعماله: «سحرٌ أسْود» و«لذَّات سرِّية» و«كتَاب السُطور الأَربَعة»، و«الحريم» و«الحالمون في ثورة». والجزار فاز مؤخرا بجائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب عن رواية «الحريم» ، كما نال من قبل جائزة مؤسسة ساويرس للأدب. ترجمت أعماله إلى الإنجليزية والتركية والفرنسية والتشيكية . وحول تجربته الإبداعية وتأثرها بدراسته لعلم الفلسفة والجمال كان هذا الحوار : بداية .. هل انعكست دراستك لعلم الفلسفة على أعمالك الأدبية ؟ تخرجت فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة في مايو1992، وكنت على وشك الانتهاء من رسالتي للماجستير حين تركتها، وكرست نفسي للأدب، لكن الفلسفة باقية في تكويني بقاء الماء في الجسم البشري، وكذلك في أعمالي الأدبية. حين تركت دراستي الأكاديمية صرت أرى الفلسفة حية أكثر، صرت أرى أن الفلسفة هي المبدأ الذي يمكن أن يُرد إليه سلوك الفرد والجماعة، أي الرؤية والأفكار والمفاهيم التي تشكل وعي، كل واحد من البشر، وتحكم سلوكه واختياراته، أما الأدب فهو تجسيد ذلك كله بأدوات الفن وجمالياته. والرواية على وجه خاص هي أقرب أشكال الأدب للفلسفة، فموضوعاتها هي موضوعات فلسفية أيضًا، أعني الوجود الإنساني، والحرية والعدل والعشق والسعادة والموت. ووسيلة الرواية هي التجسيد عبر أدواتها الفنية من شخصيات وحدث وتشكيل وبناء.. بينما تتعامل الفلسفة مع المجردات. وفي أعمالي دارسون للفلسفة وموضوعات فلسفية. في «لذات سرية» يتوق بطل الرواية ربيع الحاج، دارس الفلسفة، إلى الخلاص من الخوف، وإلى الحرية واختيار مصيره بنفسه. وفي «الحريم» يعد سيد فرج رسالة ماجستير في الفلسفة، وفى الرواية تجسيد لدراسة الفلسفة في كلية الآداب، وشخصيات من الأكاديميين كالدكتور رياض عارف. وعملي «كتاب السطور الأربعة» يجمع بين الشعر والسرد والفلسفة والتصوف. رؤيتك وأعمالك تبرز روافد ثقافية ومعرفية خاصة تميزك عن أبناء جيلك من الأدباء ..حدثنا عنها. مثل بحيرة عظمى تسعى إليها أنهار كثيرة هو يكون كل فنان ومبدع. وأعتقد أن الأنهار التي سقيت منها متعددة وكثيرة، منها: حضارة مصر القديمة وآدابها، حكمة الشرق وأديانه، التراث الشعري والصوفي العربي، الفلسفة اليونانية والمعاصرة، المنجز الأدبي الغربي والشرقي.. كل هذه الروافد موجودة وبارزة في رؤيتي وأعمالي. ما سر اهتمامك بالكتابة عن النساء ؟ عندما كنت في العشرينيات من عمري أدهشني اكتشافي أنه لا توجد رواية أو فيلم أو مسرحية بلا قصة حب، وبلا وجود لامرأة! فكل الروايات والأفلام والمسرحيات تقوم على وجود علاقة حب، بين رجل وامرأة، حتى لو كان موضوع الرواية أو الفيلم هو الحرب والكراهية والعنف! قلت لنفسي هذا اكتشاف عظيم! عليك الآن أن تأتي بالجديد، أي أن تكتب رواية ليس فيها امرأة ولا قصة حب! حتى اليوم لم أوفق في ذلك، بل كل كتبي ورواياتي لا تتحدث سوى عن الحب، وبها نساء كثيرات للغاية. تعرف لماذا؟ . الأن الحياة الإنسانية لا يمكن تصورها بلا حب، وبلا نساء، وهكذا الروايات أيضًا. عنوان روايتك الأخيرة «الحريم» يراه البعض صادما الى حد ما وبه نغمة تحقير للمرأة ..ما رأيك ؟ عنوان الرواية هو الكلمة العربية الفصيحة «الحَرِيمُ». وفى لسان العرب تحت حَرَمَ نجد الآتى: - الحَرِيمُ ما حُرِّمَ فلم يُمَسَّ. الحَريمُ الذي حَرُمَ مسه فلا يُدْنى منه. - وحَرَمُ الرجل وحَريمُه: ما يقاتِلُ عنه ويَحْميه. - والحَريمُ قَصَبَةُ الدارِ، والحَريمُ فِناءُ المسجد. وفى«مقاييس اللغة«: والحريم حريم البئرِ، وهو ما حَولَها، يحرَّم على غير صاحبها أن يحفِر فيه. ولعلك ترى معى، بعد هذا الإيضاح، أن كلمة« الحَرِيم« لها معانٍ ودلالات متنوعة ورفيعة، والإشارة بهذه المفردة للمرأة فيه تكريم وتشريف، ولا تقليل فيه من شأن النساء على الإطلاق، وإنما استخدامها في العصر العثماني ألقى عليها ظلالاً سلبية. وفى المناطق الشعبية والصعيد تستخدم الكلمة بلا دلالات سلبية، والصفة «حريمي» ليس فيها ما يشين الملابس فى المتاجر مثلاً، وكما ترى «الحَرِيم» تعنى الشريك والصديق أيضًا، كما إنها تشير إلى المكان ذي الحرمة كالحرم المكي، والحرم الجامعي، والمكان الذي يجب الدفاع عنه ضد منتهكيه، فهي مفردة ثرية في رأيى. وأنا أستعملها كعنوان لروايتي بكل هذه المعاني مجتمعة! لماذا اخترت أسماء النساء عناوين لفصول العمل ؟ رواية «الحريم» هي رواية شخصيات نسائية، سبع عشرة شخصية، هن البطلات، المستوليات علي المسرح الروائي، والمساحة، صانعات الحدث والحكاية، كل واحدة منهن لديها اسم وحضور وتفرد خاص بها، كل واحدة منهن لها فصل باسمها: روحية، زبيدة، كريمة..وتظهر في فصول أخرى، ، والرجال في الرواية وفي الحيّ، حي طولون، رغم كثرتهم وتسلط بعضهم إلا إنهم عابرون في الفصول, هي رواية«هن»بامتياز, فوجب أن أسمي الفصول بأسمائهن»! فى روايتك الثانية «لذات سرية» ثمة هروب من الواقع إلى داخل الذات الإنسانية..فما هى الرسالة المقصودة ؟ «لذات سرية» هي قصة الهروب من الخوف، قصة التحرر من الجزع والهلع أمام الموت. «ربيع الحاج» وقع في غرام نشوى، زوجة الضابط السادي، وينتظر القتل عبر كل صفحة في الرواية، أحيانًا كان يهرب من خوفه إلى العالم الخارجي حيث يجد أصدقاءه ولذاته العابرة، وأحيانًا إلى داخل نفسه, وفي الداخل يواجه ذاته التي تقرر في نهاية المطاف أن تواجه مصيرها بشجاعة، وأن تتمسك بالأمل والحب حتى النهاية ولو كان فيهما هلاكه. صنف النقاد روايتك «سحر أسود» أنها تحمل ملامح الكثير من الأنواع الأدبية ..فهل قصدت هذا ؟. ولماذا ؟ «سحر أسود» هي روايتي الأولى المنشورة، قبلها أتممت مخطوطي روايتين دون أن أنشرهما، ربما هي كما تقول، أنا قصدت أن أبدع رواية لا أخجل من نشرها، رواية جميلة، استغرق الأمر نحو خمسة عشر عاما حتى نشرت «سحر أسود»، التى وهبتني الثقة في قدرتي على كتابة رواية جميلة. أما التقنيات الفنية فيها فهى إجاباتى عن سؤال ماذا تكون الرواية الجميلة؟ وكيف تكتب؟ سحر أسود هى إجابتي الأولى على هذه الأسئلة، وليراها النقاد والقراء كما يشاءون. و«كتاب السطور الأربعة» اختلف النقاد أيضا حول تصنيفها الأدبى ..فكيف تصنفها أنت ؟ «كتاب السطور الأربعة» هو عملى الأدبى الفريد فى تجربتى ككاتب حتى اليوم، لا أريد أن أضع عليه لافتة أو أمنحه تصنيفًا أدبيًا من عندى، لهذا أصدرته فى جزءيه بدون تقرير تصنيفه، وفى الوقت ذاته ليس لدى رفض لأن يصفه النقاد أو القراء بأنه شعر، رواية، رباعيات، تصوف، فلسفة.. هو كل ذلك، فيه من هذا كله، وهو عملى فريد الشكل، الذى قوامه «سطور أربعة» فقط، وعبرها تم بناء العمل الضخم كله فى جزءيه. وهو تجربتى الروحية والإبداعية التي غمرتنى بإشراقاتها كإنسان قبل أن تغمرنى ككاتب.