بعد سنوات طويلة من المفاوضات بين ايران ومجموعة 5+1 التى ضمت الولاياتالمتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا، تم اعلان التوصل إلى اتفاق على المعايير الأساسية لاتفاق الاطار النووى الايرانى. الاتفاق الاطارى لا يزال يحتاج الى تفاصيل يجب الاتفاق عليها حتى 30 يونيو المقبل ومن بينها مصير مخزون اليورانيوم الأعلى تخصيباً الذى لدى ايران، وما هى الجوانب التى ينبغى لايران الكشف عنها فيما يتعلق بأبحاثها النووية وكيفية الوصول اليها. هكذا نرى أن الاتفاق لم يعكس الموقف الأمريكى الذى كان مطروحاً والذى استهدف حرمان ايران من البنية التحتية للبرنامج النووى، الا أن ما تم هو الموافقة على احتفاظها بهذه البنية واستمرار أبحاثها لتطويرها مع تقييد استخدامها لما تتوصل اليه من تكنولوجيا متطورة لمدة عشر سنوات، أى أن الهدف الأمريكى لمنع ايران من امتلاك برنامج نووى تحول الى تقييد قدرات ايران على تطوير هذا البرنامج مع تمتعها ببنية تحتية وقدرات بحثية ووضع عوائق وقيود تحول دون وصولها للعتبة النووية من خلال مؤشرات تنذر بأى جهد ايرانى بهذا الخصوص، وذلك اعتراف أمريكى بأن هذا هو أكبر ما يمكن الحصول عليه من خلال المفاوضات المحاطة بضغوط سياسية وأربع حزم من العقوبات الاقتصادية شلت تقريباً القطاعات الحيوية فى الاقتصاد الايرانى، وتؤكد فى الوقت نفسه بأن الادارة الأمريكية لا توجد لديها أى نية أو توجهات للخيار العسكرى تجاه ايران وبرنامجها النووى وأن ما حدث هو أفضل الحلول الممكنة لأزمة النووى الايرانى، طبقاً لهذه المعايير الاتفاق النووى الايرانى لم يعالج قضايا رئيسية كانت الادارات الأمريكية المتعاقبة تعتبرها قضايا استراتيجية حاكمة فى العلاقة مع ايران وأهمها، الأنشطة الاقليمية لايران التى تزعزع الاستقرار الاقليمى وبرنامجها للصواريخ الباليستية وكذلك ما سمته تلك الادارات بدعم ايران للارهاب. الملاحظ أنه قد سبق توقيع الاتفاق نوع من التحول فى الرؤية الأمريكيةلايران ربما تمهيد له، حيث تجاهل التقرير الأخير للمخابرات الأمريكية الاشارة الى دور ايران فى دعم الارهاب، كما بدا الحديث عن تعاون فى مواجهة داعش (رسالة أوباما لخامنئى) أى تعاون فى قضايا اقليمية، وبدلاً من مواصلة الجهود لارغام ايران على القيام بتغييرات استراتيجية فى سياستها الاقليمية، يحدث نوع من التحول الاستراتيجى الأمريكى والتمهيد لنوع من التعايش والقبول لبعض مسارات حركتها خاصة فى العراق. الحقيقة فان الاتفاق يثير قضيةايران ما بعد النووى وبما يتيحه لها الاتفاق من شرعية دولية كانت تفتقدها، وكذلك الخروج من الحصار الدولى وانفتاحها اقتصاديا على دول العالم والسماح لها بتطوير قدراتها الاقتصادية وخاصة فى مجالات البترول والغاز. والسؤال هنا كيف تتعامل مصر مع هذا الواقع الجديد، من الثابت أن المنطقة مقبلة على تنافس اقليمى من جانب القوى الرئيسية فيه وعلى رأسها تركياوايران وأن استعادة مصر لدورها الاقليمى سوف يكون محكوماً بقدرة مصر على التعامل مع هذا التنافس ومواجهة سعى كل منها لصياغة تحالفات مشتركة تكفل لأى منها النفوذ والتمدد على حساب الأطراف الاقليمية الأخرى، ولعله من المفيد على هذا المستوى النظر فى الاعتبارات التالية: أن صيغة التحالف المصرى الخليجى هى الاطار الذى يمكن أن يسهم فى دعم الاستراتيجية المصرية بهذا الخصوص على أن تكون مصر طرفاً رئيسياً، له رؤاه طبقاً لمصالحه مع توسيع مساحات الاتفاق وتضييق مجالات الاختلاف. ادراك أن ايران دولة اقليمية لها مصالحها ولها الحق فى السعى للحصول عليها، على ألا يكون ذلك على حساب الأمن القومى العربى أو الخليجى أو المصرى بصفة خاصة وأن التعايش والتعامل مع ايران يجب أن يكون على أساس تلك القاعدة وأن الاتفاق النووى مع ايران لا يعنى تلقائياً خروج مارد ايرانى فجأة ليفرض هيمنته على المنطقة، فالتقديرات العسكرية المحايدة تشير الى محدودية القدرات العسكرية الاستراتيجية الايرانية قياساً بما لدى دول المنطقة. أن ايران حققت نموذجاً مبكراً للتصنيع العسكرى ولاشك أن مصر ودول الخليج لديها من الخبرات التكنولوجية والاقتصادية ما يمكن أن يتجاوز القدرات الايرانية بهذا الخصوص. أن القلق من استثمار ايران لأوراق المساومة فى الملفات الملتهبة فى المنطقة يتطلب بداية توحيد وجهات النظر والرؤى بخصوصها دون محاولة أى طرف من دول التحالف فرض وجهة نظره فى ملفات لا تمس أمنه بصورة مباشرة، وعلى أساس خطوط عريضة لسياسات حاكمة وليس بمبادرات منفردة واخطار الأطراف الأخرى. من المفيد لمصر ودول المنطقة عدم تصاعد النغمة المذهبية، ورغم أن محور الحركة الايرانية فى ملفات المنطقة يستند الى دعاوى مذهبية ومن خلال كتل وتيارات مذهبية ترتبط بها، الا أن تجاوز ذلك يسهم فى تحصين الجبهات الداخلية فى دول الخليج، ويعيد التنافس والصراع الى أبعاده السياسية. أن الولاياتالمتحدة لن تمارس أى سياسة لاحتواء ايران، خلال المرحلة المقبلة بل إنه من المرجح أن تسعى للاستفادة من قلق دول الجوار من تحركاتها المستقبلية فى اقناعها بمزيد من عقود التسليح. وبصفة عامة يجب ادراك أن كلاً من تركيا واسرائيل يتحسبان من الخروج الايرانى من الحصار والعقوبات، وكيفية تضييق المساحة أمام الحركة الاقليمية لايران وهو متغير يمكن أن يسهم فى جانب منه فى اتاحة مزيد من الفرص للدور الاقليمى المصرى، كما أن سعى مصر لتطوير علاقاتها بدول اقليمية لها وزنها وهناك نوع من التنافس بينها وبين ايران فى مناطق أخرى يمكن أن يوفر لمصر أوراقا للتعامل مع ايران، خاصة كل من الهند وباكستان. ولاشك أن قيام مصر بمبادرات لحل الأزمة السورية المعقدة ربما بالتنسيق- مع دول الخليج ومن خلال حوار مع جميع أطراف الأزمة ربما تؤثر فى النهاية على أحد الأوراق الاقليمية لايران. ان مصر مطالبة بتعميق وتفعيل تحالفها مع دول الخليج العربى فى مواجهة أى قلق من السياسة والتحركات الايرانية سواء فى الخليج أو الدوائر المحيطة به، ليس لاعتبارات أخلاقية ولكن طبقاً لمتطلبات الأمن القومى المصرى الذى يعتبر الأمن فى الخليج مكوناً رئيسياً له، وكذلك طبقاً للمصالح الحيوية الاستراتيجية المصرية. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات