طالب يخرج للعلم فيعود لأسرته جثة هامده وآخر يعود بجسده لكن بلا روح...هذا هو حال طلاب هذا العصر. وأنا أبحث عن الراحة النفسية وسط ضغوط الحياة المختلفة قادتني قدماي إلي أحد النوادي الرياضية صباحاً لعل ندي الصباح يغسل قلبي وعقلي، وبينما كنت أبحث عن الجمال وجدت وسط صفاء الطبيعة ريش كثير مُلطخ بالدماء، حاولت الهرب بنظري بعيدا لكني فشلت لقد وجدت صاحبة الدماء! حمامة صغيرة يأكلها غراب أسود ويلهو بيها وكأنه يرقص من فرحة الانتصار بقتلها. لم أستطع النظر طويلا علي هذا المشهد الدموي.. أخذت أهرب سريعا في الاتجاه الآخر فسمعت صوتا يقول:" بتجري ليه تعالي اتفرجي معايا" نظرت إلي صاحب الصوت لأجده شاب في مُقتبل العمر تحمل ملامحه هموم رجل كبير، كان مبتسم لكنك تري دموعه خلف قضبان هذه الابتسامة المصطنعة، يمسك بيده ريشة من بقايا تلك الحمامة البائسة و كتب بدمائها جملة "مش حاسس بقيمتي" . جلست بجانب هذا الشاب الغريب وأنا أتسأل داخل نفسي ما سر هذه الجملة التي تحمل بين حروفها مرار ووجع يفوق مقدرة شاب في مقتبل العمر؛ نظر إلي الشاب وضحك بصوت مرتفع وقال لي بسخرية: " انتِ قلبك ضعيف قوي، مالك مستغربة كدا ليه.. مش قادرة تشوفيها بعد ما أكلها الغراب أمال تعملي أيه لو من الأول كنتي معايا وأنا بتفرج علي الغراب من لحظة ما أصطادها لغاية ما أكلها بلا رحمة ولا شفقة...بتفرج علي الرغم من أني لو كنت قومت هشيت الغراب كان ممكن يخاف والحمامة تهرب." نظرت للشاب بحيرة وفي عيني مليون سؤال.. وضع الشاب الكبير عينيه في الأرض وقال: "لان فاقد الشيء لا يعطيه...ازاي وانا مش حاسس بقيمتي أحافظ علي أي شيء مهما كانت قيمته...ما فيش أرخص من كدا ...صح" عندما سألته من أين هذا الإحساس القاتل صمت قليلا محاولا الهرب لكنه أستسلم في النهاية للإجابة عندما انهارت قضبان الدموع المختبئة..."أنا كنت أعرف يارا طالبة الجامعة الألمانية...بقدر ما صدمني الخبر وازاي الإهمال وصل لهذا الحد هز كياني ردود أفعال بعض المسؤولين ورؤساء الجامعات الخاصة الكل أكد أن هذا حدث فردي...أحدهم قال بالنص «يارا» ليست ظاهرة حتى يمكن اعتبارها إهمالاً أو محاولة قتل عمد، وإنما هي «قضاء وقدر»...أنا كمان سبت الغراب يأكل الحمامة وينهش في لحمها ودا قضاء وقدر...لما كنت بسمع علي حوادث الأطفال في المدارس الحكومية كنت بقول دا اهمال نتيجة لقصور في المسألة المادية، لكن الموضوع طلع عدم وجود قواعد وضمير"... ثم سكت الشاب لوهلة وقال :"ولان حادث يارا كان فردي غير متكرر سمعت اليوم قبل حادث الحمامة مصرع صديقي أحمد الطالب في السنة الأولي بكلية هندسة القاهرة...أحمد كان أحسن واحد فينا، شاب ملتزم ومحب للحياة نهايته كانت تحت عجلات أحدي السيارات أمام الجامعة...صعب عليه قوي أعيش كل الأحداث دي في أسبوع واحد.. أنا شوفت دم يارا وسمعت خبر أحمد... بعد ثواني انتفض الشاب من مكانة وهو يردد أنا ذات قيمة ..أنا ذات قيمة واخذ يلملم ما تبقي من الحمامة بحنان ليدفنه في باطن الأرض خوفا عليها من نهش الغراب لم أجد ما أقوله لهذا الشاب سوي مساعدته في دفن الحمامة القتيلة.... [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل