تأتى انتخابات الكنيست الإسرائيلى هذه المرة فى ظل تراجع الاهتمام العربى والدولى بالقضية الفلسطينية، نتيجة طغيان ظاهرة الإرهاب وانعكاسه على المشهد السياسى الإقليمى والعالمي. وتعد القضية الفلسطينية القاسم المشترك على أجندة معظم الأحزاب المتنافسة لما لها من انعكاسات على الأوضاع فى الداخل الإسرائيلي، فى محاولة منها لكسب تأييد الناخب، وتوجيه ضربات استباقية للأحزاب الأخري. فى الوقت نفسه، تشهد العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية توترا شديدا عقب تجميد المفاوضات، بسبب تعنت ومماطلة حكومة بنيامين نيتانياهو اليمينية فى قبول المطالب الفلسطينية، وهو ما دفع السلطة الفلسطينية إلى الذهاب لمجلس الأمن الدولى بمبادرة تدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين والانسحاب الإسرائيلى من كل الأراضى الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 بما فيها القدسالشرقية، وتقديم طلبات الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما اعتبرته إسرائيل خطوات أحادية الجانب. وما زاد الأمور تعقيدا اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين مما شكل ضغطا مضاعفا على تل أبيب. وردا على ما قامت به السلطة أقدمت إسرائيل، فى خطوة انتخابية صرفة، على تنفيذ تهديداتها بوقف تحويل أموال الضرائب البالغة 125 مليون دولار من المستحقات الماليةالفلسطينية شهريا والتى تجمعها لحساب السلطة الفلسطينية كما جرت العادة نهاية كل شهر وذلك منذ يناير الماضي. وتعتبر هذه الأموال موردا حيويا للسلطة الفلسطينية، لأنها تشكل أكثر من ثلثى ميزانيتها، ومن خلالها تسدد رواتب أكثر من 180 ألف موظف وهو ما تسبب فى أزمة مالية حادة نتيجة عدم تسلم موظفى السلطة رواتبهم منذ ديسمبر الماضي. ويعلم نيتانياهو أن أى تراجع عن هذه الخطوة فى هذا التوقيت سيكون بمثابة هدية على طبق من ذهب لمنافسيه فى الانتخابات. لذلك فهو يتجاهل تحذيرات من قادة الجيش والمخابرات من أن عدم تسلم ضباط الأجهزة الأمنية الفلسطينية وأفرادها رواتبهم قد ينعكس سلبا على أدائهم الأمنى فى الضفة الغربية. وفى هذا السياق جاءت اجتماعات المجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية برام الله وسط مقاطعة حركتى حماس والجهاد الإسلامي، لبحث مستقبل العلاقة مع إسرائيل والاتفاقيات الانتقالية الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل بما فيها التنسيق الأمنى والعلاقات الاقتصادية. وفى ختامها أعلن المجلس المركزى وقف التنسيق الأمنى مع الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن أى مشروع قرار لمجلس الأمن يجب أن يتضمن الانسحاب الكامل من الأراضى المحتلة عام 1967، مشيرا إلى رفضه مشروع الدولة اليهودية. وفى تعليقه على قرار المركزى الفلسطينى قال عاموس هرائيل المحلل العسكرى فى صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية إن قطع التنسيق الأمنى يعنى تصعيداً محتملاً فى الضفة الغربية وإسرائيل، والمزيد من أعمال العنف، لكنه لم يستبعد تراجع الجانب الفلسطينى "ولو مرحلياً" عن القرار مقابل توفير دعم مالى يتيح للسلطة دفع رواتب موظفيها. ومن جانبهم، حذر محللون فلسطينيون من أن الانتخابات الإسرائيلية ستؤثر بالسلب على القضية الفلسطينية، وذلك لهيمنة اليمين الإسرائيلى المتطرف وسيطرته على الكنيست بجميع أحزابه ودعمه لنيتانياهو، وأن فترة ما بعد الانتخابات لن تشهد تغييرا واضحا فى التعامل تجاه قطاع غزة أو الضفة، لأن اليمين المتطرف سيستمر فى الهيمنة على الكنيست لسنوات طويلة. ويرى المحللون أيضا أن بعض المسئولين بالسلطة يفضلون التركيبة الحالية للحكومة برئاسة نيتانياهو وبمشاركة زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيجدور ليبرمان وزعيم حزب "البيت اليهودي" نفتالى بينيت، لأنها تصب فى نهاية المطاف لمصلحة الفلسطينيين نتيجة سياسات نيتانياهو وليبرمان الحمقاء، وبعد تصريحات الأخير بشأن خطواته عقب الانتخابات والمتمثلة بسن قانون يقضى بإعدام الأسري. بينما الفريق الآخر ومن ضمنه الرئيس محمود عباس يأمل فى فوز المعسكر المعارض بقيادة هيرتسوج وتسيبى ليفني، لاعتقاده أنهما فى حال فازا فإن إسرائيل ستكون مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات.