تجدد الحديث في الآونة الأخيرة عن قضية الكابلات البحرية الناقلة لخدمات الاتصالات والإنترنت التي تعمل بالأراضي المصرية, ويدور هذا الحديث همسا,ويتناول موافقات صدرت بشأن أشياء كانت مرفوضة في الماضي ويشير إلي أن هناك أطرافا استطاعت أن تحصل خلال الفترة الانتقالية التي تمر بها البلاد علي ما لم تستطع أن تحصل عليه قبل الثورة للأسف, وبعيدا عن مدي صحة الهمس, وما تلوكه بعض الالسن في هذه القضية حاليا, فما استطيع قوله أن طيور الظلام لاتزال تغرد وتمرح بصورة واضحة في هذا المجال, وأننا كمواطنين لا نزال آخر من يعلم, بل الأدق أننا كنا ولا نزال لا نعلم بما يجري. لقد تناولت هذه القضية تفصيلا في عشرة مقالات نشرت خلال الفترة من مارس إلي مايو 2008 في عز سطوة نظام مبارك وخضوع هذا القطاع لاستراتيجية كان وراءها أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق وطارق كامل, وزير الاتصالات الأسبق وعمرو بدوي, رئيس جهاز تنظيم الاتصالات الحالي, وعقيل بشير, رئيس الشركة المصرية للاتصالات الحالي, ومن حولهم مجموعة رجال أعمال مصريين علي رأسهم نجيب ساويرس ورجال أعمال عرب بينهم بعض أمراء الخليج, وجري في هذه المقالات سجال عنيف بين عدة اطراف حول واقع الكابلات البحرية في مصر, واليوم لن أخوض فيما يثار حول ما وقع بعد الثورة من تطورات, لأن حقيقة ما وقع لم تتضح بالضبط بالنسبة لي علي الأقل, لكنني سأتناول الأمر من الزاوية التي أراها ثابتة قبل الثورة وبعدها, وهي أن بيزنس الكابلات البحرية لايزال علي حالته كساحة تمرح فيها طيور الظلام التي لا يعرف أحد إن كانت تخطيء أم تصيب, تهدم أم تبني, تفرط أم تمسك, تنهب أم تصون, ومرجع ذلك هو حالة عدم الشفافية التي تكتنف ما حدث في الماضي, وما يدور في الحاضر وما سيحدث في المستقبل. يتكون بيزنس الكابلات البحرية في مصر من كابلات دولية تستخدم الأراضي أو المياه الاقليمية المصرية كمعبر تنتقل خلاله من شرق العالم لغربه ومن جنوبه لشماله, وكابلات تبدأ من الأراضي المصرية وتنطلق إلي مناطق اخري من العالم مرورا بالمياه الدولية أو ببعض الدول الأخري, والوضع حتي الآن كالتالي: - مجموعة الكابلات المارة عبر الأراضي المصرية تضم كابل سي مي وي4- كابل سي مي وي3- كابل فلاج- كابل تايكو- كابل أليتار- كابل تمتلك فيه المصرية للاتصالات حصة قدرها خمسين مليون دولار ويربط بين بريطانيا والهند- كابل جلوبال كروسنج وهذا مختلف علي وجوده بين الخبراء من ناحية والحكومة من ناحية أخري, وجميعها آتية من الشرق الهند والخليج ويتجه للغرب في أوروبا وأمريكا- كابل بورسعيد مارسيليا, وهذا أعلنت عنه شركة المانيا أمريكية ونفي جهاز تنظيم الاتصالات وجوده. - مجموعة الكابلات التي تنطلق من الأراضي المصرية, وتضم كابل الشركة المصرية للاتصالات تي إي نورث بتكلفة استثمارية 150 مليون دولار, وكابل مملوك لتحالف يضم عدة شركات تحت اسم الشركة العربية للكابلات البحرية بإجمالي استثمارات تصل في المرحلة الاولي الي 120 مليون دولار, وكابل شركة الشرق الاوسط للكابلات البحرية التي تمتلك اوراسكوم تيليكوم الحصة الاكبر فيها واستثماراته 350 مليون دولار. وتتمحور الأمور التي يلفها الغموض في هذه القضية ووقع بشأنها الخلاف والجدل في عام 2008 في نقطتين: الأولي قيمة العائد المتحقق للخزانة العامة المصرية من وراء هذه الكابلات سواء بالتمرير عبر الأراضي المصرية أو الانطلاق منها, والثانية الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في هذا القطاع وجدواها, وقد كانت هناك وجهات نظر متباينة في هذا السياق بين كل من الحكومة والخبراء المستقلين الذين كان في مقدمتهم المهندسان نايل الشافعي وعمرو موسي, ففي قضية العائدات علي سبيل المثال قدر المهندس نايل الشافعي قيمة الرسوم التي يجب تحصيلها من الكابلات المارة بالاراضي المصرية كالتالي: 1-10 آلاف دولار مقابل مد الكابل و3600 دولار لكل دائرةSTM-1 مضاءة تمر عبر مصر كل سنة. 2- رسوم مرور وصيانة تشمل120 ألف دولار لكل ميل مقابل حق استخدام غير قابل للنقض لمدة20 عاما, ورسوم المرور في حرم محمية طبيعية أو منطقة أثرية, وتبرع لمجهودات الحفاظ علي البيئة. 3- رسوم محطات الإنزال والتكرار وتتضمن مليون دولار مقابل الترخيص لكل محطة إنزال تدفع مرة واحدة, والحق في استخدام3% من شعرات الألياف الضوئية غير المضاءة بالكابل. 4- رسوم الصيانة وتشمل وديعة قدرها 20 مليون دولار طوال فترة وجود الكابل و5% من إجمالي الدخل المترتب من تمرير الكابل وحق استخدام5% من شعيرات الألياف المضاءة للمدارس والمستشفيات والشرطة, ورسم صيانة سنوي قدره2.05 دولار للقدم الطولي. 5- الضرائب الوطنية والبلدية علي الجهة المالكة أو المشغلة للكابل وتشمل رسم وطني: 3% من إجمالي الدخل ورسم إقليمي للمحافظة:2% من إجمالي العائدات من مبيعات الكابل المارة من خلال محطة الإنزال بالمحافظة. وقدر نايل الشافعي إجمالي دخل مصر من تعريفة مرور الكابلات المقترحة بحوالي 750 مليون دولار عام 2008 تصل إلي 2 بليون عام 2015 كان رد الحكومة علي هذه النقطة وقتها إنشائيا في مجمله, فجاء به مثلا أن جهاز تنظيم الاتصالات قدر راعي تيسير قواعد جذب الشركات الراغبة في إنشاء كابلات دولية وإنزالها وعبورها مع تعظيم العائد لمصر وإتاحه الفرصة للشركات الراغبة في إنشاء كابلات دولية لإنشاء بنية أساسية خاصة بها, مما يعمل علي تعزيز دور مصر الريادي وجذب العديد من الاستثمارات في هذا المجال في المنطقة وتعظيم العائد الذي يتم ضخه في قطاع الإتصالات بصفة عامة والناتج من عقود الإنشاء والصيانه للكابلات. احتدم الجدل وأثيرت نقاط تتعلق بالنفوذ والفساد وسوء الإدارة وغيرها, وعلقت الاتهامات برقبة الحكومة وطاقم رجال الأعمال المعنيين بالقطاع, وتحول الأمر في بعض الأحيان إلي بلاغات قدمت للنيابة العامة, وحتي هذه اللحظة لم تقم جهة محايدة بإثبات هذه الاتهامات أو نفيها. قامت الثورة ولم يتغير شيء ولاتزال العتمة المعلوماتية سيدة الموقف, وزاد من غموض الأمر ما يتردد همسا هذه الأيام عن موافقات حصلت عليها بعض الأطراف بشأن أشياء كانت الدولة وأجهزتها السيادية ترفضها والبلاد تحت حكم مبارك والقطاع تحت سطوة رؤية نظيف ورفاقه, وتقديري أن الحل أن يعلن وزير الاتصالات المعلومات التالية المحجوبة عن الرأي العام من 2008 وحتي الآن وهي: - معايير تقدير رسوم تمرير الكابلات بالأراضي أو المياه المصرية, والدليل علي أنها لا تقل عن المعايير العالمية, وهل تم ويتم الالتزام بتطبيق هذه المعايير عند تحصيل الرسوم علي الكابلات القائمة أم لا. - المعلومات الدالة علي مدي التزام هذه المعايير بتحقيق أقصي مستويات السلامة لمقتضيات الأمن القومي. - الدخل الذي تحققه الكابلات المارة عبر الأراضي المصرية بالأرقام شهريا وسنويا. - الأدلة- وفقا للمعايير العالمية- علي أن الدخل الحالي ليس أقل مما يجب. - في ضوء ما حدث في قضية تصدير الغاز.. يتعين إتاحة وعرض جميع العقود والرخص التي ابرمت مع الشركات المالكة للكابلات البحرية المارة عبر الأراضي المصرية أو التي تنطلق من الأراضي المصرية علي الرأي العام وعلي جهات فنية محايدة خارج الوزارة وخارج جهاز تنظيم الاتصالات, ولتكن اللجان المختصة بالبرلمان, لمراجعتها ومعرفة ما إذا كانت تستحق التفاوض مجددا لرفع رسومها أو تعديلها, وما إذا كان هناك ما يستوجب الذهاب إلي النيابة العامة علي غرار قضية الغاز أم لا؟ - تفاصيل دراسات الجدوي التي أجريت علي مشروعات الكابلات التي يساهم فيها المال العام بأي نسبة, وتحديدا مشروعات المصرية للاتصالات للتحقق من سلامتها. - لأن كابل فلاج قيل حوله الكثير من اللغط يجب الكشف عن قيمة المقابل المادي الذي تسدده فلاج سنويا لمختلف الجهات بالدولة, وإعلان المعلومات الدالة علي أن هذا المقابل عادل بالنسبة لمصر وأن تكلفة مرور الكابل بالأراضي المصرية تتناسب مع الأسعار التي تفرضها شركة فلاج علي الجهات المصرية الراغبة في الحصول علي سعات اتصال من خلال كوابلها. - المعلومات الدالة علي أن عقود صيانة جميع الكابلات صيغت وتنفذ بالطريقة التي تحقق أقصي فائدة للخزانة العامة. - المعلومات الخاصة باستراتيجية مصر المستقبلية في الكابلات البحرية, وكم تبلغ استثماراتها وكم تبلغ عوائدها المتوقعة خلال السنوات الثلاث أو الخمس أو العشر المقبلة, ومن سيقوم بالتنفيذ. - التكلفة التي ستتكبدها الدولة من أجل تحقيق الدخل المستهدف طبقا لظروف المنافسة العالمية وتوقعات السوق. المعلومات الدالة علي أن هذه الاستراتيجية هي أقصي ما تسمح به الظروف الموضوعية إقليميا وعالميا وأن مصر لم تخسر ويتوقع ألا تخسر أية فرص استثمارية في هذا المجال. نحن هنا لا نطالب وزارة الاتصالات وجهاز تنظيم الاتصالات بما لا يطاق, فهما يملكان المعلومات والوثائق, ونعتقد أنه بعد الثورة لم يعد أحد فوق القانون, والأفضل للوزارة ومسئوليها كشف هذه المعلومات بلا نقص أو تشويه, وإزالة العتمة المعلوماتية حول هذ القضية, للقضاء علي ما يقال همسا, فربما كان هناك من يتعرض للظلم ولا سبيل لإنصافه إلا بكشف الحقيقة.