تراجع حاد لأسعار الذهب والفضة عالميا بسبب عمليات جني الأرباح    زيلينسكي يرد على اتهامات روسيا باستهداف مقر إقامة بوتين ويطالب برد دولي    مجموعة مصر، نتيجة مباراة جنوب أفريقيا وزيمبابوي بعد مرور 30 دقيقة    رافينيا ويامال وفليك.. الدوري الإسباني يقدم جوائز الأفضل في الموسم بالتعاون مع جلوب سوكر    إحالة تشكيل عصابي متهم باستغلال الأطفال في أعمال التسول بالجيزة للمحاكمة    رمضان 2026، أحمد السقا يصور حلقة في برنامج رامز جلال    وزير الخارجية يبحث مع نظيره العُماني تعزيز التعاون بالمجالات الاقتصادية والاستثمارية    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    فجوة هائلة بين أعداد المرضى.. مسؤول يكشف تفاصيل مروعة عن أوكار علاج الإدمان    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    العيال فهمت على مسرح ميامى احتفالًا برأس السنة    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    رئيس البرلمان العربي: تصعيد المستوطنين لاقتحامات المسجد الأقصى إرهاب منظم    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    تايلاند وكمبوديا تعقدان محادثات بوساطة صينية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    وزير الاستثمار يبحث مع وزير التجارة الإماراتي سبل تعزيز التعاون الاقتصادي    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الإصطناعى    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    "الزراعة" تنفذ 8600 ندوة إرشادية بيطرية لدعم 100 ألف مربي خلال نوفمبر    صعود مؤشرات البورصة بختام تعاملات الإثنين للجلسة الثانية على التوالى    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    "حماس": ندعو "ترامب" إلى مواصلة الضغط على الاحتلال لإلزامه بتنفيذ الاتفاق    الاتحاد الدولي للسكري يعترف رسميًا بالنوع الخامس من مرض السكري    حصاد 2025 في قطاع التعليم بأسيوط.. مدارس جديدة وتطوير شامل للبنية التحتية وتوسعات لاستيعاب الزيادة الطلابية    شركة استادات ووزارة التعليم تطلقان المرحلة الثانية من دوري مدارس مصر    الأزهر ينتقد استضافة المنجمين والعرافين في الإعلام: مجرد سماعهم مع عدم تصديقهم إثم ومعصية لله    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    مراد مكرم يطرح أغنية جديدة في 2026: التمثيل عشقي الأول والأخير    أحمد عدوية.. أيقونة الأغنية الشعبية في ذكرى رحيله الأولى    تصفية ودمج.. رئيس الوزراء يُتابع إجراءات رفع كفاءة أداء الهيئات الاقتصادية    وزير الخارجية يهنئ رئيس الجمهورية بمناسبة العام الميلادي الجديد    طاهر أبوزيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 29ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    وزير العمل يفتتح المقر الجديد للنقابة العامة للعاملين بالنقل البري    الرعاية الصحية: خبير إسباني أجرى 4 عمليات قسطرة قلبية متقدمة وفحص 130 مريضا في 48 ساعة    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    نتنياهو يلتقي ترامب في الولايات المتحدة لمناقشة مستقبل الهدنة في غزة    إصابة 5 أشخاص فى انقلاب سيارة فى المنوفية    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    الجيش الصيني يجري مناورات حول تايوان لتحذير القوى الخارجية    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    لا رب لهذه الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب ما بعد الحداثة
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 03 - 2015

اصبح حتى للقواميس والمعاجم حروبها الأهلية التى تدور بين المصطلحات بحيث ادى التلاعب بها وبتوظيفها فى سياقات مختلفة الى كثير من الالتباس وسوء التفاهم،
فالحداثة مثلا لا تعنى الشيء ذاته فى كل اللغات والثقافات، ولهذا السبب كان احد أبرز من كتبوا عنها وهو هنرى لوفيفر يقول: حداثتنا ويعنى بها الحداثة الفرنسية، اما الالمان فقد اعلنوا موت الحداثة فى بيان برلين عام 1815 كما يقول ماكفرلين، لكن بالرغم من ذلك نحن مضطرون ولو على نحو اجرائى الى استخدام هذا المصطلح وغيره من المصطلحات الى ان تتحرر من الالتباسات .
حروب ما بعد الحداثة هى الحروب الاستباقية والتى تهدف الى اجهاض قوة الخصم قبل استكمال نموها، واذا كانت الدولة العبرية التلميذ الأنجب للولايات المتحدة فى فلسفة الاستيطان وابادة السكان الاصليين حيث تجمعهما اسطورة الفردوس الارضى كما سماها الراحل د . عبد الوهاب المسيرى الا ان الولايات المتحدة هى التلميذ فى مجال الحرب الاستباقية، لأن اسرائيل اطلقت على جيشها اسما مضللا هو جيش الدفاع، رغم ان سيرته الدموية لأكثر من ستة عقود تجزم بأنه هجومي، لكن ما اشار اليه بن غوريون فى مذكراته يفتضح هذه الاستراتيجية، ويبين السبب الحقيقى لاستخدام الاسماء فى التضليل، فالتسمية لها استراتيجيتها ايضا، وحين اصدر زيغنيو بريجنسكى مستشار الامن القومى الامريكى الاسبق كتابا عنوانه كلمة واحدة هى الفوضى والذى ترشح من صفحاته رائحة الانذار المبكر لم تكن احداث الحادى عشر من سبتمبر قد وقعت وعلى ذلك النحو الزلزالى الذى لم تتوقف تردداته حتى الان وبعد خمسة عشر عاما، ولم تكن الفوضى قد طوّرت وهاجرت من الحداثة الى ما بعدها لتصبح خلاّقة كما وصفتها دبلوماسية امريكية متخصصة فى فقه التفكيك منذ عملت مع الرئيس بوش الاب حين كان يرأس المخابرات، والذى كتب فى مقدمة مذكراته ان خير مدخل للكتابة عن حياته هو قصة شهيرة لمارك توين عن رجل فقد ابنيه لأن احدهما غرق فى النهر والآخر اصبح نائبا للرئيس، اما مصطلح الفوضى الخلاقة الذى اقترحته كونداليزا رايس فقد كان التجسيد الأدق لعسكرة الدبلوماسية الامريكية والتى عبّرت عنها رايس رمزيا بارتدائها خوذة احد الجنود الامريكيين فى مطار عراقى عندما زارت بغداد كى تتلذذ بشكل سادى وهى تنظر الى اطلالها .
وبالعودة الى بريجنسكى فهو ممن شملتهم احداث ايلول بمراجعة المواقف بعد ان قلبت الموائد كلها، وكان قد تنبأ قبل تلك الاحداث باستمرار النفوذ الامريكى ثلاثة عقود على الأقل من القرن الحالي، لكن تلك الواقعة لم تدمر ابراجا فقط فى مانهاتن بل حوّرت وبدّلت مفاهيم كانت بمثابة المسلّمات والبدهيات فى التاريخ الكلاسيكى ، أما ما اعلنه موظف فى الادارة الامريكية من اصل يابانى هو فرنسيس فوكوياما عن نعى التاريخ فقد اضطرته تلك الاحداث الى مراجعة موقفه بما يشبه الاعتذار لأن التاريخ الذى نعاه لم يستطع دفنه وانتفض فى تابوته الورقى ومقابره واندلعت فيه قوة جديدة وكأنه بدأ يتعافى ويتصابى كى يلد حروبا جديدة تليق بأدواتها واستراتيجيتها وميتا استراتيجيتها ايضا بحقبة ما بعد الحداثة التى تستمد مبرراتها باثر رجعى بعد ان تضع اوزارها وتظفر بغنائمها كالحرب على افغانستان والعراق، وهذا ما يسمى فى ادبيات الميتا استراتيجية او ما بعدها الشرعية المستدركة، او بمعنى ادق الملفقة وكان برجنسكى قد كرّس كتابه الفوضى لما سيؤول اليه العالم فى مطالع الألفية الثالثة ومن خلال مقارنة سريعة بين مطلع القرن العشرين ومطلع القرن الذى أعقبه تبدو النتائج مشبعة ومشحونة بدراماتيكية مثيرة، فالايام الاولى من القرن العشرين شهدت تفاؤلا نسبيا باستقبال قرن ناعم يَعِد العالم بالحدّ من اسباب الشقاء سواء الناتج عن حروب او مجاعات او نزاعات عرقية وايديولوجية لكن ما تناساه المتفائلون هو ان القرن الذى ودّعوه يومئذ وهو القرن التاسع عشر كان كما يسميه هنرى ايكن قرن الايديولوجيا بامتياز، ففى منتصفه صدر البيان الشيوعى الذى مهّد لثورة اكتوبر بعد صدوره بسبعة عقود وفى تلك الآونة اندلعت حركات اوروبية اطلق عليها اسم الربيع الاوروبى وهو الاسم الذى تمت استعارته لاطلاقه على حراك عربى من طراز آخر ويليق به اسم لا علاقة له بتقاويم الفصول .
ما لم يتوقعه المتفائلون باستقبال القرن العشرين هو الحروب التى حدثت فيه وكأن القرن التاسع عشر او قرن الايديولوجيا حبل بتلك الحروب، لكن وفق تقاويم مختلفة عن تقاويم البشر فما يستغرق الحمل به تسعة شهور لدى الانسان قد يستغرق تسعة عقود فى التاريخ وهذا ما حدث بالفعل .
لقد مهّد لحروب ما بعد الحداثة تجديد الكولونيالية وتحديث اساليبها وما ارتدته من اقنعة وما نصبته من كمائن وأفخاخ لشعوب القارات الثلاث المنكوبة، وأدى توحش الرأسمالية ذات النمو المشوه والطاووسى كما يصفها مفكر معاصر الى اعادة انتاج قياصرة واكاسرة وقراصنة ايضا لكن بطبعات منقّحة . وما اسفرت عنه حروب ما بعد الحداثة لم يكن غنائم خالصة، بل هو اعباء اخلاقية وتورط واستنقاع، لهذا اصدر برجنسكى كتابا اخر بعنوان الفرص الضائعة متهما ثلاثة رؤساء بالتخلى عن الدور المأمول لامبراطورية زعمت ذات يوم وعلى لسان روزفلت بأنها شرطى العالم وقدرها التاريخى هو ان تؤمرك هذا الكوكب كى تحرسه، وبالمقابل عاد صاحب اطروحة صراع الحضارات صاموئيل هاتنجتون ليستدرك ما قاله من قبل فى مقالة نشرت فى مجلة الفورين افيرز اهم ما جاء فيها ان امريكا اصبحت ماهرة فى اختراع الاعداء على امتداد هذا العالم وكأنها لم تطق البطالة بعد ان حسمت الحرب الباردة لصالحها، فالامبراطورية الاخيرة فى التاريخ ذات بوصلة اخلاقية معطوبة بتعبير جان بول سارتر، ومن يملك القوة وحدها بلا اى هاجس للعدالة غير مؤهل لقيادة العالم، وهذا ما حدث بالفعل، فقد اخترعت امريكا من الاعداء من يفوق حاصل جمعهم الاتحاد السوفييتى السابق، لكن ينقصهم المايسترو ويعزفون بشكل منفرد !
ان المفارقة فى حروب ما بعد الحداثة هى انها جعلت من المنتصر ميدانيا مهزوما بمقاييس اخرى، ومن المهزوم منتصرا، لكن بمقاييس غير برغماتية، هى التراجيديا والتى تقع خارج المدار الامبراطورى لامريكا التى لم تكن سيرتها بين شركة الهند الشرقية واحداث عام 1620 وبين هذا العام سوى ابادة السكان الاصليين واعادة انتاج القيصر وكسرى والقرصان لكن بطبعات فاخرة واغلفة من جلود الضحايا !!
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.