رغم أننا دخلنا عصر الفضائيات والإعلام المرأى متأخرين عن أمريكا وأوروبا بسنوات طويلة فإننا سجلنا سبقا على الجميع بأن جعلنا من الفضائيات العربية منصات لإطلاق صواريخ الفتنة والإثارة والتحريض بدرجة يفوق أثرها خطر أشد أسلحة الدمار الشامل فتكا وتدميرا. ولعلى لا أتجاوز الحقيقة عندما أقول أن الفضائيات العربية أسقطت مقولة أن الصحافة هى السلطة الرابعة فى الدولة الحديثة وقفزت لكى تصبح هى السلطة الأولى فى أوطاننا متقدمة بذلك فى الفعل والتأثير على السلطات الثلاثة «التنفيذية والتشريعية والقضائية» وأصبح مقدمو البرامج الليلية أقوى تأثيرا فى الرأى العام من كافة سلطات الدولة بعد أن اتضح أن قوة الكلمة وسحر الصورة أبعد أثرا من التأثير فى المزاج العام من وعود الزعماء وإنجاز الحكومات. وربما يزيد من خطورة ما يترتب على فضائيات «السداح مداح» التى تنطلق من كافة العواصم العربية أن أغلب هذه الفضائيات يصعب التعرف بسهولة على الممولين الحقيقيين لها والذين يضمنون استمراريتها على مدار الليل والنهار رغم الخسائر المحققة نتيجة التفاوت الكبير بين دخل الإعلانات ومصاريف الإنتاج. ثم إن الأشد خطورة أن أغلب هذه الواجهات الإعلامية التى تتصدر الشاشات وتتحدث بمفردات الزعامة وتتوهم الشعبية والقبول ليست - فى أغلبها ولا أقول كلها - سوى ببغانات تردد ما يقال لها من فرق الإعداد التى تختلف من قناة إلى أخرى حسب أهواء وأهداف المالك الحقيقى وفقا للتوجه السياسى الذى ينتمى إليه ويتوافق ويتناغم مع متطلبات الدعم والحماية لمصالحه الاقتصادية. ولهذا لم يكن غريبا أن نرى دويلة صغيرة تملك شبكة متنوعة من القنوات هدفها الواضح هو القيام بأدوار تخريبية خطيرة فى الدول الأخرى عن طريق استضافة مثقفين وسياسيين يجاهرون بالدعوة إلى تخريب أوطانهم باسم الحق فى المطالبة بإسقاط الأنظمة تارة أو التحريض على إثارة النزعات الطائفية والمذهبية والعرقية تارة أخرى من خلال خلط معيب بين الشيئ ونقيضه لتغييب الحقيقة وقتل الضمير الوطنى واغتيال الحس القومى! خير الكلام: الانتصار الحقيقى هو الانتصار على نشوة الانتصار!