ها هي الشمس كعادتها تعتلي السماء لتعلن عن بدء يوم جديد من أيام العمر... اليوم يومي، فلدي العديد من الأعمال، أولها موعد هام سيترتب عليه عمل اليوم بأكمله، هذا الموعد يعد محطة هامة في حياتي، عليَّ أن أرتب نفسي جيدا حتى يسير اليوم كما أعددت له لألحق بقطار الفرصة. هكذا أخذت احدثُ نفسي كالأم التي تتابع بشغف الخطوات اليومية لابنتها، ماذا سترتدي وما الذي ستقوم به وبين هذه وتلك انطلقت لأخطو أولي خطوات الطريق. لا أدري ما كل هذا الحماس... هل حرصاً علي الوصول في الموعد؟! أم ليهدأ صوت الأم الذي بداخلي ويطمئن، وقبل أن أبحث عن الإجابة بداخلي أو أخطو أي خطوة أخري رن هاتفي الذي كان رنينه أشبه بضحكات ساخرة تعلن أن الموعد قد تم تأجيله! وقفت حائرة في الطريق ماذا أفعل... بعد ما كنت ارسم طريقي بيدي أصبحت الآن كالورقة البيضاء التي تنتظر الكتابة عليها، بعد ما كانت الأم داخلي تتابع الطفلة، الآن أتيحت الفرصة للصغيرة كي تنطلق وهي تصرخ وتقول اليوم يومي أنا، كم انتظرته طويلا... لقد كنت مثالاً جيداً للطاعة والآن يحق لي أن أقتنص سعادتي والفضل للقدر... لم أجد ما أقوله أو أفعله سوي الاستجابة لأول مرة لنداء الطفلة، وبينما كانت الصغيرة ترقص من فرحتها سمعتُ صوت القطار... ما أجمل هذا الصوت. كلما سمعته مسرعاً يذهب في طريقه المحدد أشعر وكأني أسمع نبضات قلبي، بل إن صيحاته العالية تزلزلني لما تحمله من آهات ساخنة تُعلن عن مدي تعبه، وكأنه يستجير بمن حوله "آااااه آاااااه..... أريد أن استريح، لقد تعبت أريد أن انطلق في مسار آخر أحدده أنا". وجدت نفسي أنطلق نحو محطة قطار واركب أول عربة في أول قطار دون أن أعرف إلي أين! كل ما أعرفه الآن هو احتياج الطفلة لهذا.. وكأنها تعلم بقلبها الصغير النقي أن كل ما تريده من متعة داخل القطار، وأن محطة وصوله أياً كانت هي محطة العمر التي كانت تبحث عنها. ركبت وتركت زمامي لأحلام طفلتي وأنا أودع الأم علي المحطة... فجأة تحرك القطار ولم يعد شيء مكانه... الذي كان أمامي بات خلفي وما كنت أشاهده أصبحت لا أراه. أخذت أنظر من النافذة لوقت طويل وأنا أشعر كأني أشاهد نفسي ومَن حولي نركض علي قضيبي الحياة بين الماضي و الآتي. وبينما كنت أنظر إلي كل شئ بلهفة وجدت طفلاً يلعب بالكرة، ذهبت مسرعة ألعب معه دون تردد. أخذت ألعب وأضحك بلا توقف حتي أفلتت الكرة من يدي لتسقط بين قدمي سيدة عجوز قد حفر الزمن نقوشه علي وجهها جالسة بمفردها. ذهبت مسرعة يسبقني إليها اعتذاري... ولكن لابتسامتها البسيطة وكلماتها الرقيقة شكرت اللحظة التي جمعتني بها، جلست بجانبها وأنا أسألها إن كانت تريد شيئاً وإلي أين هي ذاهبة بمفردها أليس معها أحد؟ لم يكن الفضول يقتلني هكذا من قبل. لقد أحببت هذه السيدة لا أعلم لماذا؟! نظرت إلي السيدة للحظة وارتسمت علي شفتيها ابتسامه وهي تقول "أنا أريد وأنتِ تريدين والله يفعل ما يريد... لا تقلقي عليّ يا ابنتي، فأنا اليوم في أفضل حالاتي، لقد شاهدتك منذ البداية ..من أول خطوة وأنا معك حتى أصبحت معي، لقد قرأت في عينك الكثير وأنت تنظرين من نافذة القطار. وأظن أنك تسألينني ما تريدين أن تسأليه لنفسك...سامحيني يا ابنتي علي كلامي ..منذ البداية وأنا أسمع لهفتك ممزوجة بالضحك والبكاء في وقت واحد وكنت أريد أن أذهب إليك ولكن منعني عنك الكبر... لكن القدر رتب لنا أن نتقابل في النهاية... ليس كل شيء يحدث كما نرتب له أو نريد. هذه واحدة من أسراري التي تعلمتها عبر الزمن؛ أن أعيش أحلامي وأيامي معاً. وأن أفعل ما في وسعي كي لا أترك سبيل في أن يصبحا أموات في مقبرة الذكريات، علي أن أقتنص كل فرصة لأحقق ما أريد ما دمت عليّ يقين أنني علي صواب وحتى أن كنت مخطئه فنحن بشر فالعلم بالتعلم، هوني علي نفسك يا حبيبتي ولا تكوني قاسية عليها ولا تؤجلي حلم اليوم للغد." ما هذه السيدة التي تقص علي أسراراً ليست سوي أسراري! تسمعني دون أن أتحدث وتقرأ أفكاري. ضحكت العجوز وهي تقول "أنا الحلم الذي لم تعيشيه والواقع الذي لا ترينه...هيا يا حبيبتي فقد جاءت محطتك.. أستعدي" وعندها سمعت صوت القطار لكني هذه المرة لست داخله أنا جالسة علي مقعدي في الشرفة ... هل كنت أحلم أم أنني و صلت ؟ [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل