وسط زحام معرض القاهرة الدولي للكتاب الكل يبحث عن رفيق يروي عطش الروح والفكر... من يبحث في الكُتب عن رواية او ديوان شعر ليسبح بين الكلمات لعوالم آخري وهناك من يبحث بين كُتب ولعب الأطفال عن كل ما هو جديد ليسعد طفله، وهذا يبحث عن صديقة بينما تبحث هذه الفتاة عن المقهى الثقافي و تسأل شاب وفتاة كانا يبحثان معا عن شيء مختلف.. عن الحب. الكل يبحث إلا ولد صغير كان منسي وسط الزحام لا يبحث عن أحد ولا أحد يبحث عنه...تري من هو المنسي؟! مثل رواد المعرض كنت أبحث عن أحدي دور العرض الموجودة في "خيمة 3"..أين الخيمة؟ لم يجبني أحد حتي وقعت عيني علي صبي صغير هزيل، لا أعلم أن كان نائم أم غائب عن الوعي، يرتدي السواد الملطخ بالأتربة البيضاء، بشرته سمرا منحوتة بسواد الطريق...لقد توقفت قدمي عن الحراك، نسيت كل ما كنت أبحث عنه في ثانية واحدة وأنا أنظر إليه.. ربما يتحرك.. لا شيء يحدث حتي همست بجانبه "فيك حاجة يا ابني؟!" في ثانية واحدة تحول السكون إلي حراك مستمر.. بعد ما سمع صوتي نهض مسرعا بجسمه الهزيل، كل ما به يهتز برعشة بسيطة.. وبعد ما تمالك نفسه أجاب بوجه مبتسم" أنا زي الفل.. تشكري.. حضرتك محتاجة حاجة ؟".. نظرت إليه وأنا أحدث نفسي بدون صوت "أنت من تحتاج لمساعدة ...لماذا لم يلتفت أي أحد من المارة لهذا الطفل المنسي وكأنه لا شيء" وبمجرد أن تحدث هذا الصبي الصغير معي تأكدت أنه هو أهم شيء يجب البحث عنه.. فهو كالمعدن النفيس المدفون...من أنت يا منسي؟! تنهد بعمق "أنا عجوز.. كبرت من زمان.. أنا راجل عمري أربعة عشر سنة.. أسمي أحمد أو بكار عشان أسمر اللون ...عرفت قيمة الحياة وأنا عمري سبع سنوات.. عايش أيام غريبة مش بتعتي.. الحمد لله.. بس أنا محتاج أبقي أحسن .. عايش مع أمي وأخواتي الستة في مكان كله ثعابين والزبالة في كل مكان.. اشتغلت حاجات كثير مش بس عشان الفلوس ..عشان أهرب من أيام غريبة مش بتعتي.. الحمد لله.. بس.." ووقف المنسي عن الحديث ونظر لكل من كان ينظر إلينا وأبتسم بسخرية ونظر لي وقال "الناس مستغربة أنك بتكلمي بكار" وعندما أجبته أن الانسان فضولي بطبعة ليس أكثر أبتسم وقال " الفضول ظهر لما ظهرتي انتِ.." عندما سألته عن سبب وجودة في المعرض أجاب " أنا شيال كُتب.. كان نفسي أتعلم أشيلها في دماغي كمان لكن ما فيش نصيب .. أنا شغال باليوم وربك يسهل".. حاولت أن أعطيه نقود نظر إلي وقال " أنا كنت محتاج حد أتكلم معه زي حضرتك مش محتاج فلوس أنا راجل كسيب.. محتاجه فلوس" سكت لوهله وقال "مدام حضرتك وقفتي تتكلمي مع العبد لله أسمعي سري... عارفة أيه هي قيمة الحياة؟ مهما كان الشغل متعب والحياة صعبه بكار مكمل، المكان هنا كبير عليه مش عارف الاقي فيه نفسي.. أنا راجع بلدنا أتعلم حرفة أجيب بها لقمه حلال وأتعلم أكتب وأقرا عشان أعرف قيمة الحياة أكتر، حبيبتي في البلد برغم كل حاجة لسه جنبي" وبابتسامة أمل قال "مش عارف القمر دا بيحب بكار علي إيه ..أكيد ربنا بيحبني ." عجباً حتي بكار المنسي داخل المعرض كان يبحث عن الأمان والاهتمام وحياة أفضل وعندما لم يجد ما كان يبحث عنه اخترقت أحلامه أسوار المعرض بل حدود القاهرة الكبرى بأكملها لتتحقق بين أحضان حبيبته التي عرف معها كيف تصبح الحياة ذات قيمة. [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل