شهدت فعاليات النصف الأول من المهرجان تنافسا قويا بين المخرجين بأفلامهم فى جميع المسابقات الرسمية، فعلى مستوى المسابقة الرئيسية عرضت شاشة البرلينالة مجموعة من الأفلام اتسمت بالتباين مابين التقليدية والإبداعية . لكن الفيلم الأمريكى «فارس الكئوس» للمخرج ترنسى ماليك ، استطاع أن يستحوذ على أنظار وعقول المشاهدين فى صالة العرض لما قدمه من رؤية فلسفية تميزت بالعمق لحياة الإنسان ،لكن ما يحسب للمخرج هو تقديمه هذه الرؤية فى إطار تجريبى يمكن للجمهور استيعابه من خلال اعتماده على تقطيع حياة الإنسان إلى اسكتشات ، وكأنها فصول مسرحية فنجد الفيلم يقدم كل اسكتش بعنوان، استخدم ترنسى ومدير تصوير الفيلم تكنيك الكاميرا الحرة فى تصوير الكثير من أحداث الفيلم ، والاعتماد على لقطات تبدو غريبة لكنها تعبر عن حياة البطل ، لنجد ثمة تطابقا بين حوار البطل مع ذاته وهذه الكادرات، ما جعل الفيلم يستحق أن ينال تصفيق الجمهور فى صالة العرض التى كانت ممتلئة لدرجة ان كثيرين جلسوا على سلالم للمشاهدة..مزج المخرج بين التكنيك المسرحى فى الأداء التمثيلى خاصة الحركى، والإخراج، والديكور باعتماده على التجريدية، والتكنيك السينمائى الذى استخدمه بحرفية عالية لإبراز رؤيته التى اهتم بإظهار تفاصيلها، لنجد أنفسنا امام مخرج يملك ادواته جيدا سواء كانت مسرحية أو سينمائية. اختلف الحال فى المسابقات الأخرى خاصة مسابقة برلينالة للأفلام القصيرة، التى شهدت حضورا قويا لشباب المخرجين أكبرهم لم يتجاوز الخامسة والثلاثين وقدموا مجموعة متميزة من الأفلام التى تعبر عن رؤيتهم للواقع ، وللأشياء حولهم. فمثلا المخرجة اليابانية موموكو سيتو قدمت فيلم «الكوكب» صورت من خلاله الحياة على الكوكب باعتمادها على التباين الشديد وقربها من الأشياء لإبراز تفاصيلها التى رأت المخرجة أنها مهمة فى توصيل رسالتها للمشاهد.. وقد شهدت الأفلام القصيرة ،وأفلام البانوراما حضورا جماهيريا أكثر من حضور المسابقة الرسمية الرئيسة مما جعل إدارة المهرجان تعتذر لكثير من الحضور عن عدم إمكان الدخول لعدم وجود أماكن..مما يعكس اهتمام الكثيرين بالحضور سواء كانوا صحفيين أو متابعين بالمسابقات الأخرى أكثر من أهتمامهم بالمسابقة الرسمية الرئيسية. من جانب آخر شهد المهرجان فى فعاليات سوق الفيلم حضوراً وتفاعلا قويا بين الموزعين والمنتجين ليكون حال السوق هذا العام مختلفا فالتجول داخل السوق وجدنا حالة من النشاط والكثير من الكيانات السينمائية فى حالة اجتماعات لتسويق أعمالهم. ولعل الحضور المصرى والعربى هذا العام من خلال مركز السينما العربية يمثل بداية قوية لوجود السينما المصرية والعربية من خلال هذا المركز الذى وجد كل الدعم من المهرجان ويعد أحد الأقسام المستحدثة به..اللافت للنظر فى هذا المركز هو قدرته على جذب موزعين أجانب وتعريفهم بالسينما المصرية والعربية من خلال الأفلام التى يسوق لها وهى .. فيلم «فتاة المصنع» للمخرج محمد خان، وفيلم «وردة» إخراج هادى الباجورى، وفيلم «هرج ومرج» إخراج نادين خان، وفيلم «الخروج للنهار»، وفيلم «اللى يحب ربنا يرفع إيده» إخراج سلمى الترزى، والفيلم المصرى الإماراتى «البحث عن الزيت والرمال إخراج وائل عمر وفيليب لاديب ، واخيرا الفيلم» الاردنى الإماراتى «ذيب» إخراج ناجى أبو نوار. مازالت الفعاليات تقدم كل جديد لها فى الأيام القليلة المقبلة قبل أن يختتم المهرجان دورته مساء يوم الأحد المقبل، التى اتسمت بالتجديد والجرأة كما فى عرض أفلام تجريبية فى المسابقات الرسمية وهذا تقليد لم يكن موجودا فى هذه المسابقات، وأيضا فتح التعاون مع السينما العربية والمصرية ، ليظهر اتجاه أنظار القائمين على المهرجان برئاسة دوتير كوسليك إلى منطقتنا العربية والتعرف على السينما بها.