وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف بنت قواعد المجد وحدها رغم التحدي ، بعد مرور 40 عاماً على رحيل الأسطورة المصرية الخالدة أم كلثوم ، لم ينضب بعد نهر عطائها الفني والوطني ، فلم تكن مجرد حنجرة فريدة ولا صوتاً منفردا فحسب لكنها نموذجاً للمرأة العظيمة التي مزجت موهبتها ووقارها وخفة ظلها وذكائها في بوتقة واحدة يفوح منها طمي النيل وشموخ الأهرامات ودفء شمس المحروسة . بعد ثورة يوليو 52 قرر بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة منع اذاعة أغاني كوكب الشرق بحجة أنها من العصر البائد وحين علم الزعيم جمال عبد الناصر احتد قائلاً « يبقى تهدوا الاهرامات ومتنسوش تردموا النيل لأنهم من العهد البائد أيضا « ! وبعد نكسة 67 اتهمها البعض بأن أغانيها المفعمة بالحب والوله والغرام كانت بمثابة المخدر الذي أفقد الشعب والجنود بالتبعية صوابهم وتركيزهم في المعارك الخارجية ، وحين علمت « ثوما « غضبت واكتئبت الا أنها تلقت اتصالاً من الرئاسة تطلب منها العدول عن قرار الاعتزال .. فاستجابت ، وعلى الفور رفعت شعار « الفن من اجل المجهود الحربي « وأقسمت على الا يغمض لها جفن والشعب المصري حاسس بمرارة الهزيمة !! وبالفعل تسابق أدباء وفنانو مصر ليحذوا حذوها في التبرع، ضمن حملة خاصة لدعم المجهود الحربي،التي هدفت إلى دعم قدرات الجيش المصري وتعزيز إمكاناته، في مواجهة القوة الإسرائيلية، وبين كل المبادرات كانت المبادرة البارزة لكوكب الشرق، وبدأت تتلقى التبرعات من جميع المصريين، كما بذلت أم كلثوم جهودا جبارة فى توفير السلاح،وبث روح الحماس في المصريين بأغانيها الوطنية،ووصل الأمر إلى أنها أحيت حفلات على جبهات القتال للمرة الأولى،وقبلها تبرعت بمجوهراتها للمجهود الحرب . وتجولت بين محافظات مصر ( دمنهور واسكندرية والمنصورة وطنطا ) تجمع التبرعات وتقيم الحفلات ولم تكتف بحفلات الداخل فغنت فى حفلة باريس الشهيرة على مسرح الأوليمبيك وقدمها الإذاعى الكبير الراحل جلال معوض وفى حفلتها الثانية فى باريس قال الزعيم الفرنسى شارل ديجول بعد الاستماع إليها «لمست معها أحاسيسى وأحاسيس الفرنسيين جميعاً». واستطاعت كوكب الشرق تحقيق إيرادات من حفلات باريس 212 ألف جنيه استرلينى لصالح المجهود الحربى، ثم طارت الست الى الكويت وأبوظبى ولبنان وباكستان وتونس بحضور بورقيبة وفى المغرب بحضور الملك الحسن الثانى وفى الخرطوم بحضور كل القيادات السودانية وفى البحرين والعراق وليبيا،و لم ينته عام 1970 إلا وقد جمعت للمجهود الحربى أكثر من 3 ملايين دولارولم يدخل جيبها دولار واحد رغم المشقة والعناء فى التنقل والسفر وقد تجاوزت من العمر 68عاماً. ولا يمكن أن ننسى دورها في دعم القضية الفلسطينية من خلال تخصيص ايرادات بعض الحفلات لمساندتها وتقديم أغنية « أصبح عندي الآن بندقية « التي حصدت العديد من الأوسمة في الدول العربية . هكذا كانت مصر في خاطرها ودمها.. هكذا حاربت سيدة الغناء من أجل الثورة و النصر فكان صوتها يشحذ أرواح الجنود في الجبهة وينفض طاقاتهم في وجه العدو ..فكم كوكب تبقى في شرقنا الآن ؟