أعاني يوميًّا – وغيري كثيرون - في طريق ذهابي إلى ، وعودتي من عملي في مؤسستي العريقة الأهرام ، وأري بعيني في الطريق ، بمعدل كل يوم تقريبًا حادثة سير ، وغالبًا ماتكون إما بسبب الرعونة ، والطيش ، وعمل "الغرز" ، التي لايهتم فاعلها سوى بأن يصل لمكانه المراد ، فينطلق بأقصى سرعة ، غير آبهٍ بروحه ، أو بأرواح من معه ، أو من حوله على الطريق ، أو أن تقع الحادثة لأن قائد السيارة من البيه ، أو الهانم ، لايريد التمهل حتى يصل لعمله ، وهات ياتصفح في الإنترنت على هاتفه المحمول ، وقد يصل الأمر لكتابة رسائل. وفي الحالتين ، تمثل قيادة المصريين نموذجًا صارخًا من الاستهتار بالأمنين الخاص لهم ، والعام لمجتمعهم ، هذا غير الحوادث الكارثية المفزعة ، التي تستيقظ عليها مصر كل يوم ، وتهدر العديد من الأرواح ، وتكبد الفرد والدولة خسائر بالآلآف ، تصل لملايين الجنيهات سنويًّا ، وأتذكر منها الحادث الكارثي الذي وقع نهاية العام الماضي في البحيرة ، وأدمى قلوب كل المصريين . وللحقيقة ، فإن تدني سلوكيات القيادة لدي المصريين يضرب بجذوره في عهد الرئيس المخلوع مبارك ، لسببين هما : الفساد الذي انتشر في المحليات ، وهيئات النقل ، ومحسوبيات الشرطة ، فمنع الأول تطوير الطرق ، لأن أغلب ميزانيات الأحياء ، وتلك الهيئات ، لتعبيد ورصف الشوارع ، وصيانة وتجديد القطارات ، وعرباتها ، كان يدخل في جيوب المنتفعين من مسئولي كل حي ، وهيئة نقلية ، فيما تسبب الآخر في "برطعة" المستهترين من السائقين ، و أولاد أبناء الذوات في الشوارع بلا ردع ، أو ضبط و ربط ، بعد أن كانت مخالفاتهم ترفع بمنتهى السهولة ، ويتوقف تطبيق قانون المرور عليهم بتدخل القادرين من أصحاب الشركات ، أو الأغنياء والمسئولين بالمال ، أو المصالح ، أو النفوذ ، فاستشرت الحوادث المفجعة ، وزادت دماء الضحايا الأبرياء ل"حيوانية" بعض أولاد أصحاب النفوذ ، والذوات الذين فلتوا من العقاب بالرشاوي ، والفيلم الرائع "واحد من الناس" للنجم كريم عبد العزيز الذي يرصد ذلك الوباء ليس ببعيد . وللأسف ، ورث الرئيس السيسي تركة الاستهتار ، بكل مافيها من قبح ، واستمرت الفواجع الكارثية تُدْمي قلوبنا كل فينة وأخرى ، ولكن وقع الرئيس في فخ الحلول الساذجة الأشبه بالمسكنات ، وكان يخرج بها علينا سلفه مبارك في كل حادث مروع ، بإصدار توجيهاته بضرورة تعديل قانون المرور ، وتغليظ مواده ، ثم "تعود ريما لعادتها القديمة" لأن أيًّا من القوانين المغلظة بعد كل حادث لاتطبق ، وكل لجنة وزارية تشكل لعلاج هذا الداء ، توصياتها لاتنفذ !!! وأضحى الحل الجذري الذي لابديل عنه الآن ، لتسير خطة التنمية للخروج بمصر من نفق الفوضى ، واختصار زمن وصولها لركب الدول المتقدمة ، في أمان وسلام من دون كوارث مرورية تستنزفها ، هو رصد ميزانيات سخية ، ولو تطلبت مليارات ، لتحويل جميع الطرق البرية الحالية في مصر ، أو التي يتم إنشاؤها فيما بعد ، سواء قصيرة داخلية ، أو طويلة بين المحافظات ، أو ممتدة مع دول الجوار ، إلي طرق دولية ، بالمقاييس العالمية في الرصف ، والتعبيد ، والعلامات المرورية التي تحدد الاتجاهات بالألوان الفسفورية لتضئ ليلًا ، وتًسهِّل حركة السيارات ، والإشارات الضوئية الآلية في مفترق الطرق ، على أن تكون مزودة بكاميرات مراقبة حديثة ، تعمل حقيقة لا "زينة" ، حتى لاتتحول الشوارع إلى سيرك ، كما حدث بالفعل في شارع مصطفي النحاس بمدينة نصر – وهو طريقي اليومي لعملي - عندما فطن الناس بعد تطويره وتحديثه ، ورصفه على أعلى مستوى ، إلى أن الكاميرات المركبة على الإشارات في تقاطعاته مع شوارع الطيران ، وعباس العقاد ، ومكرم عبيد ، الطاقة (النادي الأهلي) لاتعمل ، واضطرت المحافظة إلى إلغاء الميقاتي المركب على كل إشارة ، وإيقاف عمل الإشارات ، والاستعانة بعساكر المرور من جديد ، و"كأنك ياابو زيد ماغزيت" !!!! أما الأهم فهو عمل حارة مرورية عن يمين كل الطرق السريعة خاصة فقط بسيارات النقل الثقيل لحجبها تماما عن الطريق العام ، فضلا "ميكنة" نظام المخالفات في جميع إدارات المرور ، سواء بالعاصمة أو المحافظات . و" ياسلام بقى " لو دعمنا ذلك العلاج بوضع كتاب مروري صغير ومبسط ، يحوي كل إرشادات وآداب المرور، يُقَرَّر على تلاميذ وطلاب المدارس في كل المراحل التعليمية ، لنلحق سلوكيات الأجيال الجديدة قبل أن تصاب بعدوى " التخلف المروري". [email protected] لمزيد من مقالات ياسر بهيج