لا يجب أن نصاب باحباط من أى نوع بسبب التصويت فى مجلس الأمن بشأن فلسطين فسرعان ما نالت فلسطين مكانة دولة بقبول انضمامها رسميا للجنائية الدولية، وهى فى جميع الأحوال خطوة على الطريق ودروس مستفادة تحفزنا لبذل مزيد من الجهد وإدارة المعارك القادمة بشكل أفضل فى ظل إمكانية غير مسبوقة بملاحقة عدد من مجرمى الحرب فى إسرائيل بدءا من عام 2002 وحتى اليوم. أوراق اللعبة يتم إعادة ترتيبها خلال الأسابيع والشهور القادمة فإسرائيل التى استطاعت أن تقنع نيجيريا بالامتناع عن التصويت فى مجلس الأمن مستغلة الخلافات الداخلية فى الدولة الأفريقية التى أيدت الحق العربى عبر تاريخها عشرات المرات ، وهى على نفس المنوال تسعى للضغط على الدول التى أيدت فلسطين عبر برلماناتها وعبر التصويت فى مجلس الأمن خاصة السويدوفرنسا، ووصل الأمر إلى حد إلغاء زيارة وزيرة خارجية السويد لإسرائيل بعد مواقف متعجرفة من نظيرها ليبرمان، وأزمة علنية مع فرنسا بعد تصريحات لمسئول إسرائيلى يوبخ فيها فرنسا قائلا: «السلام لن يتم عن طريق إتخاذ قرارات إستفزازية». فرنسا التى لعبت دوراً مهماً فى إطار الجهود الفلسطينية الأخيرة فى مجلس الأمن، تعرضت لهجمة إرهابية منظمة أقرب إلى العمل الاستخباراتى تمت مقارنته ب11 سبتمبر، وفوجيء الجميع بالمهاجمين الملثمين يتركون «بطاقات هوية» لفرنسيين مسلمين فى السيارة التى فروا بها متمهلين من مكان الحادث(!) ومن المهم أن نبرز مدى استثمار إسرائيل لمثل هذه الهجمات حيث ذكّر سفير إسرائيل السابق فى نواكشوط «بوعاز بيسموت» مدريد، ولندن، بحوادث مشابهة وتوقع أن تكون «الضربة القادمة فى بروكسل»(!) مسديا النصح لباريس بأن «تتعامل مع الإرهاب الداخلى كما تتعامل معه فى أفغانستان، والعراق، وسوريا ومالي... لصد غزو المسلمين لأوروبا»(!) من المستغرب أن يستهدف الإرهاب مصالح يهودية ويترك المصالح الإسرائيلية ومن المستغرب كذلك أن تسارع إسرائيل بإرسال مندوبين عن شركة الدفن التى تحتكر الدفن فى إسرائيل لنقل قتلى فرنسيين للدفن فى إسرائيل بعد أن تم قتلهم على يد فرنسيين لم يتورعا على قتل غيرهم من الفرنسيين المسيحيين والمسلمين- فى نفس الهجمة الإرهابية (!) التعامل مع المستجدات خلال الجولة القادمة من النضال السياسى والدبلوماسى يجب أن يستثمر كذلك احتدام التنافس الانتخابى فى إسرائيل برصد دقيق لتوجهات كل حزب وإمكانية تولى بديل لنيتانياهو سدة الحكم فى ظل تحالف غير مسبوق بين اليسار والوسط فى إسرائيل، ودراسة احتمالية أن تكون الأولوية فى الفترة القادمة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية فى إسرائيل وهنا يجب أن يتم التعامل مع الخلافات الداخلية فى إسرائيل بحنكة ولمصر تجارب دبلوماسية سابقة أثمرت فى بعض الأحيان وورطتنا فى أحيان أخرى مع حكومات متطرفة قتلت الوقت. التعامل مع التنافس الانتخابى قد يساعده كثيرا فتح ملفات فساد لحزب دينى متحالف مع نيتانياهو منذ سنوات هو حزب شاس، وكذلك حزب يمينى متطرف متحالف أيضا مع نتنياهو منذ تأسيسه هو حزب «افيجدور ليبرمان» (يسرائيل بيتينو) وتدنى شعبية وزير الدفاع وقيادى الليكود «موشيه يعلون» بشكل عكسى مع زيادة معدلات الانتحار هذا العام فى الجيش الإسرائيلى مما يعكس حالة من الاحباط والروح المعنوية المتدنية..يتحمل مسئوليتها السياسية بشكل مباشر وزير الدفاع الإسرائيلي، وقد يدفع ثمنها مستقبله السياسى كله. وعلى الصعيد الإعلامى يجب إبراز ما تشهده إسرائيل من ابتزاز للإعلام قبيل الانتخابات فالقناة التجارية (القناة العاشرة) توسلت لنيتانياهو - بصفته وزيرا للاتصالات- لكى تحصل على ترخيص لمدة 15 عاما كالمعتاد أو حتى عامين ولولا ضغط شعبى مساند لتم إغلاقها تماما منذ أول يناير لتزايد انتقاداتها لحكومة نيتانياهو، وفى المقابل تستمر صحيفة «يسرائيل هيوم» المؤيدة لنيتانياهو فى الصدور بانتظام رغم مطالبات قانونية ومهنية بغلقها. الجانب الاقتصادى أيضا سيكون له تأثيره كذلك فى المشهد فتل أبيب تتأثر بالسلب من خفض أسعار النفط، حيث نجد بورصتها تهتز بشدة وأسعار الوقود والمواصلات العامة لم تنخفض بشكل موازٍ مما يثير غضب الرأى العام الداخلى خاصة وقد تم تأجيل قرار سابق بخفض أسعار الكهرباء(!) والملاحظ أنه فى المقابل تدشن إسرائيل حملة لزعزعة الاستقرار فى الخليج مفادها أن عصر النفط ولى زمنه وأن الفترة القادمة ستكون الغلبة والهيمنة للعقول الإسرائيلية وهى إعادة تغليف لأفكار شيمون بيريز عن الشرق الأوسط الجديد الذى يعتمد على الموارد والأيدى العاملة العربية والعقول الإسرائيلية!! الضرب تحت الحزام بزيادة الانتاج واستمرار هبوط أسعار النفط ووجود صعوبات فى إصدار دول عديدة لميزانيات تتماشى مع سعر البرميل الواقعى سيكون له تأثيره السلبى على القضية الفلسطينية وحجم الحشد المؤيد لفلسطين فى أى منبر دولى أو إقليمي. من هنا نرى أنه على رأس الدروس المستفادة من المستجدات الحالية، إعادة تقييم مستوى الأداء الدبلوماسى العربى فى أفريقيا. والعمل على استمرار الزخم المساند للقضية الفلسطينية فى الدول الأوروبية رغم الهجمة الإرهابية ذات التوقيت المريب..وإبراز حقيقة أن على رأس الضحايا شرطى مسلم. وكشف حقيقة مواقف زعماء: «العمل»، و«هتنواعا»، و«يش عتيد» من القدس ومن التسوية النهائية مع الفلسطينيين..ووضع طاقم من الخبراء سيناريوهات للتعامل معهم من الآن وحال فوزهم أو حتى استمرارهم فى المعارضة. وكذلك تعزيز العلاقات الاقتصادية المتوازنة مع بقية دول العالم لمجابهة صعوبات أو عمليات ابتزاز على خلفية اقتصادية.. أو تخفيف الآثار السلبية لتلك الأزمات بمزيد من التنسيق والتعاون. فضلا عن استثمار الجهود السابقة على صعيد المقاطعة الأكاديمية للفت أنظار الرأى العام فى أوروبا للأبعاد الحقيقية للقضية الفلسطينية. لمزيد من مقالات د. احمد فؤاد انور