هذه ذكرى ينبغى أن نتوقف بكل إجلال أمامها، ونستقطر العبر، ونعلم أبناءنا أن بلدهم عالى الهامة، موفور الكرامة، مرفوع الجبين طوال عهود وعقود تاريخه، يكافح رجاله كل مستعمر، ويعلمون العالم معنى الوطنية، وقيم النضال من أجلها. إذ أطلق الإنجليز النار على المتظاهرين المصريين عام 1946، فحدث ضغط شعبى كبير يطالب بإلغاء معاهدة 1936، وانسحب البريطانيون إلى مدن القناة، ولكن الشعب ظل يطالب بالجلاء حتى ألغى مصطفى باشا النحاس المعاهدة عام 1951، وبدأت حرب الفدائيين المصريين ضد الجيش الإنجليزي، ولما كانت كل من مدن القناة مقسومة بين (حى افرنجي) للأجانب، و(حى بلدي) للمصريين، فقد قام الاحتلال بتهجير سكان الحى البلدى فى الإسماعيلية، ولكن هجمات الفدائيين استمرت، وساعدها رجال الشرطة المصريين، فما كان من الجيش البريطانى إلا أن طلب من قوات الشرطة المصرية فى (السويس بورسعيد الإسماعيلية) الخروج من مدن القناة وتسليم أسلحتهم، وحاصر الإنجليز مبنى محافظة الإسماعيلية، وأنذروا الشرطة بإخلائه خلال خمس دقائق. وكان الملازم أول مصطفى فهمى هو أكبر رتبة موجودة فى المحافظة، ورفض التسليم، وسقطت دانة دبابة بريطانية على غرفة التليفون بمبنى المحافظة، بينما مصطفى فهمى ورفاقه يصرون على المعركة غير المتكافئة حتى سقط 80 شهيدا من بواسل الشرطة، وأصيب 120. وأصر قائد القوات البريطانية فى الإسماعيلية (إكس هام) على خروج القوات المصرية مستسلمة، وهو ما رفضه مجددا مصطفى فهمي، فلما وصل قائد القوات البريطانية فى منطقة القناة كلها (ماتيوس) طلب الحديث إلى قائد الشرطة المصرية مصطفى فهمى وما أن رآه حتى أدى التحية العسكرية له، ووافق على خروج القوات المصرية فى غير وصع الاستسلام (الذى توضع فيه الأيادى فوق الرءوس)، كما انصاع لما أملاه مصطفى فهمى من ضرورة خروج قواته فى شكل الطابور. هذا هو موقف الشرطة المجيد الذى نعيش ذكراه كل عام، مستلهمين أنبل المعاني، ومستعيدين ومستزيدين صور الحفاظ على الكبرياء الوطنية، وهو الذى نذكره اليوم بكثير من الخشوع أمام صور شهداء الشرطة فى معركة الإرهاب السائرة الدائرة، التى مثلت مشاهدها فى وجدان كل منا لتبقى لا تزور! لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع