فى وزارة محمود سامى البارودى صار أحمد عرابى وزيرا للحربية، وكانت الوزارة عند حسن ظن الشعب، وحققت مطالبه ورغباته، وأعلنت الدستور، حتى أسماها الناس «وزارة الثورة»، وصار أحمد عرابى بطلا بكل المقاييس، ففى وزارة عرابى لم تعد الترقيات قاصرة على الأتراك والشراكسة، بل صارت حقا للجميع، مما دفع الأتراك والشراكسة إلى تدبير محاولة لاغتيال عرابى، تم كشفها قبل تنفيذها، مما أدى إلى تجريد المشاركين فيها مِن رُتبهم، ونفيهم إلى أقاصى السودان، فتدخلت إنجلترا وفرنسا بمذكرة مشتركة، تطالب فيها بإسقاط وزارة الثورة، ونَفْى عرابى خارج البلاد، وعلى فهمى وعبد العال حلمى إلى الأرياف. لكن هذا التدخل السافر أدى إلى التفاف الشعب والشرطة حول أحمد عرابى لتثبيته فى منصبه، وهنا بدأ الاحتلال الإنجليزى يكشف عن وجهه القبيح، وبدأ بقصف الإسكندرية، ودارت المعارك بينه وبين الجيش والشرطة والوطنيين فى أماكن شتى بالبلاد، حتى كانت معركة التل الكبير التى قاتل فيها الجيش والشرطة قتالا باسلا، انتهى بسقوط عشرات الشهداء من الجيش والشرطة، وإلقاء القبض على عرابى، ونفيه. كان هذا كفاح وقتال الشرطة مع الجيش والشعب لتؤدى واجبها ودورها الوطنى فى الدفاع عن مصر ضد الاحتلال الذى لم يكن ليستقر له الحال فى البلاد لولا مساندة الخديو توفيق للإنجليز، وخيانة فرديناند ديليسبس الذى سمح للإنجليز بعبور قناة السويس، والوصول إلى داخل مصر، وكما كان للشرطة المصرية تاريخ وطنى مع بداية الاحتلال الإنجليزى كان لها دور وطنى عظيم خلال الأيام الأخيرة له، فمبقتضى اتفاقية 1936 كان على القوات البريطانية أن تنسحب إلى منطقة القناة، وأن لا يكون لها أى وجود داخل البلاد، ولأنها، أيا كان نطاق وجودها، هى قوات احتلال، فقد لجأت الدولة ولجأ الشعب إلى شنّ هجمات فدائية ضد القوات البريطانية داخل منطقة القناة، مما كبَّد القوات المحتلة خسائر جمّة، بشرية ومادية ومعنوية، فى كل يوم تقريبا. كان الفدائيون من كل طبقات الشعب، وكانت مدن القناة السويس والإسماعيلية وبورسعيد مقسَّمة فى ذلك الوقت، إلى حى إفرنجى للإنجليز، وحى بلدى للمصريين، فقام الإنجليز بترحيل سكان الحى البلدى بالإسماعيلية خارج المدينة، إلا أن هذا لم يوقف هجمات الفدائيين الشرسة، والتى كانت تتم بالتنسيق مع الشرطة المصرية، لذا فقد أصدرت قوات الاحتلال قرارا بخروج كل قوات الشرطة المصرية من مدن القناة، اعتبارا من فجر 25 يناير 1952، وعندما توجه رجال الشرطة إلى مقر عملهم فى ذلك اليوم طالبتهم قوات الاحتلال بإخلاء المبنى خلال خمس دقائق، أو سيتم اقتحامه واحتلاله بالقوة، واشترطت أن يتركوا أسلحتهم خلفهم. وما زال للبطولة بقية.