وكان يوم جمعة ,لكنه لا يشبه تلك الجمع المفجعة التى تلاحقنا منذ فبراير2011, كانت جمعة تتسم بالطهارة والنضال ,يوم تاريخى كتبته الشرطة المصرية بحروف من نور ,سطره أبرار الشرطة بأسطورة تاريخية مجدت تلك المؤسسة فى الأرض والسماء .. كانت منطقة القناة تحت سيطرة القوات البريطانية وفق اتفاقية 1936التي كان بمقتضاها ان تنسحب القوات البريطانيه إلى القناة وألايكون لها أي تمثيل داخل القطر المصري غير في منطقه القناه المتمثلة في(الإسماعيليه-السويس – بورسعيد). فلجأ المصريون شعبا ودولة إلى تنفيذ هجمات فدائية ضد القوات البريطانيه داخل منطقة القناة والتى كبدتها خسائر بشريه وماديه ومعنويه كل يوم تقريبا. بل أن الحكومة أعلنت عن فتح مكاتب لتسجيل أسماء عمال المعسكرات الراغبين في ترك عملهم مساهمة في الكفاح الوطني حيث سجل [91572] عاملاً أسماءهم في الفترة من 16 أكتوبر 1951 وحتى 30 من نوفمبر 1951، كما توقف المتعهدون عن توريد الخضراوات واللحوم والمستلزمات الأخرى الضرورية لإعاشة ثمانون ألف جندي وضابط بريطاني.. في بادئ الامر لم يكن هناك أي تنسيق بين جماعات الفدائيين وبعضهم البعض حتى تدخل البوليس المصري لينسق ما بينهم مما أدى إلى حدوث اضرار أكبر في القوات البريطانيه. وكانت مجموعات الفدائيين مكونة من كافة طوائف الشعب المصري من فلاحين وعمال وطلبة جامعات وغيرهم. وكانت أغلب مدن القناه تقسم إلى حيين حيى أفرنجى وحى بلدى وكان يسكن الحى الافرنجى الإنجليز اما الحى البلدى فكان المصريين. وبعد كثرة الهجمات على قوات الاحتلال قامت القوات البريطانيه بترحيل أهالى الحى البلدى في الإسماعيليه خارج تلك المدينة وهجروهم منها. ولكن ذلك لم يؤثر على الفدائيين وزادت هجماتهم شراسه وذلك بالتنسيق مع قوات البوليس المصري الذي فطن اليه الاحتلال بأنه يساعد الفدائيين فأصدرت قرار بان يخرج كافة افراد الشرطه المصرية من مدن القناه واعطت أوامرها بان يتركوا تلك المدن .. يا الله, وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد "البوليس والفدائيين" ضد الأنجليز و"البوليس والشعب" ضد الإرهابيين ,ولكن فى الثانية بركاكة بعض الشئ …. ماعلينا وجاء اليوم المشهود ,في صباح يوم الجمعة 25/1/1952فى مدينة الاسماعيلية , استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة ضابط الاتصال المصري، وسلمه إنذارًا بأن تسلم قوات البوليس "الشرطة" المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وتجلو عن دار المحافظة والثكنات، وترحل عن منطقة القناة كلها, والانسحاب إلى القاهرة بدعوى أنها مركز إختفاء الفدائيين المصريين المكافحين ضد قواته فى منطقة القنال وكعادة الجندى المصري شرطى كان أو جيش رفض الإنذار, ورفضته كذلك المحافظة وأبلغته إلى وزير الداخلية " فؤاد سراج الدين باشا " الذي أقر موقفها، وطلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام,فقد القائد البريطانى فى القناة أعصابه فقامت قواته ودباباته وعرباته المصفحة بمحاصرة قسم بوليس "شرطة" الاسماعيلية لنفس الدعوى بعد أن أرسل إنذارا لمأمور قسم الشرطة يطلب فيه منه تسليم أسلحة جنوده وعساكره ، غير أن ضباط وجنود البوليس "الشرطة" رفضوا قبول هذا الانذار, ووجهت دباباتهم مدافعهم وأطلق البريطانيون نيران قنابلهم بشكل مركز وبشع بدون توقف ولمدة زادت عن الساعة الكاملة، ولم تكن قوات البوليس "الشرطة" مسلحة بشىء سوى البنادق العادية القديمة. وقبل غروب شمس ذلك اليوم حاصر سبعة آلاف جندي بريطاني مزودين بالأسلحة مبنى قسم البوليس "الشرطة" الصغير مبنى المحافظة في الإسماعيلية، تدعمهم دباباتهم السنتوريون الثقيلة وعرباتهم المصفحة ومدافع الميدان، بينما كان عدد الجنود المصريين المحاصرين لا يزيد على ثمانمائة في الثكنات وثمانين في المحافظة، لا يحملون غير البنادق. ودارت معركة غير متكافئة القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة فى القسم ولم تتوقف هذه المجزرة حتى نفدت آخر طلقة معهم بعد ساعتين طويلتين من القتال، سقط منهم خلالهما خمسون شهيدًا وثمانون جريحا وهم جميعا أفراد جنود وضباط قوة الشرطة التى كانت تتمركز فى مبنى القسم ، وأصيب نحو سبعون آخرون، هذا بخلاف عدد آخر من المدنيين وأسر من بقي منهم. ولم يستطع الجنرال الانجليزي أيا كان اسمه آن ذاك أن يخفي إعجابه بشجاعة المصريين وقال قوله التاريخى :" لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف ولذا فان من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا " وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من جنرالهم بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم امامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم,فى معركة غير متكافئة رفضت فيها قوات الشرطة المصرية بالاسماعيلية تسليم سلاحها للمحتل البريطانى واستشهد على أثرها 56 شهيداً .. هذا هو التاريخ يا معالى وزير الداخلية, تاريخا لا يتغير أو يمحى , ادهشنى قولك " عن وجود دراسة داخل وزارة الداخلية لتغيير عيد الشرطة من 25 يناير الى 30 يونيو، بسبب عودة العلاقة الجيدة بين الشعب والشرطة فى ذلك اليوم" تدرس وتفكر وتطرح وتتكلم وكأنك تمسك مفتاح التاريخ بيدك .. أى هراء تنطقه يا معالى الوزير ؟! لقد ساءت العلاقة بين الشعب والشرطة يوما وولت ,وكان هذا السوء بإيديكم يوم ان حلم اصحاب المعالى منكم بأن تحولوها دولة لا يحكمها سواكم ظلما وقهرا . من استشهدوا من الشرطة يوم 25 يناير 52 لهم الحق أكثر منك فى أن يظلوا فى ذاكرة الأمة,تكرر أسمائهم وتشيد بما فعلوا ,التاريخ ملك للناس والناس هى الوطن ,والوطن الذى ربما لا تعرف أناسه عن قرب لا ينسون يا معالى الوزير ,لأن الدم والظلم رسم ملامحهم والقهر أشعل النيران فى قلوبهم .. فأرضخ لتاريخك وقدر بنى وطنك واستقم يرحمك الله ..