الخامس والعشرون من يناير هو عيد الثورة، ثورة شعب مصر، والخامس والعشرون من يناير هو عيد الشرطة المصرية، عيد الأبطال، الذين يكرهون الشرطة سيرفضون المصطلح، وإن كنت أرى أن من الخارجين عن القانون، ومحبى الفوضى والانفلات، هم أكثر مَن يكرهون الشرطة، هذا لأن الشرطة هى يد القانون، والمنفّذة للنظم، التى يضعها المجتمع ويتفق عليها، والحامية للأبرياء منه، والمحافظ الأوّل على أمنه وسلامته. أنت وأنتم وأنا ننام مغمضى العيون، بأنفاس هادئة، لأننا نعلم أن هناك شرطة تسهر على حمايتنا، اكره هذه الحقيقة أو أحبّها، لا فارق، لأنها حقيقة، ولأنها كانت وما زالت، وستظل حقيقة، شئت أم أبيت، اكرهها كما تريد، ولكن أخبرنى بالله عليك، مَن ستناشد، لو سرق أحدهم سيارتك؟! بمَن ستستنجد، إذا ما استولى أحدهم على حافظة نقودك؟! بمَن ستستغيث، إذا ما حاول أحدهم اقتحام منزلك بالقوة؟! بل وإلى أين ستذهب، لو أردت استخراج بطاقة رقم قومى، أو جواز سفر، أو رخصة قيادة، أو تصاريح أخرى لا حصر لها؟! ألم تنتبه قط إلى أن الشرطة لا تحمى فحسب؟! إنها تخدم أيضًا، وطوال الوقت، وتاريخ الشرطة المصرية يمتلئ بالبطولة والوطنية والتضحية، لم يكن انضمام الشرطة إلى الثوار فى الثلاثين من يونيو 2013 واقعة فريدة، فهذه الشرطة خرج منها مَن أسّس أوّل جمعية تطالب بالتغيير والحريات، فى زمن عرابى، الشرطة التى خرجت بقوة وفاعلية، وسط صفوف الشعب، فى ثورة عرابى، وعيد الشرطة ما هو إلا تخليد لأعظم بطولات الشرطة، إبان الاحتلال البريطانى عام 1952م، بطولة كتب عنها الجنرال (ماتيوس) قائد القوات البريطانية فى منطقة القنال فى مذكراته، يقول إن «بطولة الشرطة المصرية فى ذلك اليوم، فاقت كل البطولات التى تحملها حتى الروايات الخيالية، وإن (إنجلترا) ستحمل عار ما فعلته معهم إلى الأبد».. ففى ذلك الوقت، وبمقتضى اتفاقية 1936م، كان لزامًا على القوات البريطانية أن تنسحب إلى منطقة القناة، وأن لا يكون لها أى وجود داخل البلاد.. ولأنها قوات احتلال، مهما انحصر وجودها، فقد بدأ شن هجمات فدائية، ضدها، بتنسيق بين الدولة والفدائيين، من كل طبقات الشعب، على نحو كبَّد القوات المحتلة خسائر كبيرة، فى البشر والمعدات والمعنويات، وعلى نحو شبه يومى فى ذلك الوقت أيضًا، كانت مدن القناة مقسّمة، فى (السويس) و(الإسماعيلية) و(بورسعيد) إلى حى إفرنجى للإنجليز، وحى بلدى للمصريين، ومع الجبروت التقليدى للمحتلين، قام الإنجليز بترحيل سكان الحى البلدى بالإسماعيلية إلى خارج المدينة، ولكن هذا زاد من هجمات الفدائيين الشرسة، والتى كانت تتم بالتنسيق مع الشرطة المصرية الوطنية، ولأنها أدركت هذا، فقد أصدرت قوات الاحتلال قرارًا بخروج كل قوات الشرطة المصرية من مدن القناة، اعتبارًا من فجر 25 يناير 1952م، ولكن رجال الشرطة تجاهلوا الأمر، وتوجّهوا إلى مقر عملهم فى ذلك اليوم، فطالبتهم قوات الاحتلال، بكل الصلف والعجرفة، بإخلاء مبنى المحافظة خلال خمس دقائق، أو سيتم اقتحامه واحتلاله بالقوة، واشترطت أن يتركوا أسلحتهم خلفهم.. كان أكبر الضباط رتبة، فى ذلك الوقت من الصباح المبكّر، هو النقيب (مصطفى رفعت)، وكان الذى وجّه الإنذار إليه هو (أكس هام) قائد القوات الإنجليزية فى الإسماعيلية.. وللملحمة بقية.