في زمن الفوضى تتراجع كل القيم النبيلة والأخلاقيات الأصيلة المنبثقة من العادات والتقاليد وكل ما هو جميل في حياتنا. يبثون الخرافة والدجل والشعوذة عبر فضائيات وقنوات السحر والشعوذة التي أصبحت تغزو المنازل دون رقيب ولا حسيب حاملة معها أفكاراً ومعتقدات طالما حاربها ديننا الحنيف، موجدة لنفسها عبر من ضاقت بهم الأرزاق وتكالبت عليهم هموم الحياة مكانا ومتنفسا. وأصبحت هذه القنوات ببرامجها ميدان منافسة فيما بينها فرصدت ساعات البث المتواصل والمتنوع في استضافتها المشعوذين والسحرة، ممن جعلوا الدين ستارا يمارسون خلفه دجلهم عبر الشاشات، مستغلين ضعف إيمان البعض وجهل البعض الآخر بالظاهرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة. وتبث بعض هذه القنوات مقاطع لتعليم السحر والكهانة والدجل والشعوذة، فهذا الساحر يعلم المتصلين والمتصلات عليه طريقة السحر فيعرض ما يزعم أنه حجاب مكتوب على صحيفة كبيرة على الشاشة ويقول للمتصل (اكتب اسمك في هذا المربع بين الطلاسم واسم أمك في المربع الآخر ولن يضرك شىء بعده). وذاك الدجال يدعى إخراج الجن من جسد (البنات الملبوسات)، وثالث يعلن براعته في إنهاء زواج الإنس بالجن. وهنا يطرح علماء الدين عدة تساؤلات مهمة وهى: ألا يعد ذلك فتنة على أفراد المجتمع؟ وأين الرقابة الدينية على تلك البرامج؟ وكيف يمكن حماية عقل وذوق المشاهد؟ وما هو دور المناهج التعليمية والمساجد والكنائس في توعية المواطنين بحقائق الأمور؟ وكيف يمكن التصدي لها وما الجهات التي يجب أن تتضافر جهودها لوقف بث فضائيات السحر والشعوذة؟ ولكن يبقى السؤال الأبرز : ما حقيقة سكنى الجن جسد الإنسان وهل يمكن الزواج بينهما؟ الرقابة الدينية يجيب الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، قائلا: انه لا يوجد تزاوج بين الإنسان والجن وذلك لاختلاف الطبيعة واختلاف الخلق لان الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان من طين وهذا أصله ثم تناسل من هذا الأصل ذرية كما ذكر القرآن الكريم. أما الجن فإنهم خلقوا من مارج من نار ولا يتصور أن يتحقق تزاوج بين نوعين من الخلق مختلفين في أصل الخلق والتكوين ونحو ذلك، وتلك خزعبلات وخرافات يحلو للبعض أن يعيش فيها لكن لا أساس لها من الصحة، وكذلك الحال ما يدعيه البعض من أن الجن يتلبس بني ادم فهذا الكلام أيضا من الخرافات التي لا يمل كثير من الناس ادعاءها والتكسب بها كوسيلة من وسائل الدجل والنصب على البسطاء، والذي يدخل في هذا المجال ينتهي به الحال إلى الكفر بالله تعالى، ومعظم من يدخلون هذا المجال ينتهي بهم الحال الى الوفاة بسبب ما يمارسه عليهم الدجالون من أعمال العنف بدعوى إخراج الشياطين من أجسامهم. وحذر الدكتور إدريس، من الانسياق وراء هذه الخرافات لأنها لا واقع لها ولا حقيقة، والجن خلق من خلق الله لم يعطهم الله سلطانا على الآدميين كما لم يعط الله الآدميين سلطانا عليهم. ومن يدّعِ تسخير الجن فهو أفاق كذاب دجال، ولم يجعل الله تعالى سلطانا على الجن لأحد من البشر إلا لسيدنا سليمان عليه السلام كما نص القرآن الكريم. وينبغي على المجتمع بمسلميه ومسيحييه أن يفيقوا من ضلالهم ولا يهتموا بكلام النصابين والمشعوذين الذين يستنزفون أموالهم بدعوى إخراج الجن أو فك العمل أو إتيان المفقود أو الشيء البعيد أو الغائب أو نحو ذلك بما يشتغل به هؤلاء النصابون لذا وجبت التوعية من خلال وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية. خداع للبسطاء ويقول الدكتور محمد نجيب عوضين، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، إنه لو كان هناك نوع من الاتصال أو الاختلاط بين الإنس والجن لتحدث عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ونبهنا إلى الطريق الذي نتبعه في هذا المقام، فالمقطوع به أن عصاة الشياطين فقط من جنود إبليس هم الذين يسولون للإنسان ويزينون له فعل المعاصي فالإنسان حين يفعل الحرام يكون تحت تأثير الشيطان، أما الادعاء بحدوث نوع من التزاوج بين الإنس والجن أو (اللبس) أو (المس) في امة محمد بعد رسالته فهذه أمور لا تتفق مع النصوص ولا مع العقل لان الجن مخلوق ناري من مادة غير التي خلق منها الإنسان. وبعض الكتب التي تمتلئ بالخرافات مثل سكن الجن داخل الإنسان والمس واللبس إنما هي من الاغاليط التي ليس لها أساس من الصحة وخاصة بعد ظهور العلم الحديث وتطور الطب بفروعه المختلفة وأوضح الدكتور نجيب عوضين، أنه يجب على الإنسان حينما يشعر بالاضطراب ولا يجد سببا عضويا أن يبحث عن العلة النفسية أو العصبية التي غالبا ما تكون وراء ذلك والتي لها سبب ملموس لدى الأطباء وتنتهي بالشفاء، والتداوى أمر مطلوب شرعا لان النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما خلق الله داء إلا وجعل له دواء) فاستخدام بعض الجهلاء لبعض من يدعون فهمهم لقضايا الجن والإنس وما إلى ذلك والذين يظهرون في البرامج الإعلامية التي ليس لها هدف إلا التشويش على البسطاء ويسبب لهم الضرر أو النفع فيقوم المعالج المزعوم بضرب المريض ضربا قاسيا أو يصب سوائل على جسده، فكل ذلك من ارتكاب المحرمات والمعاصي، كما اننا لا نجد أحدا تماثل للشفاء بهذه الطريقة فهذا المعالج المزعوم يحاول إقناع المشاهدين بأن المريض قد شفى وهذا غير صحيح. كما أن الخلط بين الرقية الشرعية والأعمال المادية كالضرب أو الاعتداء على جسد المريض، يعد خداعا للبسطاء ونصبا وابتزازا، فالشفاء والمرض من عند الله وما علينا إلا الأخذ بالأسباب والأسباب الصحية هي ما جاءت في قوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) واللجوء لأهل الخبرة فقط وهم الأطباء المختصون ويجب ألا نتعامل مع هؤلاء وعلى أجهزة الإعلام الترفق بالعامة حتى لا تشتعل النيران. وفي سياق متصل يرى الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، أن ما نشاهده في كثير من الفضائيات هو عبث بعقول المشاهدين، وقد زاد عن حده ولم يعد مقبولا هذا الكذب والافتراء بالإتيان بأناس يزعمون أنهم ممسوسون من الجن أو أن بعض البنات متزوجات من الجن بينما الحقيقة بخلاف ذلك، وهذا الأمر مرفوض ويجب على المسئولين أن يحافظوا على سمعة المصريين والمصريات كما انه يجب الإسراع بسن القوانين لمنعها. وطالب وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة بأن يحافظوا على سمعة بلدهم وألا يتتبعوا أخبار الجن والشعوذة وما إلى ذلك من الموبقات. ونذكر هؤلاء بأن من يشيع فاحشة من الفواحش إنما يرتكب منكرا من أعظم المنكرات وقد توعد الله تعالى فاعل ذلك بالعذاب في الدنيا والآخرة حين قال تعالى في كتابه العزيز: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ”.