في احتفالية حضرها الرئيس الالماني يواخيم جاوك في مقر اقامة السفير الاسرائيلي في برلين يعكوف هاندلزمان اعلن الاثنان عن بدء فعاليات الاحتفال باليوبيل الذهبي للعلاقات الدبلوماسية بين كل من المانيا واسرائيل والتي بدأت في مايو عام 1965 . وهي فعاليات مشتركة ستستمر طيلة عام 2015 باكمله في جميع المجالات في مختلف انحاء المانيا وتبلغ ذروتها في 12 مايو القادم خلال زيارة الرئيس الاسرائيلي لبرلين. غير ان الاحتفاء الرسمي الالماني المبالغ فيه بهذه المناسبة لا يشاطره الشارع الالماني بنفس القدر، فهناك انتقادات متزايدة للانحياز الالماني المستمر لاسرائيل رغم انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين . الرئيس الالماني اكد في كلمته على علاقات الصداقة الخاصة التي تربط بين بلاده واسرائيل وان المانيا ستعمل على تعميقها وستقف دوما بجانب اسرائيل مشددا على ان الصداقة تظهر وقت الشدة في تلميح لما يصرح به دائما كل مستشاري المانيا مهما اختلفت انتماءاتهم الحزبية من ان المانيا ملتزمة بامن اسرائيل والحفاظ على وجودها. ويطيب للمسؤلين الالمان والاسرائيليين هذه الايام التذكير- في تصريحات ومقالات بمناسبة عام اليوبيل الذهبي- بان وصول العلاقات بين البلدين لهذا المستوى الرفيع من التعاون والشراكة لم يكن ليتصوره احد قبل اكثر من خمسين عاما. فعندما وقعت المانيا الاتحادية ( الغربية) في عام 1952 اتفاقية لوكسمبورج لتعويض اليهود الناجين من المحرقة النازية وخصصت 3 مليارات مارك لذلك رفض الكثيرون في اسرائيل هذه الاموال في البداية ووصفوها بانها ملوثة بدماء اليهود ضحايا الهولوكست قبل ان يقبلوها وتصبح المساعدات الالمانية جزءا مهما من الميزانية الاسرائيلية حتى عام 1962 بل وتساعد تل ابيب في تجاوز مرحلة صعبة عندما اوقفت الولاياتالمتحدة مساعداتها لها خلال ازمة السويس. اما المستشار الالماني كونراد اديناور فلم تكن دوافعه اخلاقية بحتة بقدر ما كان يدرك ان بلاده عليها ان تقدم دليلا عمليا على " احساسها بالذنب" مما اقترفه النازي باسم الشعب الالماني حتى تعجل من عملية اندماجها في المجتمع الغربي. بل ان المانيا رفضت اقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل عام 1956 حرصا على علاقاتها بالعالم العربي قبل ان تضحي بهذه العلاقات عام 1965 لتبدأ علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل. وخلال الخمسين عاما الماضية تطورت العلاقات الالمانية الاسرائيلية بناء على معادلة تحصل فيها اسرائيل من المانيا على كل ما تريده من دعم اقتصادي وعسكري وفني وتقني وتمنحها في المقابل "شهادة اعفاء مؤقتة من الذنب" ! ومن بين ابرز محطات هذا التطور كان التعاون العلمي بين جمعية ماكسبلانك الالمانية ومعهد وايزمان الاسرائيلي وكذلك افتتاح اول فرع لشركة فولكسفاجن الالمانية في تل ابيب عام 1960 وهي الشركة التي تأسست بأمر هتلر! ثم اتفاق الشراكة بين اتحادات النقابات في البلدين عام 1975. أما التعاون العسكري فقد بدأ عام 1957 وسط ظروف مريبة بعد زيارة قام بها شيمون بيريز- وكان وقتها يعمل في وزارة الدفاع الاسرائيلية - لوزير الدفاع الالماني فرانس جوزيف شتراوس بدأت بعدها المانيا في ارسال اسلحة لاسرائيل بعيدا عن رقابة البرلمان ولاخفاء آثار هذه الصفقات ومنها دبابات ، ابلغت عن سرقتها! حسب ما نشرت مؤخرا صحيفة دي فيلت الالمانية. اما اليوم فتؤمن احدث الغواصات في العالم- المانية الصنع- سواحل اسرائيل بل ويمكن تزويد بعضها برؤوس نووية كما تؤكد التقارير الالمانية نفسها عن هذه الصفقات بالمليارات والتي تحمل دافع الضرائب الالماني جانبا كبيرا من تمويلها! وفي الشهر الماضي فقط تسربت لوسائل الاعلام الالمانية وثيقة سرية موجهة من وزارة المالية للجنة الموازنة في البرلمان حول احدث صفقات الاسلحة لاسرائيل وتتكون من اربعة فرقاطات حديثة بتكلفة مليار يورو ستقوم بصناعتها شركة تيسن كروب الالمانية ومرة اخرى ستساهم الحكومة الالمانية في التكلفة باكثر من مائة مليون يورو! هذا غير التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين التي بدأت منذ عقود حتى ان صحيفة تابعة لدار نشر اكسل شبرنجر الالمانية المؤيدة لاسرائيل نشرت ان القوات الخاصة الالمانية جي. اس . جي 9 تكونت في السبعينات بخبرة اسرائيلية! ولا يمكن حصر حجم الدعم الالماني الهائل لاسرائيل في مختلف المجالات اليوم فحتى في كرة القدم يشارك المنتخب الاسرائيلي والاندية الاسرائيلية في البطولات الاوروبية بفضل دعم اتحاد الكرة الالماني! وهناك اكثر من مائة شراكة بين المدن الالمانية والاسرائيلية . كذلك وقعت برلين مع تل ابيب اتفاقا يمنحها حق تمثيل المصالح الاسرائيلية القنصلية في الدول التي لا تربطها بها علاقات دبلوماسية مثل ماليزيا واندونيسيا. ومنذ عام 2008 ينظم البلدان مشاورات حكومية سنوية مشتركة على ارفع مستوى لتنسيق العلاقات بينهما. رغم كل ذلك فلا يمكن القول ان مجتمع الاعلام والثقافة والمواطن الالماني العادي راض تماما عن دعم الحكومات الالمانية غير المشروط لاسرائيل. فقدت شهدت شوارع المانيا خلال الهجوم الاسرائيلي الاخير على غزة موجة غضب وتظاهرات غير مسبوقة مناهضة لاسرائيل وترددت لاول مرة في المانيا علنا بهذا الشكل الجماعي هتافات معادية لليهود ايضا ما اثار قلقا كبيرا في الاوساط السياسية الالمانية وايضا في اوساط الجالية اليهودية مما وصفوه بموجة غير مسبوقة من معاداة السامية في المانيا. ورغم ان عددا كبيرا من المشاركين في هذه التظاهرات من ابناء الجاليات العربية والتركية والمسلمة في المانيا الا انها حظيت بدعم واضح من النقابات ومنظمات حقوقية ومدنية المانية وتحالفات لمواطنين المان يرفضون سياسة الحكومة الاسرائيلية وانتهاكاتها ضد الفلسطينيين.كما ينتقد حزب اليسار الالماني المعارض ايضا موقف المستشارة انجيلا ميركل الرافض للاعتراف بدولة فلسطين واي تحرك فلسطيني للانضمام للمنظمات الدولية بدعوة انها اجراءات من طرف واحد تضر بمفاوضات السلام.وينتقد خبراء معروفون من امثال ميشائيل لودرز سياسة برلين التي تملك من اوراق الضغط الكثير لاعادة الشريك الاسرائيلي لمسار السلام ولكنها تفتقر للشجاعة اللازمة لتغيير سياستها تجاه اسرائيل، كما يقول.في الوقت نفسه ينشط الكتاب المؤيدين لاسرائيل في الصحف الالمانية محذرين برلين من المساس بهذه "العلاقة الخاصة " بالدولة اليهودية كما تسميها المستشارة ميركل، مروجين لمقولة ان استمرار دعم المانيا غير المشروط لاسرائيل حماية لالمانيا نفسها ودليل على تحضرها وديموقراطيتها وتخليها عن هذا الدعم يعني عودة المخاوف من المانيا القومية المتطرفة!