على ضوء زيارة الرئيس الالمانى يواخيم جاوك إلى إسرائيل اليوم والتي تستمر حتي نهاية الشهر الجاري رصدت الدويتش فيلا الالكترونية الألمانية ملف العلاقات الالمانية الإسرائيلية. فأشارت إلي أن الرئيس الألماني يوآخيم جاوك ينحدر من الجمهورية الديمقراطية الألمانية سابقا، أي مما كان يعرف بدولة "ألمانياالشرقية"، التي لم تكن لها علاقات رسمية مع دولة إسرائيل. وكانت ألمانياالشرقية سابقا تعتبر نفسها "دولة معادية للفاشية" وأنها ليست خلفا للحكم النازي ومن ثم لم تتحمل مسؤولية عبء هذه الفترة من التاريخ الألماني. أما بالنسبة لجمهورية ألمانيا الاتحادية أو ما كان يعرف ب"ألمانياالغربية" سابقا فإن التضامن غير المشروط مع إسرائيل كان ولا يزال واحدا من ثوابت السياسة الألمانية. وبالتالي فإن أول جولة رسمية له خارج الاتحاد الأوروبي ستقود الرئيس الألماني الجديد يواخيم جاوك إلى إسرائيل في زيارة تستمر من 28 إلى 31 من الشهر الجاري، من المنتظر أن يزور خلالها أيضا الأراضي الفلسطينية. وكان كونراد أديناور، أول مستشار لألمانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية، قد بذل جهودا كبيرة من أجل إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل التي تأسست عام 1948، وفي عام 1953 وقع مع مؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون على اتفاقية التصالح وإعادة العلاقات، وفي عام 1965 تمت إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، واليوم تعد ألمانيا أحد من أهم حلفاء الدولة العبرية، حتى أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل كانت أعلنت أن أمن إسرائيل من مصلحة دولة ألمانيا. وفي سياق متصل بزيارة الرئيس الألماني يواخيم جاوك إلي إسرائيل ، وحسب استطلاع للرأي أجرته مجلة "شتيرن" الألماني ، جاء فيه أنه بعكس الساسة الألمان فإن المواطنين في ألمانيا يرون سياسة إسرائيل من منظور مختلف وأشار الاستطلاع إلي أن 59 بالمائة من المشاركين فيه يرون أن إسرائيل "دولة عدوانية"، وهي نسبة تزيد 10 في المائة عن مثيلتها قبل عشرة أعوام. كما يرى ثلثا المواطنين الألمان أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق مصالحها دون مراعاة للشعوب الأخرى. بينما لم يبد تضامنه مع إسرائيل سوى 36 في المائة فقط، وهي نسبة تقل قرابة 10 بالمائة عن مثيلتها قبل ثلاثة أعوام. بل إن 13 في المائة لا يرون أن "لإسرائيل حق في الوجود". من جهته، يخلص المؤرخ ميشائيل فولفزون، المنحدر من مدينة ميونيخ الألمانية، إلى أنه "لا توجد صداقة بين ألمانيا وإسرائيل"، ففي إحدى الندوات الحوارية في برلين أشار إلى أنه "يظهر بوضوح من خلال قراءة استطلاعات الرأي أن المسافة بين البلدين في اتساع منذ عام 1981". ويشير المؤرخ الألماني إلى أن إسرائيل كانت تتمتع في ألمانيا بعد حرب 6 يونيو 1967 بسمعة جيدة للغاية، لكنها أصيبت بخدش بعد حرب 6 أكتوبر 1973. وفي عام 1981 أصيبت العلاقات بين إسرائيل وألمانيا بشرخ عميق، عندما وقع جدال حاد بين المستشار الألماني آنذاك هيلموت شميت ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن على خلفية خطط ألمانيا لتوريد أسلحة إلى المملكة العربية السعودية. ويرى فولفزون أن إسرائيل "تعد اليوم واحدة من أكثر دول العالم غير المحبوبة لدى الرأي العام الألماني." وتزداد النظرة النقدية لإسرائيل خاصة لدى الشباب الألماني، الذي قل لديه الشعور بالمسؤولية عن الذنب التاريخي إزاء إسرائيل ، ولكن اهتمام الكثيرين من الشبان الألمان بإسرائيل يبقى كبيرا. في نفس السياق ، تؤكد المؤرخة الألمانية الإسرائيلية "تامار أمار- دال" في حوار مع "الدويتش فيلا" الألمانية ،أن هناك اهتماما كبيرا لدى الطلبة الألمان بإسرائيل، فهي تدرس مادة "تاريخ إسرائيل" في جامعة برلين الحرة وتلحظ الإقبال المتزايد على محاضراتها. وتقول أمار - دال: "إسرائيل تمثل للألمان شيئا مبهرا، غامضا في حد ذاته، شيئا يصعب فك لغزه". وتضيف المؤرخة قائلة: "إن الانشغال بإسرائيل يعني للطلبة مواجهة مع تاريخ معاناة اليهود واضطهادهم (خلال حقبة ألمانيا النازية) وكذلك مواجهة مع الماضي الألماني اليهودي المشترك. فهناك رغبة في فهم إسرائيل على أنها مشروع دولة قومية يمكن أن يؤدي نجاحه إلى تخفيف الذنب الألماني". لكن المؤرخة الألمانية الإسرائيلية ترى أن "المشروع الصهيوني قد فشل بعد 70 عاما من المحرقة". وتوضح قائلة: "الدولة العبرية لا تقدم الأمن لمواطنيها سواء من اليهود أو غير اليهود". وتشير إلى أن هذا الإدراك قد بدأ يفرض نفسه تدريجيا أيضا في ألمانيا. "يفهم المرء مع الوقت أن السياسة الإسرائيلية، التي لا تبعث على التفاؤل، قد ساهمت بدورها في ذلك". وحسب تامار أمار-دال فإن الألمان "يرون أنفسهم في حيرة، إذ يتعين عليهم في الوقت نفسه الجمع بين شعورهم الكبير بالذنب وانتقادهم لإسرائيل في حالة الضرورة. وهذا يفترض فيهم مقدما الاستقلالية والتدقيق في تعاملهم مع إسرائيل." وبالرغم من ذلك لا تريد المؤرخة أمار-دال الحديث عن "علاقة طبيعية بين ألمانيا وإسرائيل"، فهي ترى أن هذا "غير ممكن على المدى الطويل، لأن الجرائم الألمانية التي ارتكبت ضد اليهود شديدة التطرف والوحشية، فالمحرقة ستظل قائمة لمدة طويلة بين الشعبين."- حسب المؤرخة - وحسب الدويتش فيلا الألمانية ، فإن العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل جيدة ومستقرة بعد ما يقرب من 70 عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية. وتعقد بانتظام منذ عام 2008 مشاورات حكومية بين البلدين في برلين والقدس بالتبادل. كما تعد ألمانيا مؤيدا موثوقا به لإسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي. كما تعتبر ألمانيا موضع تقدير كبير في إسرائيل كمورد سلاح لها، فقد تسلمت إسرائيل قبل أربعة أسابيع رابع غواصة من نوع "دولفين" وهي من صناعة ألمانية. وقد طلبت إسرائيل من ألمانيا ست غواصات قادرة على حمل رؤوس نووية، تكلفة كل واحدة منها تصل إلى نصف مليار يورو، وبهذا تكون أغلى سلاح إسرائيلي. يذكر أن ألمانيا تتحمل جزء من تكلفة الغواصات، فقد أهدت لإسرائيل الغواصة الأولى والثانية، وتساهم بمئات آلاف اليورو في صناعة بقية الغواصات. وكان توريد الغواصات الألمانية لإسرائيل سببا دفع الأديب الألماني غونتر غراس للتعبير عن مخاوفه من التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط وانتقاده للسياسة الإسرائيلية. فقد نشر غراس - الحائز على جائزة نوبل في الآداب - في أبريل الماضي قصيدة في عدد من الصحف الألمانية والعالمية هاجم فيها بشدة إسرائيل بسبب تهديداتها بالهجوم على إيران. وبهذا أثار غراس موجة من الاستياء والحكومة الإسرائيلية اعتبرته شخصا غير مرغوب فيه. وهذا الموضوع يمكن أن يكون أحد الموضوعات المطروحة للنقاش أثناء زيارة الرئيس الألماني جاوك لإسرائيل.